رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

آليات تعزيز شفافية الموازنة المصرية

صدر أخيرا تقرير مؤسسة الموازنة الدولية الذى يقيس مستوى شفافية الموازنة فى 115 دولة، من خلال مسح الموازنة المفتوحة الذى تعتمد فيه على تحليل بيانات الموازنة والتقارير المنشورة المتعلقة بها، كما يقيس درجة توافر فرص المشاركة المجتمعية فى عملية إعداد الموازنة، وقوة السلطة التشريعية والأجهزة الرقابية ورغم التراجع العالمى فى درجات الشفافية لمعظم البلدان فإن الترتيب المصرى قد تحسن كثيرا حيث قفز 25 نقطة ليصل إلى 41 نقطة مئوية، وهو ما يقترب من المتوسط العالمى البالغ 43 نقطة ،وجاءت مصر فى المرتبة الـ 65، وهو التحسن الأول منذ ست سنوات، ورغم هذا التحسن العام فإن هناك بعض جوانب الضعف الشديدة تتمثل فى عدم توفير الفرصة الكافية للمواطنين للمشاركة فى صنع الموازنة، حيث حصلت على 11 من 100 درجة، وكذلك ضعف رقابة السلطة التشريعية على الموازنة فى مراحلها المختلفة حيث لا تقوم لجان المجلس بعقد جلسات استماع للخبراء والمتخصصين عند مناقشة المشروع، كما أنها لا تنشر وجهات نظرها على الجمهور، وكذلك عدم إتاحة بعض التقارير الخاصة بالمتابعة للرأى العام وتحديدا تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات والحسابات الختامية وهى أمور يمكن تلافيها بسهولة

تأتى أهمية هذا المؤشر فى ضوء العديد من الاعتبارات، خاصة أن الرقابة على المال العام تعد أحد الأدوار الأساسية المميزة لجميع المجتمعات، بل إن نشأة البرلمانات أساسا جاءت لتحقيق هذه العملية. وكلنا نتذكر المقولة الأساسية «لا ضرائب دون تمثيل» والتى جاءت عقب «الماجنا كارتا» او العهد العظيم فى اوائل القرن الثالث عشر، والذى نص على ضرورة أن يدعو الملك المجلس الكبير للمملكة للاجتماع فى أوقات معينة ولأغراض منوه عنها، ولتقرير المصروفات والإيرادات، كما أنه لا يجوز فرض ضريبة دون موافقة المجلس العام للمملكة وهى الخطوة التى تعد وبحق الأولى نحو تحقيق الحكومة البرلمانية. من هنا كان من الضرورى العمل على تدعيم وتعزيز الرقابة المالية بصورة تجعلها قادرة على الحيلولة دون العبث بالمال العام أو إهداره. ولهذا شهدت الآونة الأخيرة اهتماما متزايدا على جميع المستويات النظرية والعملية، وكذلك فى مختلف الدول المتقدمة والنامية، بعملية صنع الموازنة ومدى الشفافية التى تتمتع بها، وبكفاءة إدارة المالية العامة وبصفة خاصة إدارة الإنفاق العام والدين العام.

من هنا تأتى أهمية الموازنة باعتبارها وثيقة سياسية وقانونية تخدم أهداف الرقابة الدستورية وتضمن المشاركة الفعالة من جانب جميع فئات المجتمع. وهو ما يتطلب بدوره المعرفة الكاملة بالأوضاع المالية والشفافية المطلقة فى عرض بنود الموازنة للأغراض الاقتصادية، ومن أجل المزيد من المساءلة السياسية أمام السلطات الرقابية والتشريعية والشعبية. إذ تعد الشفافية من العوامل الضرورية التى تمكن مجلس النواب والمجتمع بوجه عام من مراقبة الحكومة ومحاسبتها. ويستلزم تحقيق الشفافية توضيح أهداف الموازنة وكذلك توزيع الإنفاق على البنود المختلفة، بالإضافة إلى توفير بعض المؤشرات التى تساعد على متابعة الموازنة، فضلا عن ضرورة نشر المعلومات حول ما تم تنفيذه من أهداف الموازنة.

وهذه الأمور تتحقق عند صنع الموازنة وكذلك عند التنفيذ الفعلى لها. ففى المرحلة الأولى تطرح عدة تساؤلات عن مدى الاستجابة لاحتياجات المجتمع؟ ومدى العدالة فى الإيرادات والنفقات؟ ومدى المساواة فى الأعباء؟ وأخيرا مقدار الشفافية التى تتمتع بها؟ وهنا تبرز أهمية الفهم التام والإدراك الكامل لكيفية تخطيط وإعداد الموازنة وتنفيذها، مما يؤكد ضرورة البحث عن إجابات لبعض التساؤلات من أهمها ـ من المسئول عن تخطيط وإعداد الموازنة؟ وما هى حدود الدور الذى تلعبه وزارة المالية وعلاقتها بالوزارات الأخري؟ وما هو دور كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية فى هذا الخصوص؟ ماهى المراحل الأساسية فى إعداد الموازنة، وهل تتسم هذه العملية بالشفافية الكاملة فى مختلف مراحلها؟ هل المعلومات تتاح فى الوقت المناسب وبالشكل الذى يمكننا من الاعتماد عليه؟ ما هى سرعة إعداد الحسابات الختامية بعد نهاية السنة المالية؟ وهل هناك خطوط واضحة للمساءلة السياسية والقانونية؟ كل هذه التساؤلات وغيرها هى محور الحديث عن شفافية الموازنة والمشاركة المجتمعية فى صنعها، وترتبط هذه العملية بأربعة أمور أساسية هي، كيفية صنع الموازنة العامة للدولة، ودور السلطة التشريعية والمجتمع المدنى فيها، ومقدار الشفافية التى تتمتع بها الموازنة فى مراحلها المختلفة، وآليات مناقشة الحساب الختامى والسلطات الممنوحة للبرلمان فى هذا المجال. وبالتالى تعد الشفافية فى جميع مراحل إعداد الموازنة من العوامل الضرورية التى تمكن مجلس النواب والمواطنين بوجه عام من مراقبة الحكومة ومحاسبتها. ولهذا أصبح مقدار الشفافية الذى تتسم به الموازنة العامة أحد المعايير الأساسية للحكم على حسن إدارة المالية العامة جنبا الى جنب مع محور فعالية السياسة المالية وكذلك سلامتها. من هذا المنطلق تأتى أهمية مؤشر شفافية الموازنة باعتباره الدليل الأساسى فى هذا المجال استنادا إلى استطلاعات للراى مفصلة

وهناك عدة محاور لدراسة مقدار الشفافية الذى تتمتع به الموازنة العامة للدولة، وهى تتعلق بتفاصيل البيانات والمعلومات المقدمة فى الموازنة سواء تعلق ذلك بالإيرادات أو المصروفات وأعباء الدين العام وغيرها من الأمور المالية المهمة. ومقدار المعلومات التى يمكن للجمهور الحصول عليها بطلب يقدم إلى الجهة المخول لها إصدار الموازنة، ولذلك فهذا التعريف يشمل المعلومات المتوافرة عبر إجراءات محددة تضمن نشر الوثائق العامة لكل الأطراف المهتمة، إضافة إلى المعلومات او الوثائق التى لا تتوافر إلا بالطلب. ويقيس مؤشر شفافية الموازنة وضع الدولة من حيث كمية المعلومات المنشورة؛ والوقت الذى تتيحه السلطة التنفيذية للبرلمان لمناقشة الموازنة وعلاقة السلطة التنفيذية بمراجع الحسابات

وتجدر الإشارة إلى عدة ملاحظات أساسية، تحول دون تفعيل المشاركة المجتمعية فى صنع الموازنة، منها عدم وجود وثيقة متكاملة وشاملة عن الموازنة تقدم للبرلمان، إذ إن كل ما يقدم عبارة عن بيان مالى يلقيه وزير المالية لا يحتوى على كثير من الأمور المهمة. ناهيك عن غياب تفاصيل الاستثمارات العامة وفقا للقطاعات الوظيفية، مع ملاحظة ان التقسيم الوظيفى للمالية يختلف عن التقسيم الوظيفى للتخطيط. وعدم تحديد لجان استماع من خارج المجلس، خاصة من جانب الخبراء والأكاديميين والمجتمع المدنى فى مجالات التخصص وليس المسئولين الحكوميين وغيرها من الأمور التى تساعد كثيرا فى تحسين شفافية الموازنة المصرية.


لمزيد من مقالات ◀عبدالفتاح الجبالى

رابط دائم: