لا أعتقد أن هناك خلافا بين المصريين حول انهيار التعليم فى مصر، وشمول هذا الانهيار الدارسين والمدرسين والمناهج والمنشآت وباقى عناصر المنظومة ككل. ويتفق المراقبون والمعنيون على أن نقص الموارد المالية يعد أحد أهم أسباب هذا الانهيار وعلى امتداد أكثر من خمسة عقود عجزت الموارد المالية المحدودة للدولة عن ملاحقة النمو السكانى وتضاعف أعداد الذين يتطلعون لمقعد بالمدارس الابتدائية.
وبالرغم من إنشاء أعداد كبيرة من المدارس، فإن المواليد الجدد كانوا أكثر بكثير من عدد الفصول التى تم إنشاؤها، ومن هنا بدأت سياسة حشر التلاميذ بالفصول حتى تجدد العدد رقم المائة تلميذ بالفصل الواحد، وهى نسبة عالية جداً تؤثر على أداء المدرسين وقدرة التلاميذ على الاستيعاب. وتحت وطأة الأعداد الكبيرة للتلاميذ والتلميذات. اضطر المسئولون إلى تشغيل المدارس لفترتين يومياً، وأحيانا ثلاث فترات، وبما يعنى اختصار اليوم الدراسى إلى النصف أو الثلث.
وهكذا جنت الأعداد الكبيرة على جودة التعليم، تلك الجودة التى سادت حتى خمسينيات القرن الماضي. وكنت وجيلى والأجيال التى سبقت شهودا على أعلى نظام تعليمى فائق الجودة، ومدارس حكومية رائعة وأساتذة كل منهم قدوة. وأود أن أشير أن كل من أراد الالتحاق بالمدارس الابتدائية الأميرية، كان عليه أن يجتاز امتحان قبول فى الإملاء والحساب (جمع وطرح وضرب وقسمة) . وخلال سنوات كانت الكثافة بالفصل تتراوح بين 20 ـ 25 تلميذا وكان اليوم الدراسى يبدأ فى الساعة الثامنة صباحاً ويستمر حتى الخامسة مساء ويتضمن سبع حصص دراسية وإذا ما لاحظ أحد المدرسين تراجع مستوى تلميذ أو أكثر كان يطلب منه البقاء بعد انتهاء اليوم الدراسى لكى يشرح له ما لم يستطع فهمه مجانا، أى تطوعا وإحساساً بالمسئولية. وتوفر المدرسة المواد الخام والأدوات للتلاميذ مجانا، وهناك أكثر من قاعة للتدريب الموسيقى والتمثيل، ومعمل لتدريب التلاميذ على صناعة المربى والعصائر والشربات.
وضمت منشآت المدرسة مسجداً وحديقة حيوانات لمئات الأنواع من الطيور والدواجن، وعلى واجهة الأقسام المختلفة وضعت البيانات الخاصة بكل نوع الاسم والموطن والأوصاف. وبجانب المسجد كان مقر الكانتين.
وكان يدرس معنا تلاميذ من السودان والسعودية واليمن. وكان من زملاء الفصل الذى أدرس به أربعة من العرب: سودانيان وسعودى ويمني. وكان المدرسون كثيراً ما يطلبون من زملائنا العرب التحدث عن بلادهم.ومبكراً عرفنا كثيراً من المعلومات عن هذه الدول. أما التلاميذ الذين لا يمكنهم دفع المصروفات، فقد كانوا يتقدمون بطلبات لإعفائهم من دفعها، وكانت المدارس الحكومية لا ترفض مثل هذه الطلبات، مع الحفاظ على سريتها.
ولم تكن مدرسة الزقازيق الثانوية، مجرد مدرسة بل منشأة تعليمية ورياضية وتثقيفية، فبجانب حجرات الدراسة كانت تضم ستاد كرة قدم وملعبين للتنس وحمام سباحة وجيمانيزيوم وساحة للجمباز وأخرى لألعاب القوى وملعبا للهوكى وآخر لكرة السلة وثالثا للكرة الطائرة. هذه المدارس الجميلة تعرضت للانهيار وتم استخدام الملاعب لإقامة فصول دراسية وكل من يزور هذه المدارس التى تعلمنا فيها يشعر بالأسى العميق على ما آل إليه الأمر. والآن وهناك محاولة جادة للتطوير يقودها الدكتور طارق شوقى وزير التعليم تعتمد على التوسع فى إقامة فصول دراسية بالآلاف بالتعاون مع اليابان وأخرى فى إطار مدارس النيل.
والمشكلة بالنسبة لهذا التعليم تبدو فى حاجة إلى موارد مالية هائلة. وإذا ما نظرنا إلى مشكلة التكدس فى الفصول، فإن الهبوط برقم المائة تلميذ فى الفصل الواحد إلى خمسين تلميذاً يتطلب بناء عدد مماثل للفصول الموجودة حاليا، وهذا أمر يتطلب سنوات ووفرة مالية غير موجودة حالياً.
لمزيد من مقالات عبده مباشر رابط دائم: