رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

براءة «إبراهيم» و«إسماعيل»

بينما حصل الدكتور إسماعيل سراج الدين على صك براءته بحكم القضاء، فإن الأستاذ إبراهيم نافع رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق حصل على صك براءة لا يقل أهمية. إنها البراءة الشعبية إذا جاز التعبير. والتكريم الذى حصل عليه نافع منذ إعلان وفاته والمشاركة الواسعة فى تشييعه إلى مثواه الأخير خير شاهد على ذلك. فالرجلان أنجزا فى مؤسستيهما ما لا يمكن لذى عينين أن ينكره. بل إن الاتهام الذى وجه لكليهما لم يتعلق بذلك الإنجاز. الاتهام كان محله أمورا أخرى حاولت القفز على ما أنجزا وتشويهه. تشويه الرجلين لم يكن مقصودا فى حد ذاته بقدر ما كانت الرغبة فى تشويه نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك وكل من كانت له علاقة به. إنها باختصار محاولة لتصفية نظام حسنى مبارك وكأن من عملوا معه فى أى موقع لم ينجزوا أى شيء، أما من أنجزوا فكان لابد من تصفيتهم بالبحث عما يؤكد أن ما أنجزوا لم يكن خاليا من الفساد. أى أن المحاكمة واجبة بصرف النظر عما اذا كان الشخص أنجز أم لا. وهكذا حوكم إبراهيم نافع بقضية عرفت إعلاميا باسم «هدايا الأهرام» التى كانت تمنحها المؤسسة للمتعاملين معها إعلانيا أو فى إطار العلاقات العامة التى تقوم بها كل المؤسسات الاقتصادية لتسيير أعمالها طبقا لما تمليه قواعد «السوق» السياسى والاقتصادى المعمول بها فى مصر فى تلك الآونة.

من سعوا لمقاضاة إبراهيم نافع كانوا يدركون جيدا أن الرأى العام لم ولن يتابع تفاصيل القضية، وأن القانون لا يعنيه حجم الإنجاز الذى تم وأن كل ما يعنيه هو الالتزام بالقانون واللوائح. ومن ثم فبمجرد خضوع نافع للتحقق بتهمة الفساد فسوف تتم عملية اغتياله أو تصفيته معنويا وهذا ما حدث بالفعل. ولعل ذلك ما يفسر «الصدمة» التى شعر بها من حاولوا اغتياله من رد الفعل الشعبى وداخل مؤسسته التى قيل إنه «سرقها» وعبث بمقدراتها من أجل مصالحه الشخصية. فالأستاذ إبراهيم الذى حرم من دخول الأهرام واضطر للسفر خارج البلاد عاد إلى «بهو» الأهرام ليخرج منه فى مشهد مهيب لم يسبقه إليه أحد محمولا على أعناق العاملين فى الأهرام. وكأنهم جميعا كانوا يقدمون له اعتذارا عما حدث له وعما لم يقدموه له من أجل تبرئة ساحته وهو على قيد الحياة. المشهد فى ليلة العزاء لم يقل بهاء وتعبيرا عما حدث فى الجنازة. إذ احتشدت قبيلة الأهرام باستثناء القلة التى لم تستطع رؤية ذلك المشهد.

العاملون فى الأهرام لم يذهبوا ليقدموا واجب العزاء، بل لاستقبال واجب العزاء فى فقيدهم الكبير. كل من تابع مشهد العزاء أدرك جيدا أن المصاب كان مصاب كل صحفى فى الأهرام بصرف النظر عن جيله أو عما إذا كان قد عاصر نافع وعمل معه أم لا. ودون أدنى شك، فإنه كما كان مشهدا الجنازة والعزاء صكا لبراءة إبراهيم نافع، فإنه كان صكا لبراءة الصحفيين والعاملين فى الأهرام من الاشتراك أو الموافقة على عملية تصفية إبراهيم نافع معنويا. كما كان المشهدان تعبيرا عن التزام العاملين فى الأهرام بتقليد ظن البعض أنه اختفى أو أريد له أن يختفى وهو تكريم رموز الأهرام على الأقل عرفانا بما قدموه حتى وإن وقعوا فى أخطاء بحكم القانون. فالأستاذ إبراهيم نافع هو بحق صاحب التأسيس الثالث للأهرام بعد بشارة وسليم تقلا والأستاذ محمد حسنين هيكل. وأخيرا فقد كان المشهدان تعبيرا عن اقتناع العاملين فى الأهرام بأن كل ما لحق بإبراهيم نافع دفعت الأهرام ثمنه أو على الأقل جزءا كبيرا من ذلك الثمن. فاستهداف إبراهيم نافع بل وقضية «هدايا الأهرام» استهدف مؤسسة الأهرام وهز صورتها وصورة العاملين بها أمام الرأى العام.

أما الدكتور إسماعيل سراج الدين الذى هلل لمقاضاته من يدعون حرصهم على المال العام ومحاربة الفساد، فلم يكن نصيبه من الاستهداف والتشويه بأقل من إبراهيم نافع خاصة بعد الحكم الذى صدر بحقه فى يوليو الماضى بالسجن ثلاث سنوات ونصف السنة. ذلك أن سراج الدين قدم للمحاكمة ليس لأنه فشل فى تنفيذ المهمة التى أوكلت له وهى أن يجعل من مكتبة الإسكندرية منارة يفخر بها المصريون ولكنه قدم للمحاكمة بدعوى رفعها بعض العاملين فى المكتبة يتهمونه بإهدار المال العام بتعيينه مستشارين برواتب كبيرة رغم عدم حاجة العمل إليهم وتغيير السيارات الخاصة بالمكتبة والتعاقد على إنشاء كافتيريات ومطاعم بالمكتبة بالأمر المباشر. وبكل تأكيد فإنه لو جاء اتهام سراج الدين فى عام 2011 لكانت عملية تصفيته قد نجحت بما يفوق بكثير ما تم خلال العام الماضي. وبكل تأكيد أيضا فإن استهجان ورفض رموز المجتمع الثقافى والسياسى للاتهام الموجه إلى سراج الدين قد ساعد فى تحجيم تداعيات تشويه الرجل، بل إن خليفته فى المكتبة الدكتور مصطفى الفقى سجل موقفا شجاعا ومحترما عندما قرر أن يدلى بشهادته مبرئا ساحة سراج الدين ومتحديا حالة التشفى التى تسود المجتمع منذ عام 2011. بينما فى حالة إبراهيم نافع فإن واحدا ممن خلفوه فى مجلس إدارة الأهرام قد أصر حتى بعد رحليه على التشفى فيه!

رحل الأستاذ إبراهيم نافع وما زال القضاء لم يقل كلمته فى شأن الاتهام الموجه إليه، والدكتور إسماعيل سراج الدين حصل على البراءة من القضاء وإن لم تنل حقها من الإعلام كالمعتاد. ومع ذلك يظل السؤال قائما؛ من يحمى المسئولين من عبث التشويه فى حياتهم وبعد مماتهم؟ من يوفر الحاضنة القانونية المناسبة للإنجاز والعمل دون أن يكون المصير السجن أو الموت خارج الوطن؟ رحم الله الأستاذ إبراهيم نافع ببراءته الشعبية، ونفع مصر بالدكتور إسماعيل سراج الدين الذى برأته المحكمة. وجعلهما الله آخر ضحايا قضايا التشويه والتصفية المعنوية، ووفق خليفتيهما فى الحفاظ على ما أنجزاه والبناء عليه.


لمزيد من مقالات د. صبحى عسيلة

رابط دائم: