رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عن ضرب التلاميذ

ضرب التلاميذ يجرى فى مدارسنا، خصوصاً الحكومية منها، على قدم وساق. ونحن لا ننتبه إلى هذه الممارسة إلا عندما يصاب تلميذ بعاهة من قسوة العقاب وحينها نلقى اللوم على المدرس القاسى معدوم القلب والضمير، ولكننا لا ندين الممارسة نفسها. وحينما تتعالى أصوات تطالب بمنع الضرب قطعياً فى المدارس نجد من يعترض، ومن رجال التعليم أنفسهم، وينبهوننا إلى أن قلة أدب تلاميذ هذه الأيام قد زادت عن الحد، وأنه ينبغى الحفاظ على «هيبة» المعلم. لاشك فى أن العملية التعليمية لكى تتم بنجاح تحتاج إلى الإنضباط، ولكى يتحقق هذا لانضباط ينبغى تحديد المخالفات والعقوبات المقترنة بها. ولكن كل هذا يمكن أن يتحقق، بل يتحقق فعلاً فى أغلب بلدان العالم دون اللجوء إلى الضرب أو العقاب البدني. وفيما يبدو أننا قد أسأنا فهم معنى الهيبة، وتصورناه مقترناً بخوف التلاميذ من الأستاذ وليس بحبهم له. الفصل الدراسى كما يرى دوركايم هو نموذج مصغر للمجتمع، وكما أن الحاكم يسعى إلى أن تتمتع سلطته بالشرعية أى بقبول الشعب لها، وهكذا فهيبة المعلم تعنى فى واقع الأمر إعتراف التلاميذ بسلطة الأستاذ داخل الفصل. والنتيجة التلقائية لهذا الاعتراف هى أنهم ينفذون أوامره طواعية، والأستاذ الذى يلجأ إلى التهديد بالضرب، يعانى من نقص كبير فى فرض سلطته، أو فى جعل التلاميذ يقبلونها عن طيب خاطر. وحينما ننظر إلى مشهد لمعلم يضرب تلميذ، فإن المنحرف يكون هو المعلم لأن هناك وسائل أخرى كثيرة يمكن من خلالها معاقبة التلميذ المخالف دون اللجوء إلى العقوبات البدنية. فهناك أساليب كثيرة يستخدمها المعلم لفرض الانضباط تتراوح بين الأمر وتحديد ما هو مسموح وغير مسموح وعزل التلميذ المشاغب وإظهار عدم الرضا والتوسل وأخيرا الغضب الذى يجب أن يكون مفتعلا وتحت السيطرة اى لا يكون غضبا حقيقيا حتى لا يستمرئ التلاميذ استثارة المعلم. كما أن هناك عقوبات إدارية مثل الواجبات الإضافية والخصم من الدرجات واستدعاء ولى الأمر.

لكننا للأسف عشنا عهوداً طويلة إقترن فيها التعليم بالضرب وخاصة التعليم التقليدى فى الكتاتيب، حيث كانت هناك أدوات تعذيب مثل الفلقة تحظى بوجود شرعى ومعترف به، يرى برتراند رسل أنه لا توجد أى فائدة تربوية من العقاب البدنى على الإطلاق. ورغم ذلك تنتشر هذه الظاهرة فى المدارس بشكل كبير. ويفسر ذلك رسل بأنه يوجد بين صفوف المعلمين من هم مصابون بعقدة السادية ويشعرون بلذة حينما يسمعون تأوهات التلاميذ من حولهم وبكائهم! ومثل كل انحراف نفسى يسعى الانسان إلى أن يمارسه بصورة مقبولة اجتماعياً، ولهذا فإنهم يبررون هذا العنف زاعمين أن ذلك فى مصلحة التلاميذ. فى الواقع أننا حينما نطالب بإيقاف العقاب البدنى للتلاميذ وفرض جزاء على المعلم الذى يمارسه ليس دافعنا هو الشفقة والإنسانية، بل هو إيقاف التدمير الذى يحدث فى التعليم نفسه. فلا يمكن لأمة أن تنتظر أى إنجاز ذى قيمة من أجيال تربت على القهر، فالقسوة على التلميذ هى تخريب لنفسه وعقله، والذى ينقل لنا هذا الدرس هو العلامة عبدالرحمن بن خلدون، فى مقدمته الشهيرة يوجد فصل بعنوان «فى أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم»، يرى فيه أن استخدام العنف مضر بالمتعلم سيما فى السن الصغيرة، لأن «من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين... سطا به القهر وضيق عن النفس فى انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما فى ضميره وعلمه المكر والخديعة وصارت له عادة وخلقاً وفسدت معانى الإنسانية التى له». شيء غريب أن يربط بعض المعلمين بين اللجوء إلى الضرب والحفاظ على هيبة المعلم، وكأن المعلمين فى اليابان أو ألمانيا أو السويد ليس لهم هيبة! بقيت فقط حجة أنه لا تجوز المقارنة بين تلاميذ هذه البلاد وتلاميذنا: إن أطفالهم ملائكة وأطفالنا شياطين.


لمزيد من مقالات ◀ د. أنور مغيث

رابط دائم: