رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مكتبة الإسكندرية تدفع بـ «الفن والأدب فى مواجهة التطرف»
أهم رسائل المؤتمر : الاهتمام بتثقيف الأطفال وإحياء الحركة الفكرية والتنويرية

الإسكندرية - محمد أمين المصرى ومحمد هندى

الفكر هو السلاح الوحيد لمقاومة المتطرفين..ومصر تعرضت لعملية ممنهجة لتغذية الإرهاب
الفقى : الفن والأدب يسهمان فى صنع الحياة..والتطرف أداة لتدميرها

 

لم يكن مؤتمر «الفن والأدب فى مواجهة التطرف» مجرد كلمات افتتاحية وختامية وجلسات تعقد هنا وهناك فى قاعات مكتبة الإسكندرية، فحتى شعاره يتطابق تماما مع مضمون ندواته المتعددة، وهو ما أوضحه الدكتور مصطفى الفقى مدير المكتبة فى افتتاح واختتام النسخة الرابعة من مؤتمرات المكتبة لمواجهة الإرهاب..فقد وضع يده على لب المشكلة وربما كان يقصد دون أن يفسر علانية أن أزمة التطرف والإرهاب ستطول نوعا ما وبالتالى نحن أمام معضلة مواجهة هذه الآفة من مرحلة الطفولة وليس بعدها إذ قال: « علينا واجب تجاه أطفالنا من ( 10 إلى 16 سنة) ، لذلك قررنا أن نستضيف الأطفال من شتى المحافظات وعلى نفقتنا من خلال رحلات، لتوعيتهم وتدريبهم وكى يروا ما لدينا من فنون وثقافة»..ولم تكن الجملة عابرة رغم الكلمة المرتجلة، فكانت ذا مغزى : «مواجهة التطرف يجب أن تبدأ من العقول الصغيرة بضمير وطنى وفهم صحيح للإسلام».

...................

إذا كان العالم يموج بتيارات الفكر المظلم والمتطرف، التى ينبغى علينا أن نواجهها معا – والكلام ما زال للفقى – فقد قررت المكتبة أن يكون عام 2018 هو عام الجدية فى مواجهة التطرف، وستوجه طاقاتها للشباب والفئات العمرية الأصغر، وستعمل على التواصل مع المؤسسات الدينية بهدف تنظيم زيارات مكثفة وبرامج خاصة لهم فى المكتبة، بهدف تقديم برنامج ثقافى مدروس فكريا تنويريا، يواجه آفة التطرف، ونشر ثقافة التسامح والمواطنة وقبول الآخر فى المجتمع. لم يتوقف الأمر على الكلمات، فقد جاء الفعل سريعا فى الجلسة الافتتاحية التى تعهد فيها الفقى بافتتاح متحف للأديان فى التاريخ المصرى، بداية من الحضارة الفرعونية، مرورا باليونانية الرومانية والتراث اليهودى والحقبة القبطية وصولا إلى التراث الإسلامى. ومن المنتظر أن يعكس المتحف الذى يقام بأحد قصور حلوان، الوجه الحقيقى لمصر والروح الحقيقية للتسامح والتعايش، فهو يستهدف إعادة دور مصر إلى الذاكرة الإنسانية فى التسامح وتقبل الآخر على اختلافهم. وقد تعهد الفقى بأن تبذل المكتبة أقصى جهد فى هذا الاتجاه، وهو أمر يتطلب تضافر جميع الجهود للخروج بتلك الفكرة إلى النور وتحقيق المبتغى منها.

أما لماذا جاء شعار المؤتمر «الفن والأدب فى مواجهة التطرف وليس الإرهاب»، فهذه قصة طويلة يعرف خفاياها من حضر المؤتمر وشارك فى جلساته المتعددة خاصة تلك المتعلقة بالفنون والثقافة، فالتطرف يتعلق بالفكر فيما يرتبط الإرهاب بالسلوك والفعل، ولا يمكن لشخص أن يتحول إلى العمل الإرهابى دون أن يعتنق الفكر المتطرف. وبالتالى، تكون المواجهة الثقافية والفنية مقدمة على محاربة الإرهاب، لأن الفكر المتطرف هو بداية تشكيل الإرهابى، فإذا استطعنا مواجهة الأفكار المتطرفة والمتشددة فى البداية تمكنا من القضاء على الإرهاب فى مهده، وهذا ما حاولت مكتبة الإسكندرية بثه على مدى أيام المؤتمر الثلاثة.

ومن الطبيعى أن تكون كلمتا «الإرهاب والتطرف» هما الأكثر تداولا فى ردهات المؤتمر، ولكن هذا لم يمنع المشاركين من وضع السبل الكفيلة بالمواجهة رغم اختلاف المسميات والتعابير المستخدمة، ولعل من أهم ما بحثه المؤتمر، هو كيفية مشاركة الأدباء والمفكرين فى مواجهة التطرف، بجانب المعالجة الأمنية للإرهاب التى تقع على عاتق الحكومات والأنظمة، حيث يمتلك الأدباء والمفكرون سلاحاً يتساوى فى القوة لتفكيك الإرهاب والتطرف من المنبع، مع التنبيه بأن الأدب ابن بيئته فإذا كان الواقع فى حالة ارتباك فكرى سينتج عن ذلك ظهور الإرهابيين. ورغم هذا التناول الذى يدعو الى التعاون بين الطرفين (الحكومات والمفكرين) فى المواجهة، فثمة انتقاد وربما يصل لاتهام الى الحكومات، بأنها لا تتحدث سوى عن الحلول العسكرية وسط تغافل دور الأدب، على الرغم من كونها حرباً ضد الظلام والعتمة وتحتاج إلى مواجهة عقلية وفكرية وليس السلاح فقط.

ولنتخيل معا ما ذكره مبارك السالمين، رئيس اتحاد أدباء وكتاب اليمن فى جلسة «الأدب فى مواجهة التطرف» حينما وجه اللوم الى المدرسة والمسرح : «على الأدب أن يتجه الى المدرسة، التى لم تعد السياج الذى يحمى النفس والفضاء المستقطب بل فضاء طارد بسياسات تعليمية وأساليب تدريس غير صالحة، كما أصبح المسرح عدوا للسلطة فى جميع البلدان العربية على الرغم من كونه من أهم وسائل تقويم النفس». ويدق السالمين جرس إنذار فى بلاده وبقية بلدان الوطن العربى التى تئن تحت وطأة الثورات والحروب الأهلية وإن اكتفى هو بالإشارة إلى اليمن : «كادت المكتبة فى اليمن أن تنقرض مع بداية سنوات الحرب، كما أصبحت المسارح جزءا من الماضى وبالكاد يستطيع اليمنيون المحافظة على الجامعات..والأمر يقتضى ضرورة تعلم مشاعر المحبة والقرب التى تآكلت».

ربما أسهب كثيرون من المتحدثين والمشاركين العرب فى عرض أفكارهم ومقترحاتهم للنهوض بالحالة الفكرية والثقافية فى ربوع الوطن الكبير، وهذا أمرمحمود لأنه يتعلق بطبيعة شعار المؤتمر، ولكن فات أيا من هؤلاء التطرق إلى فكرة أساسية تعتمد على مواجهة التطرف، وهى التوازن بين الحريات الشخصية ومواجهة هذا التطرف..وقد نبه الى هذه القضية ريكاردو ريدالى – إيطاليا- فى جلسة «التطرف: رؤى سياسية» بإشارته المهمة إلى ضرورة تنمية حقوق الإنسان والاستفادة من دور مؤسسات المجتمع المدنى والجامعات والثقافة فى مواجهة التطرف. وقد تطرق إلى هذه الجزئية بعد إشارته إلى كثرة الحركات المتطرفة والإرهابية فى الشرق الأوسط والوطن العربى .

وإذا كان المؤتمر قد ركز على التطرف الدينى ومواجهته، فثمة من سعى للتركيز على التطرف السياسى، وتصدى لهذه القضية الدكتورة أم العز الفارسى، أستاذة العلوم السياسية بجامعة بنى غازى، خلال الندوة السابقة فقالت : «لا يمكن أن تكون الحرب أداة من أدوات العملية السياسية حتى وإن كانت تجاه الأفكار المتطرفة..والتطرف السياسى له عدة سمات تتمثل فى غياب الأهداف وعدم التنازل ورفض التسويات بالإضافة إلى استهداف الأقليات وشيطنة الخصوم وهجرة العقول إلى الخارج فضلا عن زيادة خطاب الكراهية». ويكتب للفارسى التى استعرضت أزمة الليبيين مع الإسلام السياسى، أنها لم تترك المشكلة دون حل حيث يتوقف الأمر على الفكر المستنير، فهو أول الأدوات ويقوم على قواعد فكرية منها الاحتكام إلى قيم المواطنة والحوار وقبول الآخر.

وثمة تساؤل طرحه الدكتور لؤى عبد البارى –اليمن- فى نفس الندوة، يتفق مع ما طرحته الدكتورة أم العز الفارسى: «هل تلتصق صفة الإرهاب بالدولة ذاتها؟»، وجاءت إجابته بنعم وإن كان يشير الى النموذج اليمنى وليس تعميما على بقية الدول، فربط بين الإرهاب وتوجه الدولة السياسى: « التطرف له جانبان هما تطرف دولة وتطرف مجتمع، والتطرف المجتمعى يكون رد فعل ونتيجة لتطرف الدولة».

وبدوره، غرد الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية خلال نفس الندوة، خارج السرب، فتحدث عن ثلاثة مداخل لمواجهة الفكر الإرهابى، أولها المدخل السياسى الذى يحتاج إلى بنية سياسية وحزبية قوية. ولم يترك الأمر هكذا حيث انتقد البنية الحزبية فى مصر ووصفها بأنها «مريضة» متهما الأحزاب بأنها مسئولة عن ضعف هذه البنية. ويتمثل المدخل الثانى لمواجهة الإرهاب، فى الشق الدينى القائم على تجديد الخطاب الدينى، ولم يترك المجال أيضا إلا وقد وجه تحذيرا بأن هناك بعض المعلمين فى المدارس يحملون الأفكار المتطرفة. أما المدخل الأخير فيتعلق بعنوان المؤتمر وهو الثقافة التنويرية، وهنا لفت أستاذ العلوم السياسية الانتباه الى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر واجه فكر الإخوان من خلال مشروع شامل وأيضا بمشروع ثقافى، مؤكدا ضرورة إصلاح الحياة السياسية المصرية.

وتأتى كلمة «التعليم» فى المرتبة الثالثة من حيث التداول بعد «الإرهاب والتطرف»، وقد شارك أكثر المتحدثين الدكتور مصطفى الفقى فى رؤيته بضرورة تطوير نظام التعليم: «إذا ظل النظام التعليمى على ما هو عليه فإننا سنكون كالنافخ فى قرب مقطوعة، فلم يتراجع دور مصر الخارجى إلا عندما تراجع دور التعليم». ومن هؤلاء الدكتور كمال مغيث الخبير فى الدراسات التربوية، حينما طالب بالعودة للثقافة والحضارة المصرية عن طريق التعليم: «لابد أن يكون التعليم جزءا من المشروع الوطنى وأن يعبر عن الهوية المصرية، والهدف الأساسى له نشر المواطنة والانتماء الوطنى، وأن يعود الوجه النبيل للمدرسة بالفنون والآداب والعلوم والمواطنة». وأشار فى جلسة «التطرف: مواجهة فكرية»، إلى أن مصر تعرضت خلال الخمسين عاما الماضية إلى عملية ممنهجة لتغذية الإرهاب.

كما حذرمختار بن نصر، رئيس المجلس التونسى لدراسات الأمن الشامل، من ترك الإرهابيين فى الملعب وحدهم، حيث يمنحون المتطرف فكرة جاهزة فهو لا يبذل أى مجهود فى التفكير، حيث يسيطرون على الشباب المهمش الذى يقع بين أيدى جماعات تصنع منه بطلا بعد السيطرة عليه فكريا وتبدأ بفصله عن محيطه وأصدقائه ثم عن أسرته ودولته وحتى نفسه. ولهذا، فإذا كان التطرف فكرا، فلا يمكن أن يعالج إلا بالفكر. وهنا ينتقد بن نصر، رغم تخصصه الأمنى، الدول التى وضعت استراتيجيات لمواجهة الإرهاب تتمحور فقط حول الجهود العسكرية:«لابد من وضع استراتيجيات لتفكيك هذا الفكر أولا والاهتمام بالجانب الاجتماعى الاقتصادى».

ويتفق سعيد شحاتة،الباحث فى مجال الحركات الإسلامية، مع الفقى فى ضرورة الاهتمام بتنمية وعى الطفل فكريا وثقافيا، وركز رؤيته التى طرحها خلال جلسة «النقد الأدبى والفنى»، على أن الفن يمثل تهديدا خطيرا للتطرف، ويجب أن يتعرض الطفل للفن منذ الصغر لكى يحصنه ويقويه ضد الكراهية والتعصب والقتل. ويستشهد شحاتة ببعض الدراسات التى أكدت أن للفن عشرة أسباب للاهتمام به: «يشكل شخصية الطفل، ويشجع الإبداع، ويحسن مستواه الدراسى، ويصعد على السلم الاجتماعى، ويؤدى للثقة فى النفس، والقدرة على اتخاذ القرار والقدرة على الاهتمام والتركيز والتعامل مع الآخر، كما يمكن فهم توجهات الطفل من خلال الفن الذى يمارسه». وأشار شحاتة إلى الاهتمام الأوروبى بالفن فى مواجهة التطرف، وتسهيل عملية زيارة المتاحف والمعالم الثقافية وتعريض الأطفال بصورة دائمة للفن والموسيقى.

كما يتفق الدكتور أسامة عبد الوارث، رئيس المنظمة العربية للمتاحف، خلال جلسة «المتاحف» مع هذه الرؤية: «المتاحف تعتبر من أهم منابر مواجهة التطرف، وتعكس دراسة المقتنيات روح التعاون والتسامح بين الناس وتقبل الآخر، فالمتاحف أمثلة واقعية حية، وشاهدة على تاريخ طويل من التسامح بين البشر على اختلاف عقائدهم، وبالتالى فالمطلوب العمل على تطويرها، ونشر التاريخ والقيم التى يعكسها».

ونأتى الى أهم الرسائل التى اتفق حولها المشاركون والمتحدثون، وتتخلص فى الآتى:

ــ الأعمال الفنية تعد أهم أدوات محاربة الفكر المتطرف، وأن تهميش دور الثقافة من سينما ومسرح ومهرجانات فنية فى العديد من الدول العربية هو شكل من أشكال التطرف..وعلى الدول أن تتبنى مشروعات ثقافية فى جميع المجالات، وأن يسعى الإعلام إلى تقديم النماذج الثقافية الناجحة، فأى عمل ثقافى تنويرى سيسهم فى مواجهة التطرف.

ــ التعليم والثقافة هما الرافعتان الأساسيتان لنهضة أى دولة، فنشر المزيد من الثقافة والمعرفة، والاهتمام بالتعليم هما أساس محاربة التطرف، فالأميون هم لقمة سائغة للتطرف والإرهاب. وضرورة القضاء على مخرجات النظام التعليمى الذى يعتمد على التلقين.. وان يتم إعداد النشء ثقافيا فى مرحلة مبكرة وتربيتهم على مكارم الأخلاق.

الاهتمام بدور المسارح وأن يكون جزءا من مشروع قومى ضخم، على أن يكمل دور السينما، مع تقديم بدائل متنوعة من حيث المحتوى لتغيير الواقع الاجتماعى.

التحذير من تلون بعض المثقفين – مثقفى الغنيمة – الدائم مع الأنظمة السياسية المختلفة، وكذلك ثقافة العنف حيث تستخدم بعض الأنظمة السياسية نفس لغة الإرهاب عند معالجة قضايا التطرف.

الاهتمام بحركة الترجمة والانفتاح على الثقافات الخارجية، مما يؤدى إلى الاهتمام بالمنتج الثقافى.

العنف والتطرف والإرهاب والتشرد هو نتيجة مباشرة لفشل مشروع الثقافة و مشروعات الإصلاح والتجديد على مدى عقود ما بعد الاستقلال.

وختاما، تأتى جملة «الأدب والفن يسهمان فى صناعة الحياة واستمرارها، أما التطرف فأداة لتدمير الحياة وإنهاء الوجود» التى ذكرها الدكتور مصطفى الفقى فى افتتاح المؤتمر لتلخص مضمون شعار «الفن والأدب فى مواجهة التطرف»، وليؤكد المتحدثون بعده أن الفن والأدب هما من ركائز الحياة، والأقرب إلى الوصول لقلوب الشعوب، مطالبين بأهمية تعزيز التعاون والتبادل الثقافى بين هذه الشعوب، وخاصة على مستوى الشباب، لترسيخ مبادئ التسامح والأخوة والسلام، وفتح القلوب والعقول للثقافة والجمال، فالأدب والموسيقى والفن تساعد على الانفتاح على الواقع وإدراك الجمال فى مختلف الثقافات، وفتح آفاق أرحب للتعرف على لغة وفن وثقافة الآخر.

وهذا ما ذهب إليه المتحدثون فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وفى مقدمتهم أيضا: جابر عصفور، ومحمحد الرميحى، وجهاد الخازن، وأشرف ذكى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق