رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ما قبل 25 يناير

يوم هادئ، كغيره من أيام الحياة، كنت أجلس فى مقعدى بمترو الأنفاق متجها لعملي، ويمر على شاب هيئته تدل على طبقته القادرة، يوزع منشورات تطالب الناس بالنزول لميدان التحرير يوم 25 يناير المقبل للتعبير عن غضبتهم، من تردى الأوضاع فى بلدنا ، هناك من الركاب من أخذها ووضعها فى يده، وآخر قذفها من النافذة، وقليل مثلى تأملها.

وصلت لعملى وأنا أحمل الورقة، وعرضتها على أحد الزملاء، فلم يبد اهتماماً، فقلت له، أستشعر صدق الدعوة، فقال لا أظن أن تؤتى ثماراً، وبالعودة إلى قبل هذا اليوم بعدة سنوات، كانت حركة كفاية، توقدت قوتها فى الأفق، كما كان أثرها لافتا بين أطياف عديدة فى المجتمع، خاصة مع بزوغ أصداء التوريث، فقد كانت الحياة السياسية راكدة، تدور رحاها فى فلك بعض النجوم من أصحاب الحظوة، كما كانت المناصب توزع على أصحاب الثقة، إلا من رحم ربي.

قبل 25 يناير، كانت تسير الأمور فى نصاب مستقر، أسعار السلع و الخدمات فى مقدرة الغالبية، يقابلها تدن فى مستوى كثير من البنى التحتية، إضافة لارتفاع الفارق بين الطبقات، ووضوح التباين بينهم، كان أحد سمات العقد الأول من القرن الحالي، فالفقير لا يملك من أمره شيئاً، ولا مجال أمامه للخروج من دائرة الفقر، لذا كانت المصاريف المدرسية الحكومية فى متناول يده، كما أن أبناءه ينجحون فى سنواتهم الدراسية!

ولا يهم قدر ما حصلوه من تعليم، لذلك لن تتفاجأ من جهل غالبيتهم بالقراءة والكتابة، رغم وصولهم لنهاية مرحلة التعليم الأساسي، فهذا لايهم، كما لا يهم ارتفاع نسبة الأمية بشكل مزعج، رغم إنشاء هيئة للقضاء عليها فى بداية تسعينيات القرن الماضي، إلا أن اهتراء العملية التعليمية كان كفيلا بحدوث نسب واضحة من التسرب!

ولم تحفز هذه الكوارث امتعاض السادة المسئولين، الذين تباروا فى كيفية تركيز الناس على العملية التعليمية، لتشغل كامل تفكيرهم، من خلال مناورات متفردة، جعلت المواطن يلهث وراء دخول أولاده المدرسة، حتى اخترعوا المدارس التجريبية، واخترعوا كل أنواع البيروقراطية المقيتة، حتى أصبح ولوج الطفل إليها بمنزلة حلم، ولا مانع من دخوله مرحلة رياض الأطفال بعد تجاوز عمره الأعوام الستة، ليبدأ الصف الأول الابتدائى حينما يكمل عامه الثامن، رغم أن دستور هذه المرحلة كان ينص على دخول الطفل الصف الدراسى الأول المدرسة فى عامه السادس!

كل ذلك حتى لا يتاح للناس فرصة التقاط الأنفاس، فيتدبرون حالهم، ويفكرون فى واقعهم ليحسنوه، فليس فى الإبداع، أفضل مما كان، ظل شعاراً دفينا تم ترسيخه النفوس، طيلة سنون كثيرة!

ويجب ألا نتناسى اختراع مجموعات التقوية لطلبة المدارس الحكومية، اختراع كان ظاهره تقوية الطلبة التى لم تستطع الحصول على قدر جيد من التحصيل داخل الفصل، وباطنه إيجاد مصدر جديد للدخل لكثير من المسئولين فى المنظومة التعليمية وصولا للوزير، فاللائحة كانت تقرر حصول كل منهم على نسبة ضئيلة من قيمة هذه المجموعات، ومع العدد الكلى لطلبتها، تكون المحصلة كبيرة جدا، وألهتنا الحياة بكرّها، حتى باتت الدروس الخصوصية الوجه الآخر لاختراع مجموعات التقوية، واقعا بغيضا نمقته!

قبل 25 يناير، تسللت لمصر أنواع جديدة من التعليم، منها الخاص للقادرين على دفع تكاليفه، كوسيلة ليتميز أبناء الأثرياء، فلا يصح أن يجمعهم فصل واحد مع أبناء البسطاء! ومنها أنواع مختلفة من التعليم الدولي، ورغم براقة الفكرة، فإن التعامل مع معظم أنواعها، تم التعاطى معه بشكل سلبي، حتى أضحى بوابة خلفية لدخول الكثيرين للجامعات، دون بذل أى درجة حقيقية من الجهد المستحق، لدخول كليات القمة، وتساوى المجتهد، مع المقتدر، لنشاهد تمازجا غريبا وعجيبا، يرسخ لفكرة سطوة المال، لذلك يمكن تفسير وجود تفاوت واضح أيضا، بين كفاءات الأطباء على سبيل المثال، من هنا يمكن تفهم وجود أحد المتميزين من «المجتهدين» مع أحد العاديين، أو قل الفاشلين من «المقتدرين» وهذا القياس يمكن تطبيقه على مهن أخري!

هل نسينا ما كان يحدث مع أبناء أساتذة الجامعات، وبخاصة كليات الطب، وهناك وقائع شهيرة جدا، لا داعى للخوض فيها؟ تؤكد وجود وقائع فساد مستفزة!

لذلك فتذيل مصر قائمة دول العالم فى جودة التعليم، وتدنى قيمة المنظومة التعليمية، وهبوط قامتها، لم يك وليد الصدفة، أو سوء التخطيط، أو ضعف الإمكانات، أو زيادة عدد السكان بشكل يُصَعب التطوير و،التجويد، ولكنه كان وليد الإهمال واللامبالاة، والعمل بنظرية «ترقيع الثوب» بدلا من تغييره، حتى تهلهل، وترهل، وأمسى عبئاً علينا جميعا.

فبعد مرور سبع سنوات على يناير 2011، هل تغيرت الصورة؟ وأصبحت الحياة وردية؟

نعم، بتنا نعرف عيوبنا، وبدأنا تصحيح مسارنا، ووضعنا لبنات قوية ترسى قواعد للعمل على مستقبل أفضل، مستقبل يراعى أجيالا قادمة، لها طموحات مستحقة، وآمال مشروعة.

وأخيراً، لولا 25 يناير، لما تمكنا من مشاهدة هذا الكم العظيم من الإنجازات، ولا جاز لنا إدراك تغيير لون الحياة من الضبابية إلى الوردية.

اتفقنا أن 25 يناير كانت ثورة مثلما ينص دستورنا الحالي، أو اختلفنا واخترت لها مسما آخر كما يحلو للبعض التعبير عنها بأنها ليست «ثورة» ستظل هى السبب الرئيسى لتغير واقعنا من السكون إلى حركة ممزوجة بعزيمة وإرادة وجهود جبارة، تبنى حاضراً مشرقاً، وتصنع الأمل فى غد أكثر إشراقاً.

[email protected]
لمزيد من مقالات ◀ عمـاد رحيـم

رابط دائم: