رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خالد جلال .. وإعلام الأرز والسمك

وجدتنى يوم السبت الماضى أتابع إعلاما عبر راديو السيارة موزعا بين عالمين، إعلام زاعق يثير قضايا تجرنا للخلف، يفتعل خناقات حدثت فى زمن ماض، وإعلام آخر هادئ يشدنا للأمام على استحياء، ولا أعرف هل هذا بداية التحول فى المزاج المصرى أم هو فعل فاعل شيطانى لتشتيت الانتباه، منه تلك الضجة التى أثيرت ضد عماد الدين أديب الذى عاد بـ(ترتيب) مقصود بعد غياب بحوار مع الإرهابى الليبى عبد الرحيم المسمارى، فظهر الإرهابى على قناعة كاملة مما يفعل يناقش ويبدى وجهة نظره بمنطق تكفيرى صلب مقرا بجريمته مستهينا بأرواح الشهداء, وبدا فيه أديب كأنه استدرج إلى مربع الوعظ بعيدا عن دوره كإعلامى هدفه فك الغموض والكشف عن خلفيات الحادث، ولا أعرف سر الضجة هل كان المطلوب من عماد أن يظهر الإرهابى وهو متلعثم ومغلوب على أمره فتسجل جريمة العدوان على أمن الوطن ضد مريض عقلى ضمن تنظيم من المرضى النفسيين، أم يظهر على حقيقته كعضو فى تنظيم دولى (مسنود ومدعوم) من الداخل والخارج هدفه مع سبق الإصرار والترصد تعكير الأمن وجر البلاد إلى الخلف وإشاعة الفوضى ويستحق قرار النائب العام، عقب إذاعة الحلقة, بحبسه احتياطيا لمدة 15 يوما بتهمة حيازة أسلحة فتاكة وقنابل ومفرقعات، وأنه شارك فى جريمة قتل اكثر من 15 قائدا وجنديا فى عملية «الواحات» لاقامة دولة الخلافة.

ورغم اقتناعى بأن (رسائل) هذه الحلقة قد درست من عدة جهات قبل إذاعتها على هذا النحو، لكن الضجة الواسعة التى أثيرت فى وجه عماد أديب تشبه فى غرابتها الضجة التى أثيرت بقوة بعد أكثر من سنة على تصريحات للمطربة شيرين عبد الوهاب بدت فيها ساذجة النية وهى ترد على إحدى المعجبات فى حفل عربى طلبت منها سماع أغنية (مشربتش من نيلها) قائلة هايجيلك بلهارسيا، واعتذرت عنها فى حينها فإذا بالهيئة الوطنية للإعلام وأجهزة الرقابة على المصنفات ونقابة المهن الموسيقية يتحركون بعد سنة لوقفها ومعاقبتها ومنع أغانيها، ولا أعرف معنى أجهزة تنتفض بعد سنة بشكل جماعى على زلة أو قلة ذوق لسان مطربة دون أن يكلف أحد من الأجهزة التى اتهمتها بإهانة النهر أن يقطع مشوار العزاء الذى قطعته يوم السبت الماضى لمدة أربع ساعات على النيل من أكبر مدينة وهى العاصمة القاهرة حتى بهى الدين وهى أصغر عزبة فى أعماق الدقهلية ليرى بنفسه هل الأمراض التى سببها الإهمال والعدوان بأكوام القمامة ومخلفات الصرف الصناعى والصحى مازالت مقصورة على بلهارسيا شيرين فقط أم تعدتها إلى أمراض أكثر بشاعة مثل الكبد والفشل الكلوى وضرب قداسة النهر والذوق والصحة العامة فى مقتل، ولم يقتصر العدوان على حرمة النهر إلى تحويل الرياح التوفيقى والترع الكبيرة كالمريوطية والبوهية والنظامية التى كنا نفخر بالفسحة عليها ساعة العصارى، وقد تحولت إلى شرايين لنقل الأمراض والدمامة بعد أن خنقتها الزبالة على الجانبين، تحت أعين وابصار المجالس  المحلية والمحامين الذين طالبوا بسحب الجنسية الغنائية من شيرين ولم يحرك أحد أى دعوى قضائية لسحب الأهلية والجدارة بمياه هذا النهر العظيم من كل من أخل بنظام الرى ونظافة المياه، وقد ترتب على هذا الانتهاك أن ماتت قرى بالكامل فى دكرنس وبلقاس والسنبلاوين من جفاف المياه, بينما نعم آخرون و(بلبطوا) بمخالفة الدورة بزراعة الأرز الذى يحتاج إلى كميات هائلة من المياه!

لكن هيهات فسرعان ما شعرت بالاطمئنان للمستقبل حين جرتني إذاعة أخرى لمتابعة افتتاح الرئيس مشروع غليون العملاق بكفر الشيخ الذى سيضخ فى المرحلة الأولى 25 ألف طن من الأسماك للمستهلك، ويسهم فى تخفيف العبء عن كاهل المصريين وسد الفجوة الغذائية وتحويل مناطق المستنقعات وبؤر العشوائيات والمخالفات من أوكار للهجرة غير الشرعية إلى صروح للتنمية وإيجاد فرص العمل للشباب، وقد انتهز أحد المواطنين حالة البهجة بنجاح قيام أضخم مشروع سمكى فى الشرق الأوسط لمطالبة الرئيس بالعفو عن الغرامات التى وقعت على الفلاحين لمخالفة الدورة بزراعة الأرز، لكن الرئيس رد على مطلب البعض بتطبيق مبدأ (سيبنا يا سيسي) برسالة مزدوجة، للمواطن فى الداخل ولإثيوبيا فى الخارج: وهى أن الأوطان لا تبنى على الخواطر ولكن بالالتزام والانضباط، وهو المبدأ الذى تطبقه القوات المسلحة فى جميع مشروعاتها وما يوكل إليها لمواجهة كل التحديات، ينطبق هذا على المواطن الذى يخالف الدورة بزراعة محاصيل مستهلكة للمياه فى الداخل كما ينطبق على إثيوبيا فى الخارج ردا على تعنتها فى مفاوضات كمية وتوقيتات ملء سد النهضة، وقال: إن حصة مصر من المياه لا يمكن المساس بها فهى قضية حياة أو موت، وأمن قومى و(انتهى الكلام)!

وهكذا وجدتنى عبر أثير الإذاعة أتعرض لـ (إعلامَيْن) عبر عنهما المخرج خالد جلال فى حديثه لمعتزة مهابة، حين فرق بين فن الهرى والفتن وافتعال القضايا وقال له «سلم نفسك»، وبين الإعلام الأصيل الراقى القائم على الالتزام بقضايا الوطن ومتابعة المشروعات الذى يمنح الثقة فى المستقبل للمشاهد والمستمع الباحث عن الأمل فى الغد.


لمزيد من مقالات ◀ أنور عبد اللطيف

رابط دائم: