نتائج الثورة مثل الدورى تحسب بعدد النقاط
الولايات المتحدة كان يهمها تفكيك مصر .. وحين فشلت نقلت خطتها للإخوان
قطار الثورة انطلق ولا يوجد من يوقفه
سبع سنوات انقضت على ثورة يناير، وزحمة الميادين بالحالمين والمهمشين جنبا إلى جنب ، يقودهم شباب رفعوا شعارات الحلم والتغيير.
سبع سنوات انقضت ، ولا يزال الجدل ساخنا بشأنها، هل هى ثورة ؟ أم حركة احتجاجية؟ أم مؤامرة كونية؟
سبع سنوات ، ولا يزال السؤال يقض مضاجع المواطنين، يطارد الجميع: ما الذى تغير؟ وما الذى تحقق؟ ولماذا تحول النجاح إلى فشل؟ والفرحة إلى حزن ؟ ومن يدفع فاتورة الدم والظلم التى أعقبت الثورة؟
أسئلة عديدة تقفز وتتداعى ، حملناها إلى رجل اقترب من المشهدين: الميدان والدولة، كان شاهد عيان ، نزل الميدان واقترب من الثوار، ثم وزيرا فى حكومات ما بعد الثورة، منذ فبراير 2011 وحتى مارس 2012.
إنه الدكتور جودة عبدالخالق وزير التموين والتضامن الاجتماعى الأسبق والمفكر الاقتصادى المعروف، يجيبنا هل ثورة يناير، و ما زالت ثورة؟ وهل ستحقق أهدافها يوما، أم ستكون ذكرى نحتفل بها كل عام، وتتوارى ذكراها كلما تقدمت السنون.
...............................................................
> ونبدأ بسؤال تقليدى : ما الذى تحقق من ثورة يناير؟
لعل من أبرز ما تحقق هو إسقاط حاجز الخوف، الذى تمثل فى المواجهة الكبيرة بين الشعب وقوات الأمن وأسفرت عن خروج قوات الأمن وبقاء الشعب فى الميادين والشوارع، فالآلة الأمنية المتشددة أيام مبارك واجهت اختبارا حقيقيا، وتكرر سقوط رأس النظام مرتين مع مبارك فى 25 يناير ومرسى فى 30 يونيو، هذا من فوائد الثورة ، نجحت الثورة نعم فى إسقاط رأس النظام، بينما لم تستطع أن تسقط جسد النظام المتمثل فى الآليات والسياسات والفساد وجماعات الضغط، لكن ذلك من طبيعة الثورات، أن تأخذ الوقت الكثير لتحقق أهدافها، ففى الثورة الفرنسية تم إعدام رأس النظام لويس الرابع عشر، بينما لم تحقق أهدافها إلا بعد سنوات عديدة، كذلك من أهداف ثورة يناير بداية الخلاص من الإخوان والجماعات التى تقحم الدين فى السياسة، رابع أهداف الثورة الذى تحقق هو دستور 2014 وهو دستور عظيم بكل المقاييس.
كل ما سبق هو أهداف كانت ثورة يناير سببا فى تحقيقها، وعلينا أن نثمن هذه الإنجازات، فدونها نكون قد ارتكبنا جرما فى حق الثورة وفى حق أنفسنا، ومازلنا فى مشوار الآلف ميل لتحقيق باقى أهدافها.
> إذن أنت من المؤمنين بأن الثورة مستمرة، وأنها يوما ما ستحقق أهدافها؟
لا شك فى ذلك، وسبيلى هو التفاؤل، وما سبق أن ذكرته، فلن تختفى من الذاكرة الجمعية للمصريين، وبالتالى ستظل الأهداف التى تحققت أسسا يتم البناء عليها، وقوة دفع لاستكمال الأهداف التى وضعتها الثورة ، وعلى رأسها شعارا « الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية»، وكل من ذلك من منطلق نظرية التحدى والاستجابة بأن كل فعل يخلق رد فعل، فحينما تتمادى السياسات الاقتصادية والاجتماعية فى الضغط على المواطن، وغياب العدالة الاجتماعية، فهذا فعل يخلق رد فعل، وإن اختلفت الضغوط، فليس واردا الخروج الجماهيرى، فقد يقوم بذلك المفكرون والسياسيون من خلال طرح وجهات نظرهم فيما يحقق أهداف الثورة، والإلحاح على تحقيقها، أو من خلال تنظيمات العمال، وتنظيمات المجتمع المدنى المختلفة، والأحزاب السياسية، كل ذلك يشكل قوى ضغط، ورديفها الأساسى هو الشعب، كل ما سبق يدعونى للتأكيد بأن الثورة مستمرة، ولم تنته، وأيضا الثورة لم تنته إلى لا شيء كما يروج البعض، بل انتهت إلى أشياء كثيرة وثمينة، يجدر بنا تذكرها على الدوام.
وبرغم مرور سبع سنوات على الثورة، فإن هذه السنوات قليلة فى عمر الثورات، فما زال الطريق طويلا، فالثورة بالأساس تعنى « تغيير واسع وعميق» فنحن نتحدث عن صراع مرير، الساحة الاجتماعية هى مجاله الواسع، بين الفئات المستفيدة من الثورة، والفئات المستفيدة من الأوضاع التى تحاول الثورة تغييرها، أو ما نطلق عليه، قوى الثورة، وقوى الثورة المضادة، فالثورة هى أشبه بالدورى العام لكرة القدم، مرة قوى الثورة تحقق الفوز، ومرة القوى المضادة تلحق بها الهزيمة، بينما الدورى لم يتوقف، هو حاصل جمع النقاط، وهو ما زال طويلا، الفائز فى النهاية هو من يستطيع الحصول على نقاط أكبر.
> برأيك، ما الذى يجعل الثورة مستمرة، وما الذى يجعلها غير مستمرة؟
بعض التعثر الذى أصاب تحقيق أهداف الثورة، كان بسبب الخطأ فى ترتيب مراحل الانتقال بعد الثورة، فلو تذكرنا الإعلان الدستورى فى مارس 2011 كان من أكبر أخطاء التحول والانتقال، إذ كان من المفترض إقامة انتخابات رئاسية يعقبها انتخابات برلمانية ثم تغيير الدستور، وهنا كان الخطأ الجسيم، فالثورة تعنى أول ما تعنى تغييرا واسعا وعميقا، تبدأ أولا بتغيير نظام الحكم، فكان تعديل الدستور أشبه بوضع العربة أمام الحصان، ثم كان التعجيل بالانتخابات البرلمانية، ووقتها لم تكن هناك قوى جاهزة لخوضها، سوى الإخوان وما بقى من النظام القديم، واستطاع الإخوان سرقة الثورة والرئاسة والحكومة والبرلمان، لكن الشعب لم يتركهم وخرج عليهم، فى ذلك أسباب للتفاؤل بأن الثورة مستمرة.
> صاحب الثورة احتجاجات فئوية واعتصامات، وحدث ضعف لمؤسسات الدولة، وإخلال بالأمن، فهل السبب كان الثورة المضادة، أم ضعف بنية دولة مبارك؟
ما حدث هو حالة فوران نتيجة الثورة، حيث أسقطت حاجز الخوف، فكل فرد كان له مظلمة عبر عنها، ففى علم السياسة يعرّف بأنه انفلات المواطن العادى فى الفضاء العام، حيث أصبح هذا الفضاء ملكه هو وليس ملكا للحكومة، ومن المؤكد أن هناك اشياء خارجة تحدث فى مثل هذه الحالات، كقطع الطرق، والنهب وغيرها، فالمواطن أدرك أنه سيد الفضاء العام، وترجمة ما سبق هو عدم وضع آليات منظمة للاحتجاجات والمطالب الفئوية فى شكل أحزاب قوية منظمة لها أجندة تعبر عن هذه المطالب، وفى النهاية تجد نفسك فى القاع لعدم وجود هذه الأحزاب والكيانات وكل فرد يسعى لأخذ حقه بيده، علما أن هذه الاحتجاجات والتظاهرات سبقت ثورة يناير، وما صاحب الثورة كان كالقدِر المكتوم يزداد غليانا وأن تضغط عليه حتى ينفجر، ثم جاءت الثورة لينفجر هذا القدر، وهذه الاحتجاجات وإنْ خفتت فهى لن تتوقف كلما واتتها الفرصة من أجل تحقيق شعارات يناير من كرامة إنسانية وعدالة اجتماعية.
> هل تعتقد أن الشعب ما زال يرحب بالثورة، ولماذا يتذكر منها السييء وليس الحسن؟
مؤكد ما زال هناك من يتذكر فضل ثورة يناير ، ولعل أصدق مثال على ذلك أهالى النوبة، حيث التقيت البعض منهم، وكيف أن هؤلاء كانوا مهمشين قبلها ، ولما أسقطت حاجز الخوف، عبر هؤلاء عن مطالبهم، ولكن فيما يتعلق بالترحيب بالثورة من عدمها، علينا ألا نغفل معادلة البُعد الخارجى، فدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية يهمها جدا تفكيك مصر، فقد نفخت أولا فى مسار الثورة من أجل هذا الهدف، ثم حين فشلت نقلت خطتها إلى الإخوان لتنفيذها، وأنا شاهد عيان على ذلك، كونى كنت وزيرا فى بداية عهدهم، فأمريكا لديها أهداف لتفكيك مصر إلى أربع دول، النوبة إحداها، تماما كالمثل الكردى هذه الأيام، فهى تسعى دوما إلى تغييرها، فمصر هى أغلى قطعة على رقعة الشطرنج، فجزء من المعادلة هو خلق حالة من التوتر فى الجسد السياسى والاقتصادى المصرى، فيستغل النوبة كونها لها مظلمة، وتأثر عملهم بالسياحة .
> هل ترى أن هناك تبادلا للمواقع الآن بين قوى الثورة والقوى المضادة، أم أنها فى اتجاه واحد فقط؟
علينا الانتباه، أن هذا التبادل ليس محكوما بوقت، بل هو يحدث فى إطار زمنى طويل، فقد يصل الأمر إلى سنوات وعقود، فهى مرحلة زمنية ليست محسومة بمدى زمنى محدد، فهو صراع بين طرفين، طرف من مصلحته أن تمضى الثورة قدما إلى أن تحقق أهدافها، وطرف ثان عكس ذلك تماما، ففى الأشهر الأولى قوى الثورة ربحت الجولة، ثم استدارت قوى الثورة المضادة بعد ذلك لتلتف على أهداف الثورة.
> من وجهة نظرك، ما أهم الأخطاء التى حدثت فى ثورة 25 يناير؟
أهم الأخطاء، والأطراف التى ساهمت فيها، كان ما سبق أن أشرت إليه، وهو ترتيب مراحل الانتقال، فقد تم خلق وضع مقلوب، وهنا علينا ألا نبكى على اللبن المسكوب، فقد قمنا بتصحيح هذا الخطأ ، واعتقد أنه سيتم إجراء عملية تصحيح أكبر، لا أعلم ما هو الوقت المحدد ولكن سيحدث خلال السنوات القادمة، وكذلك التخلص من الأشخاص الذين قاموا بسرقة الثورة، فالخطأ الأول كلفنا الكثير من الوقت والدم والمال، وكان من الممكن تجنب كل ذلك لو جرى ترتيب المراحل بالشكل الصحيح، وأتذكر وقت صدور الإعلان الدستورى، وجاءتنا نسخة منه فى مجلس الوزراء قبل اتخاذ أى إجراء لاستفتاء الشعب عليه، وتمت دراسة الإعلان دراسة مستفيضة، وانتهى مجلس الوزراء فى جلسة من جلساته إلى الاعتراض على الإعلان ، وبأنه إعلان غير مقبول خاصة ما يتعلق بترتيب المراحل، وفى هذا الوقت كانت فى الدولة سلطتان، المجلس العسكرى وهو الحاكم الفعلى للبلاد، ومجلس الوزراء، وهو بلا ظهير شعبى، وتحدثت مع رئيس الوزراء عن كيفية الحل والخروج من هذه المنطقة المربكة التى نحن بصددها حتى اليوم، وتفهم وقتها واتفق معه تماما، لكن لسبب ما فضل عدم ذهاب الحكومة للاجتماع مع المجلس العسكرى،وبالتالى غابت وجهة نظر الحكومة، فى مرحلة مبكرة جدا كان من الممكن أن تغير المشهد كاملا، فأبلغته بأنى سوف أتقدم باستقالتى وإبلاغ المجلس بعدم موافقة الحكومة على هذا الإعلان، وبالفعل تم اللقاء مع المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، وكان لقاء مثيرا جدا، وتحدثت بخصوص الاستقالة، وأن سببها هو الإعلان الدستورى، الذى سيكون سببا فى انفراد قوتين لا ثالث لهما بأمور البلاد وهما الإخوان والحزب الوطنى، وقل على الثورة السلام، ولكن سبق السيف العَذَل كما يقولون، حيث أبلغنى المشير بأن القرار تم اتخاذه وأنه من الصعب التراجع عنه، لكن تم التوافق على الخروج ببيان على أن مدنية الدولة « خط أحمر» وهذا كان اقتراح الفريق سامى عنان، ولو نتذكر أن الدكتور على السلمى وقتها خرج بوثيقة «المبادئ الأساسية للدستور» وخلفية هذه الوثيقة كان بسبب ما دار فى هذا الاجتماع الثلاثى، وتم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وحدث ما حدث، ولكن ما أريد قولهما، هو أن قطار ثورة 25 يناير انطلق، وطبقا لقانون الثورات، ليس هناك ما يوقفه، قد يتعطل فى بعض المحطات، لكن حتما سيصل إلى محطته النهائية يوما ما.
ولكن ما أسباب التدهور الاقتصادى الرهيب الذى فوجئنا به بعد ثورة يناير؟
لم يكن هناك أى طرف يملك قراءة سليمة بحقيقة الوضع الاقتصادى، إذ كنا نتصور أن الوضع الاقتصادى أفضل مما هو عليه، ولكننا ذهلنا من هشاشة هذا الوضع، ومن كم الديون الموجودة، وعلى سبيل المثال فإن الوضع فى وزارة البترول كان « خرابة» بسبب الديون بضمان البترول، وكذلك سندات دولارية بأسعار فائدة مرتفعة جدا، وغيرها من مشكلات كبيرة ظهرت بعد الثورة مباشرة.
> لماذا ينظر سواد الشعب إلى أن تحقيق الأمن وتوافر لقمة العيش أهم كثيرا من الحرية والديمقراطية؟
هذا ليس مقصورا على الشعب المصرى فقط، هذه طبيعة إنسانية، فى كل البلاد، وكل زمان، وحتى نفهم الأمور بشكل أوضح، علينا أن نميز بين المدى القصير والمدى الطويل، فقد يصبر الإنسان على تردى الأوضاع الاقتصادية بداعى الحفاظ على الأمن، ولكن ذلك محكوم بفترة معينة، وبعدها لن يستطيع الصبر، ويحدث بعدها التململ.
> بعض المفكرين والمثقفين، ذهب إلى أن ما حدث فى 25 يناير ليس ثورة، ومنهم المفكر الكبير جلال أمين، برأيك لماذا ذهبوا إلى ذلك؟
أنا احترم وجهة نظر من يقول إن ثورة يناير ليست ثورة، ولكن جُل ما أخشاه أن يُتلقف ذلك من جانب قوى الثورة المضادة، لأن همّ هذه القوى هو غلق هذا الموضوع بـ « الضبة والمفتاح» فتخرج مقولات من نوعية أن الثورة « فشلت» أم لم تكن ثورة بالأساس، ولكن الخطأ برأيى فى هذا الطرح أنه يحكم على ظاهرة لم تكمل سوى 7 سنوات، فالثورة فى تعريفها البسيط هى « رد فعل واسع النطاق استياء من أوضاع قائمة، وتصور لأوضاع أخرى مختلفة، تعبر عنها مجموعة من الأهداف سياسيا وجماهيريا تأخذ صورة الشعارات، تحرك الناس والأرض» وفى نهاية المطاف أنت تتحدث عن تغييرات واسعة وعميقة، ووضع هذه الشعارات موضع التنفيذ، وبهذا التعريف فإن ما حدث فى 25 يناير كان حركة المهمشين، وامتدت امتداد النار فى الهشيم لتصل إلى كل ربوع مصر، لذا فإننى أرفض ما يطلق عليها أنها أحداث أو إرهاصات ثورة، أو هوجة أو غير ذلك من مسميات، هى ثورة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
> هل برأيك عانت الثورة من مراهقة ثورية؟
بالطبع، ولقد رأيت ذلك رأى العين فى ميدان التحرير، فالصراع كان على امتلاك الفضاء العام، وقد حدث، وكانت الخطوة التالية هى ترجمة هذا الفضاء إلى إجراءات على الأرض لتحقيق الشعارات التى نادت بها الثورة، ولكن لا ننسى أن بعض القوى التى شاركت فى الثورة عانت من قدر غير قليل من المراهقة الثورية، فلم يكن هناك تصور كامل عماذا بعد إسقاط رأس النظام، ما العمل؟ النتيجة اننا « خبطنا فى الحيطة».
أخيرا، ما أسباب الإحباط الذى «لف» جيل ثورة يناير؟
بسبب رئيسى فى الواقع، هو الحاصل على جبهة الحرية والكرامة الإنسانية.
رابط دائم: