رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الثعلب فات!!

يوم ما ناصبها العداء جهارًا نهارًا وهو المستشاط غضبًا وغيظا وكمدًا ووصفها بلسان مارق نزق بالكاهنة التى تسببت فى خسائر فادحة للخزانة المصرية نتيجة عنتريتها الزائفة، ومزايدتها على وطنية الجميع لصالح مكاسب شخصية لها.. يومها فى يناير 2012 انكشف المستور بكامل خبيئته، وانزاح الستار بمنتهى الجلاء والوضوح، وظهر الحق وزهق الباطل باطلاعنا على أسباب عداوة الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون لرمز الوطنية المصرية الدكتورة فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولى السابقة التى كشفت عن بلاء التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى المشكوك فى مسارات أموالها المغرضة داخل أوردة مصر وشرايينها.. ثارت ثائرة الدكتور الذى قام بأداء المدلول الشعبى من فرش الملاية للسيدة الدكتورة الوزيرة متهمًا إياها بالحرف الواحد: «لا تفهم معنى المجتمع المدنى لأنها لم تشارك فيه أو فى أى عمل تطوعى أو ثورى فى حياتها، وأنها فقط مُخلصة لما نشأت فيه وتمرست به وهو البيروقراطية المصرية العتيدة، وهى ــ فى نظره ــ بحق مثال فذّ للـ«بيروقراطى العصامى» وربما لهذا السبب وحده كانت الأقرب للبيروقراطية العسكرية ممثلة فى المشير طنطاوى، وللبيروقراطية المدنية ممثلة فى د. كمال الجنزورى رئيس الوزراء ــ وقتها ــ وليهنأ هذا الثلاثى بصحبة بعضه بعضًا شريطة أن يوفر الحاجات الأساسية للشعب من مأكل وملبس وتعليم وصحة وأن يبتعد عن العبث بقضايا الحريات العامة وأنشطة المجتمع المدنى فهذه ليست مسائل بيروقراطية ولا يمكن التعامل معها بالأوامر أو الرصاص أو اقتحام المنازل والمقار»..


وتمضى السنون ويأتى يوم 29 نوفمبر 2016 ليقر البرلمان قانون الجمعيات الذى ينظّم شئون المجتمع المدنى المصرى، ويزعق ابن ابن خلدون ليس فى مقدمته بالطبع: «قانون غريب ومعيب ظل مجرد مشروع لمدة ستة أشهر بلا توقيع نهائى من رئيس الجمهورية، وقد اعتقدنا نحن نشطاء المجتمع المدنى ـــ اللـه لا يجمعكم ويهد نشاطكم ـ أن الوزيرة المختصة فى هذا الشأن د. غادة والى التى فوجئت مثلنا جميعًا بمشروع القانون قد نجحت فى إقناع الرئيس السيسى فى التأنى حتى يتم تعديل ذلك القانون المعيب، ولكنا فوجئنا بإقرار رئيس الجمهورية نفس المسودة. فأصبحت بذلك هى القانون الذى يُنظّم شئون المجتمع المدنى المصرى، وهذه طامة كبرى على العمل الأهلى، وعلى نظام الرئيس السيسى نفسه»!!!.. أما لماذا يعد القانون طامة كبرى فيفسر ابن ابن خلدون ليس فى مقدمته بالقطع «بأن مجتمعاتنا العربية الإسلامية عرفت منذ عشرة قرون أو يزيد منظمات المجتمع المدنى، مثل جماعات البر والتقوى، وما كان يطلق عليه الخانات، مثل خان المسافرين، لمن يداهمهم الليل بعيدًا عن منازلهم، وكان هناك خان المارستان للمرضى الفقراء، والكتب خانة لمن يريدون مزيدًا من المعارف، بل كانت هناك وكالة للكبار من ثقيلى الوزن الذين لا يقوون على العمل أو كسب قوت يومهم، وكان يطلق عليهم فى الفولكلور الشعبى مصطلح «تنابلة السلطان» حيث كان يتم تقديم العون المادى والمأكل لهم من فاعلى الخير أو من الحاكم، وكانت وزارة الأوقاف هى مصدر تمويل ورعاية الكثير من هذه الأنشطة، ثم أخذت النزعة إلى عمل الخير أشكالا حديثة منذ القرن التاسع عشر مع عودة المبعوثين الذين كان قد أرسلهم محمد على إلى أوروبا فى عشرينيات وثلاثينيات نفس القرن، والمهم أن النزعة الإنسانية لعمل الخير نزعة أصيلة عند كثيرمن البشر ومستشفى المواساة بالاسكندرية التى جاوز عمرها الآن مائة عام فخر للعمل الأهلى السكندرى، وبمناسبة الحديث عن مستشفى المواساة يجدر التنويه أن الإسكندرية عمومًا كانت الأسبق فى مضمار العمل التطوعى، وربما كان ذلك بحكم أنها كميناء على البحر الأبيض المتوسط، فهى الأكثر تفاعلا مع العوالم الخارجية ــ التى يأتى منها التمويل الأجنبى إيّاه رأساً لكونها فاتحة ع البحرى ــ كما أنها كانت ومازالت أكثر جذبًا للعناصر الأجنبية الوافدة إلى أرض الكنانة»..

ويؤكد الدكتور سعد الدين إبراهيم ــ الذى كانت قد وجهت إليه كبشة من التهم منها تلقى أموال من الخارج، والإساءة لصورة مصر، والحصول على أموال من جهات أجنبية دون إذن حكومى، والتجسس لحساب الولايات المتحدة الأمريكية الذى وصلت عقوبته إلى الحكم بالسجن 25 عاما مع الأشغال الشاقة، وقد برأته محكمة النقض ــ : «إن الذين صاغوا مشروع القانون لا يعرفون شيئا عن تاريخ العمل الأهلي، وأيّاً منهم لم يمارس عملا تطوعيا فى حياته، ولذلك كان سهلا نسبيا على أجهزة الدولة العميقة، أى جهاز الأمن الوطنى، أى مباحث أمن الدولة سابقا، أن تعطى أغلب النواب الذين أتت بهم إلى المجلس منذ عامين الأوامر أو التعليمات بإقرار مشروع القانون الذى يكبّل العمل الأهلى، ويجعل منه مجرد امتداد باهت لوزارة التضامن الاجتماعى، من ذلك أن عدد المواد الناهية فى القانون لها الغلبة فهى تبدأ فى معظم تلك المواد بكلمة يحظر أو لا يجوز، أو يُعاقب بالسجن أو الغرامة أو بهما معًا لكل من خالف مادة من مواد ذلك القانون المعيب»..

وكان الثعلب على مدى ثلاث سنوات ـ كما يقول ـ يحاول الغوص فى أسباب تلك العداوة الدفينة لأجهزة الدولة تجاه المجتمع المدنى، وبعد أن أخذ يفكر ويفكر ويقدح ذهنه ويشعل غليونه ويضرب رأسه فى الحيط ويلف دوائرًا حول ظله لم يجد تفسيرًا إلا أن فكرة وقيمة التطوع غير واردة فى ثقافة الموظف الحكومى الذى ليس مطلوبًا منه أن يبتكر أو يُبدع أو يُبادر وإلا يخطئ فيجازى أو يُعاقب، وتلك هى الثقافة التى تجعل أصحابها يشكون ولا يثقون فيمن يبادرون بأعمال تطوعية مجانية ــ يا دكتور إزىّ حضرتك! ــ إنها نظرة الشك التى تجعل الموظف الحكومى حتى لو كان وزيرًا أو رئيسا للوزراء أو رئيسا للجمهورية ينظر للمواطن كمذنب إلى أن يثبت العكس»!!

وأتاريها ليست المرة الأولى أو الثانية التى يسافر فيها الدكتور سعد الدين إبراهيم لإسرائيل عندما ذهب هذا الشهر ليُلقى محاضرة فى قاعة ياجلوم فى ورشة نظمها مركز موشى ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة تل أبيب عن مصر والثورات التى شهدتها من ثورة 1919 وحتى الآن ــ وقدمه فيها شيمون شامير سفير إسرائيل الأسبق لدى مصر، وشلو أفينيرى مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية فى حكومة رابين ــ وجاءت محاضرة إبراهيم بعنوان «دروس من قرن الاضطرابات فى مصر» التى تحدث فيها عن التغيرات السياسية التى تشهدها مصر مؤكدًا أنها حالة فريدة من نوعها ولا يمكن مقارنتها بأى دولة أخرى، وكانت زيارة بلا معنى سوى إغماض العين عن جرائم إسرائيل، والسير عكس التيار، وإدارة الظهر للوجدان الشعبي، والتقليل من آلام الفلسطينيين فى لحظة أجمعت دول العالم على نصرة الحق التاريخى للشعب الـمُعذب، قام أستاذ علم الاجتماع بالشرح من أول سنة 19 حتى الآن دون أن يتفوه بكلمة تناصر الحق الفلسطينى، أو تُعارض قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومؤكد أن عتمة عينه وقلبه كانت عقبة فى إدراك أن هناك صبية فلسطينية فى السادسة عشرة من عمرها مقتلعة من حضن أبويها مصفدة اليدين لأنها هتفت من أجل الحرية، وصفعت ظلم المحتل وغطرسته.. صغيرة اسمها «عهد» صارت أيقونة الحرية فى العالم الحر معتقلة فى سجن هشارون على بُعد أمتار من مكان انعقاد محاضرة السيد القادم إلى جامعة تل أبيب حاملا تفسيرات لثورات مصر بمفهومه الخاص، ذاهبًا إلى كيان صهيونى وكأنه يبارك له انتصاراته فى سفك دم الشهداء فى مصر ولبنان والأردن وسوريا وفلسطين، وأبدًا لم يرف لإبراهيم المتغير جفن وهو يتطلع فى عيون كاميرا التليفزيون الإسرائيلى ليؤكد «إن موازين القوى الدولية تغيرت، ويجب أن يتغير كثير من المفاهيم بخاصة أن هناك موجة من التغيير فى العالم يجب على العرب أن يكونوا جزءا منها».. رحلة إبراهيم هذه المرة إلى إسرائيل ليست جريًا كما عهدنا فيه معاكسًا للتياربقلب ميت وبرودة الصقيع، وإنما هرولة ملتاثة تقدم أوراق اعتماد من نوع خاص من بعد تهديدات ترامب بمنع المساعدات عن الدول المساندة لقرار يدعو الولايات المتحدة إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، فوقف المساعدات هنا يعنى فناء المشروع الخاص!!

لم تكن الزيارة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة للثعلب لإسرائيل التى حكى عنها لجريدة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية: «زرت إسرائيل ثلاث مرات، وحاضرت فى مؤتمرات أكاديمية فى تل أبيب والقدس وحيفا، وفى عام 2007 أتيت مع مجموعة مكونة من أربعين طالبا جامعيا من الجامعة الأمريكية فى القاهرة صحبتهم إلى لبنان للقاء حسن نصراللـه وبعدها أتينا إليكم وإلى المناطق الفلسطينية، لأنه كان من المهم عندى أن يتعلموا ويعرفوا إسرائيل من قريب أو يسمعوا عن الصراع العربى الإسرائيلى من جميع الأطراف».. ويتطوّع إبراهيم ليُضيف للصحيفة الإسرائيلية: «ظننتم أن مبارك صديق كبير لإسرائيل لكن من يعرفه من قريب يعلم أنه ليس شديد الحب لكم فقد احتاج الأمر إلى وقت طويل لإقناعه بأن يسميكم (إسرائيليين) لا (اليهود) كما كان مُصرًا.. وسوف أكشف لكم عن أمر آخر غير معروف: «بعد أن تولى مبارك السلطة وضغطتم عليه مع الأمريكيون لزيارة إسرائيل، دعانى للحديث معه وحدنا ليسألنى: كيف أتهرب من الزيارة من غير أن أغضب الأمريكان أو أثير عصبية معسكر السلام، وطلبت منه بضعة أيام للتفكير فى حجة مقنعة ثم عدت إليه قائلا: يا سيدى الرئيس قول إنه ما لم يوجد تقدم فى الشأن الفلسطينى فإنك لا ترى سببا لزيارة إسرائيل، وتمسك بهذا الأمر كحُجة فذلك سيقوى أسهمك فى العالم العربى ويُلقى بالكرة فى الملعب الإسرائيلى الذى يجب عليه أن يدفع ثمناً سياسيًا عن زيارتك.. وسألنى: وماذا لو حدث بالفعل تقدم مهم فى الاتجاه الفلسطينى؟! فقلت له: لا تقلق اعتمد على الإسرائيليين فلا توجد عندهم أى نية للتوصل إلى حل حقيقى مع الفلسطينيين».. ويسأله مراسل اليديعوت أحرونوت إذا ما كان يومًا مقربًا حقًا من عائلة مبارك؟ فأجابه: زرت بيتهم أكثر من مرة، وأخلى سبيلى من السجن لسبع سنوات بعد ثلاث سنين بضغط أمريكى وأتى لزيارتى فى السجن دان كيرتسل سفير الولايات المتحدة بالقاهرة لحملى جواز سفر أمريكى بفضل زواجى من الدكتورة بربارة وأوصانى فى الأساس بألا أغضب الرئيس».. وفى عام 2008 يلتقى إبراهيم بجورج بوش فى براغ، وذكرت وسائل الإعلام أن أحد نشطاء حقوق الإنسان ــ سعد الدين إبراهيم ــ أوصى الرئيس الأمريكى بتعليق المساعدة الأمريكية لمصر، إلى أن ينفذ مبارك إصلاحات معينة ويلتزم بأن يقود ديمقراطية حقيقية، وقد كلفت تلك المحادثة مصر 130 مليون دولار، ليستشيط مبارك غضبًا، وفى أحاديث مغلقة يصف إبراهيم (نمامًا وخائنًا) وأرسل إليه رسائل فى صيغة تهديد تقول (لن تجرؤ على العودة)»..

ولم يكن جورج بوش فقط الذى حرضه سعد الدين إبراهيم على مبارك فمن بعده كان باراك أوباما، وبدأ ذلك يوم 25 يناير وكان فى أمريكا «تلقيت اتصالا هاتفيا من بعض المستشارين للرئيس الأمريكى الذين تجمعهم بى صداقات زمالة من خلال التدريس بالجامعات الأمريكية، وتحديدًا المستشارة (سيمندا باور) وهى أقرب المستشارين للرئيس ومكتبها ملاصق لمكتبه بالبيت الأبيض، ثم تلقيت اتصالا آخر من مستشار أوباما للشئون الروسية (مايكل ماكفول) فى الساعة الواحدة ظهر 25 يناير بتوقيت السادسة مساء بالقاهرة، وأوضحوا لى أن حجم المظاهرة الضخم للغاية عكس ما توقع المراقبون الأمريكيون، وكانت زوجتى صاحبة الجنسية الأمريكية فى ميدان التحرير منذ الدقيقة الأولى لوصول المتظاهرين، وكانت وقتها فى اجتماع بأحد فنادق القاهرة، ورأت الكتل البشرية، ووجدت طابورًا ثالثًا يأتى من نصف البلد باتجاه طلعت حرب، وأرسلت لى تقريرًا عن حجم التظاهرات، ووصلنى التقرير فى طريقى للبيت الأبيض، حيث رأيت مظاهرة أمامه متضامنة مع التحرير يقودها أبناء الجالية المعروفون لى شخصيًا، وشاركتهم التظاهر لعدة دقائق قبل الدخول للبيت الأبيض ــ وبرفقتى ثلاثة من الشباب المصرى لهم أصدقاء فى ميدان التحرير، يتحدثون إليهم من داخل الميدان لينصت المسئولون الأمريكيون لهذه المكالمات لمعرفة وجهة نظر أصحاب الشأن وذلك لمقابلة المستشارين الأمريكيين حيث كان الوضع مشحونًا للغاية والرئيس أوباما يسأل من حين لآخر عن الموقف، وكان مستشاروه يقومون بكتابة تقارير بناء على ما يسمعونه ويتلقونه من السفارة الأمريكية فى القاهرة، أو شهادات من المصريين خارج البيت الأبيض بجانب التقارير التليفزيونية، بالإضافة للمكالمات الخاصة القادمة من أرض الميدان، وكان السؤال فى هذا الوقت: ماذا ينبغى أن يكون عليه الموقف الأمريكى؟ فكان هناك حلان إما تأييد المتظاهرين، أو مساندة الرئيس السابق مبارك، وكان أصحاب الاتجاه الأخير يرون أن مبارك حليف قوى لأمريكا فى الشرق الأوسط طوال 30 عامًا، ولكننى قمت بالرد على هذا الاتجاه بأن أمريكا حالفت مبارك طوال 30 عاماً، فلماذا لا تقف مع الشعب لمدة شهر واحد، وأثناء اجتماعى مع المستشارين دخل علينا الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وقلت له لفظيًا: إن المؤيدين فى التحرير هم نفس الشباب الذين أتوا بك إلى البيت الأبيض، وأن حركة الشباب فى أمريكا هى التى مهدت لانتخاب أوباما رئيسا لأمريكا.. وبدأ موقف أوباما يتغير بعدما كان يميل إلى موقف هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية وجوزيف بايدن رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبيت الأبيض فى الثلاثة أيام الأولى حيث كانا من أشد المساندين لمبارك.. إلى أن جاءت (موقعة الجمل) ووحدت الآراء على ضرورة مساندة مطالب شباب التحرير خاصة أنها جاءت بعد ثلاثة أسابيع من الثورة التونسية.. وبدأنا نستخدم تعبير (الربيع العربى) وكان له مغزى بأنه تعبير استخدم فى شرق أوروبا مع التظاهرات هناك.. وبدأت الإدارة الأمريكية تقبل تصعيد الشباب لمطالبهم بالإطاحة بنظام مبارك.. وكان هناك تخوف أمريكى من احتمال أن يصل الإخوان المسلمون إلى الحكم، وقلت لهم إن من حقهم كنسيج وطنى المشاركة، وكنت قد رتبت بالفعل مع سفراء أوروبيين وأمريكيين على مستوى المستشارين لحوارات شارك فيها الإخوان وذلك فى القاهرة قبل 3 سنوات وكان محمد مرسى ضمن وفد الجماعة فى هذه الحوارات»!!.. ويظل رائد التمويل الأجنبى غير المشروط الذى أطاحت به الفارسة الدكتورة فايزة أبوالنجا يطرح مبادرة المصالحة المشبوهة الممولة من جماعة الإخوان الإرهابية أسوة بتصالح المسلمين مع قريش، ونيلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا عندما أعلن ـ بعد 27 سنة ـ مبادرته «الحقيقة والمصالحة».. وذلك بغض النظر عن دماء مئات الشهداء الزكية على أرض الوطن.. لأنه كما يقول الثعلب يمثلون شريحة من المجتمع!!..

 

كيرياليسون

أحب الكتاب الدسم.. الشبعة من بعد جوعة.. الكتاب الذى يسرقنى يبتلعنى يأخذنى يكبلنى يأسرنى ينسينى كل ما حولى.. يخرس رنينى يوصد مرآتى ويحجّم خروجى ودخولى وسرحانى واجترار أحزانى وهدهدة أوجاعى، وحسرة عد خطوط تجاعيد جبهتى وأرجحة ضرسى، وغلق نور الصالة البعيد والمحبس العمومى بالحمام المرشّح، ومراجعة مدى القرابة والنسب لعائلات أعمدة وفيات الصفحة الأخيرة.. أحب الكتاب المتعوب فيه.. الكتاب الذى ما أن.. حتى الغلاف الأخير.. وإن كان الجلوس إليه على حساب الجلوس لمائدة الطعام والتسريحة والضيافة والمواصلة.. الكتاب الذى يضيف ويكشف ويؤرّخ ويصحح ويفتح النوافذ على عالم جديد ظننتنى على عِلم به فاكتشفت بين كشوف صفحاته وهن معلوماتى وقشرة ظنى.. كتاب «كيرياليسون» لصاحبه وصاحبى حمدى رزق صاحب القلم المغموس بمداد الخلطة المصرية الوطنية السحرية الذى دخل فيه إلى قلب المسيحى المصرى الذى يردد كلمة «كيرياليسون» اليونانية التى تنقسم إلى كلمة «كيرية» أو «كيروس» بمعنى «يارب» وكلمة «ايليسون» ومعناها «ارحمنا» أى أنها بتلاقى شقيها بمعنى «ارحمنا يارب».. وأبصم بالعشرة أننى بعدما انتهيت من الكتاب بصفحاته الـ405 وجدتنى أردد كيرياليسون فاللـه معنا جميعًا..

على صفحاته سافرت إلى عصور كان الأقباط فيها يدرسون بالأزهر الشريف مثل عائلة أبناء العسال التى عاشت فى القرنين السادس والسابع الهجريين، ودرست فى رحاب الأزهر وتلقى أبناؤها تعاليم الإسلام واللغة العربية فانعكست تلك الدراسة الإسلامية فى كتاباتهم، ومثل الشيخ الرئيس ابن قيصر الأزهرى وهو من رجال القرن الـ13 الذى ألفَ كتابا فى «نحو» اللغة القبطية سماه «التبصرة» على غرار مؤلفات النحو العربى، والعالِم المصرى ميخائيل الصباغ (1774 ــ 1816م) الذى درس على أيدى علماء الأزهر ومنهم الشيخ الخراشى الأزهرى، وتادرس بن وهبة الطهطاوى وكان قد التحق بالأزهر ودرس علوم الحديث والفقه واللغة، وعندما تقدم للامتحان النهائى بمدرسة الأقباط، كان يترأس منصة الامتحان رفاعة رافع الطهطاوى، وكان من مؤلفات ميخائيل «الخلاصة الذهبية فى اللغة العربية»، وكان السياسى القبطى الحزبى مكرم عبيد عامين قد درس فى الأزهر بمقتبل حياته، فحفظ القرآن، وتلقى علوم الشريعة، حتى إنه كان يكسب معظم قضاياه لاعتماده على آيات الذكر الحكيم، والقمص مرقص سرجيوس خطيب ثورة 19 والتى قادها من فوق منبر الجامع الأزهر بعباراته الحماسية النارية ضد الاحتلال البريطانى! وكانت ثقافته الإسلامية تعادل ثقافته المسيحية، وكثيرًا ما استشهد بالقرآن الكريم، والصحفى القبطى جندى إبراهيم شحاتة (1864 ــ 1928) الذى تلقى دروسه فى أحد الكتاتيب الإسلامية فى مدينة جرجا بصعيد مصر، وحفظ القرآن الكريم، ودرس فى الأزهر الشريف علوم العربية والشريعة، وميخائيل جرجس الذى درس بالأزهر من سنة (1885 ــ 1891) وهو من أهم الشمامسة فى ذلك الوقت، وفى تلك الفترة أتقن علوم النحو والصرف والبيان، كما حفظ ألفية بن مالك من الشيخ محمد بصرة وفى السنة الثانية من دراسته بالأزهر رأى البابا كيرلس فى صوته وحفظه السليم لكل ما تلقنه المؤهلات الوافية لرسامته شماسًا ـ وهى رتبة كنسية ـ ولما أتم ميخائيل دراسته بالأزهر عينه البابا مرتلا بالكاتدرائية المرقسية، وازداد تقدير البابا له فعينه أيضا مدرسا للألحان فى الإكليريكية فى 2 نوفمبر 1893.. وتبدأ مبادرة «بيت العائلة المصرية» أثناء زيارة وفد الأزهر برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب إلى البابا شنودة الثالث فى 2 يناير 2011 لتقديم العزاء بعد الاعتداء على كنيسة القديسين بالاسكندرية فيلقى ترحيبا منه لتتلخص أهداف البيت الكريم فى الحفاظ على النسيج الوطنى الواحد لأبناء مصر..

ذلك اللقاء بين القمتين الدينيتين على أرض مصر «الطيب» و«تواضروس» ـ من بعد رحيل البابا شنودة ــ حيث يجمعهما معا ذلك الجلال الصامت الذى أخذه معترك الأحداث إلى وقفات تاريخية يقول عنها البابا لمحاوره صاحب «كيرياليسون فى محبة الأقباط»: «التقيت بالدكتور مرسى باعتباره رئيس البلد أظن مرتين أو ثلاث، إحداها فى افتتاح مجلس الشورى، وأذكر المرة التى كانت مع فضيلة الإمام وكانت الأخيرة قبل ٣ يوليو وتاريخها يوم ١٨ يونيو ٢٠١٣ بالضبط، رحنا نقول له عاوزين نطمئن على البلد لأن الإحساس الذى تكوّن عندى كمواطن مصرى أن هناك حاجة بتتسرق منى. فيه شيء بيتسرق، ولم يكن هذا إحساسى وحدى بل إحساس ملايين المصريين بدليل نزولهم بعدها فى ٣٠ يونيو، وسأله الإمام الطيب إيه اللى هيحصل؟ قال له عادى حيجى ١ يوليو و٢ يوليو و٣ يوليو وهتعدى كلها زى كل الأيام... شكرا وخدنا بعضنا ومشينا..

● وقداستك خارج من عند الدكتور مرسى فى هذا التوقيت كان شعورك إيه؟!

- كان يمثل الإنسان البعيد عما يحدث فى الشارع بينما كلنا حاسين بما يحدث فى الشارع مع كل كبيرة وصغيرة.. كيف يحكم على الأمور بهذا الشكل، ومن هنا أيقنت أن هناك حاجة حتحصل.. المهم فى ٣ يوليو تجمعنا مع قادة القوات المسلحة وبعض الممثلين لرموز الدولة والإمام الأكبر، وقعدنا نتناقش حوالى ٥ ساعات قبل الظهور على التليفزيون والكل بيطرح رؤياه، وكان يقود المناقشة الرئيس السيسى باعتباره وزير الدفاع وقتها، وكان حقيقى ديمقراطى فى إدارة الجلسة، والكل عبر عن رأيه وشرح من ناحيته المخاوف الموجودة، وكان شديد التعبير والحزم فى قوله لازم يكون فيه حاجة تتم، ولخصنا كل الحوار فى بيان راجعته الشئون القانونية وراجعه فضيلة الإمام نحويا، وبعدها طلب الفريق السيسى أن كل واحد يحضّر كلمة دقيقتين ووزع علينا أوراق للكتابة وابتدأ كل الأحباء الموجودين يكتبوا وأنا الحقيقى لم أجد حاجة فى مخى أكتبها مش عارف ليه، وسبت ورقتى فاضية، وكان الفريق السيسى يحب الاطمئنان على كلمة كل واحد، ولأنى فى دخولى للمكان لمحت العلم فقررت التكلم عن مدلول ألوانه، بعد كده جاء وقت الصلاة قبل الطلوع على المنصة، وبعدها قرئ البيان وقعدنا على المائدة أكلنا لقمة..

● هل أحسستم فى هذا اليوم بخشية على مصر؟

- أبدًا.. حسيت باسترداد واسترجاع مصر، على الأقل وقفنا السرقة، إحساس غريب اعترى كل الموجودين ومعظمهم مكنتش أعرفهم.. أخذنا بعض بالأحضان وإحساس بأن هناك فرحة تسرى فى الجسد المصرى بأكمله وشفتها وأنا راجع فى الشوارع..

ولأنه حمدى رزق الذى نادرًآ ما يكتب فى حالة فرح فدمعته قريبة وارتجافة شفته السفلى تفضح مشاعره التى تنتابه كلما غطس فى أتون آلام أحداث الفتنة الطائفية التى سجل أحداثها جميعا فى كتابه، وربما أكون قد أمسكت بمنبع نهر دموعه من خلال سطرين سطرهما فى مقدمة كتابه عن طفولته فى الحى الفقير بالمدينة الهادئة، حيث كان الشيخ الحليفى الضرير يتقن فى قراءة سورة مريم من ميكروفون المضيفة فى الجامع القريب بالقراءات السبع فيستمتع بالقراءة ويمتع السامعين وينام الصغار قريرى الأعين وطعم التمر فى الحلوق حلو وطعم الآيات حلو «وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيا فكُلى واشربى وقرّى عينا»..

كتب حمدى رزق سطرى منبع أحزانه ودموعه عندما كانت مدينته الهادئة تنام فى دعة وسلام قبل أن يدهمها الطوفان، ويستبيحها الجراد الأسود، وتُغرّد على شجر الزقوم طيور الظلام.. هل كان رزق يقصد بمدينته الهادئة مصر، وبالجراد الأسود رموز الإرهاب فى الداخل والخارج.. هذا ما وصلنى من نبع أحزان المنوفى ابن عزبة المغربى التلميذ بمدرسة الأقباط الابتدائية فى حضن كنيسة منوف بعزبة النصارى حيث تدق أجراس الكنيسة فى قلب الفصول وكأنها ألحان شجية ليفتتح اليوم الدراسى الحاج أحمد البهنيهى بطيب القول والتوحيد «قل هو اللـه أحد اللـه الصمد لم يلد ولم يولد» وكان جار الفصل ألبير ملاكا لا يكاد يشعر أحد بوقع خطواته، يطرب لسورة مريم ويحلف بالمسيح الحى عليه السلام ويزور حمدى رزق طيفه الشاحب كلما ألمّ عارض بأهل الكنيسة..

وفى مثل هذه الأيام التى تحتفل فيها مصر بالذكرى المئوية لميلاد عبدالناصر يجمع حمدى رزق فى كتابه ــ المزود من شدة ثرائه بالهوامش الغزيرة الحافلة ــ تلك العلاقة الحميمية المتميزة التى كانت تجمعه بالبابا كيرلس السادس والتى عبر عنها محمد حسنين هيكل قائلا «كان بينهما إعجاب متبادل، وكان معروفا أن البطريرك يستطيع مقابلة عبدالناصر فى أى وقت يشاء، وفى لقاء من اللقاءات العديدة بينهما فى عام ١٩٥٩ قال البابا (إنى بعون الرب سأعمل على تعليم أبنائى معرفة الرب وحب الوطن ومعنى الأخوة ليشب الوطن وحدة قوية).. فأثنى جمال عبدالناصر على وطنية البابا كيرلس الذى أصدر بيانا مشتركا مع شيخ الأزهر الإمام الأكبر حسن مأمون جاء فيه «نبعثها صيحة حرة مدوية معلنة أننا نرفض تماما فكرة تغبير الوضع القائم بالقدس قبل العدوان الغاشم كما نرفض تدويل القدس» ومن أجمل العبارات التى أرسلها كيرلس السادس فى برقيته إلى بابا روما «سنموت مسلمين ومسيحيين شهداء يدافعون عن القدس».. وقد وقفت الكنيسة القبطية موقفا شديد الصلابة ممثلة فى مجمعها المقدس حول وثيقة الكاردينال بيا والفاتيكان حول تبرئة اليهود من دم المسيح.. وتلقى البابا كيرلس نبأ وفاة الرئيس عبدالناصر بحزن شديد وأصدر بيانا إلى الأمة جاء فى كلماته: «…. إن جمال لم يمت ولن يموت، إنه صنع على مدى عشرين سنة من تاريخنا ما لم يصنعه أحد من قبله فى قرون».. وظلت جميع الكنائس تدق أجراسها دقات الحزن وأقيمت الصلوات واتشحت جميع الكنائس بالسواد أربعين يوماً.

ويأتى البابا شنودة الثالث ليلعب دورا وطنيا كبيرا ليشهد الدكتور مصطفى الفقى بأن تاريخ الكنيسة يتحدث عن البابا كيرلس الرابع باعتباره «أب الإصلاح» وعن البابا شنودة باعتباره «أب الهوية الوطنية الحديثة للأقباط» ويعود إليه الفضل فى دفع الأقباط إلى الساحة القومية حتى إن الجماهير تلقبه «بطريرك العرب» لمساندته للقضية الفلسطينية، ويذكر الدكتور الفقى أنه طلب منه تزكية شخصيات قبطية للتعيين فى مجلس الشورى «ففوجئت به يملى علىّ أسماء بعض المسلمين على رأسهم الدكتور فرج فودة قائلا ليس يعنينى دين من سوف يتم تعيينه، بل ما يعنينى هو إيمانه بالوحدة الوطنية ونبذه التطرف ودعوته للمحبة والتسامح».

فى كتابه الموسوعة أحداث وأنواء وتواريخ منها مرتان رأى فيهما حمدى رزق دموع البابا تواضروس الثانى.. دموعه الأولى يوم وفاة والدته التى نشر نعيها بصفحة الوفيات فى أهرام ٢٩ مارس ٢٠١٤ بسطور راجعها البابا بنفسه فى مقدمتها: «رقدت على رجاء القيامة سامية نسيم اسطفانوس، ابنة المرحومين نسيم اسطفانوس وجميانة عزيز بالبرارى زوجة المرحوم المهندس صبحى باقي، والدة صاحب القداسة البابا تواضروس الثانى، والمهندسة هدى صبحى زوجة المرحوم الدكتور مجدى اسكندر، والمرحومة المهندسة إيمان زوجة المهندس مدحت صبحى.. الخ».. والمرة الثانية التى كتب فيها حمدى رزق عن دموع البابا عندما شيعت الجنازات الرسمية لشهداء الوطن إثر الحادث الإرهابى الذى تعرضت له الكنيسة البطرسية بالعباسية وكان المشهد الجلل يتقدمه رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى معزيا بربطة العنق السوداء.

ويبقى حمدى رزق متابعا ومسجلا ومؤرخا لأخوة الوطن بقلب المحب الهاتف كيرياليسون فى وطن قال فيه البابا تواضروس «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن ولو حرقوا الكنائس حنصلى فى الجوامع مع المسلمين، ولو حرقوا الجوامع حنصلى احنا والمسلمين مع بعض فى الشوارع».

[email protected]


لمزيد من مقالات سـناء البيـسى

رابط دائم: