أزمات تراجع وخلل مفاوضات سد النهضة الأخيرة بين مصر وإثيوبيا والسودان لأكثر من مرة وكان آخرها المفاوضات الفنية التى شهدتها القاهرة أخيراً بحضور وزراء الرى فى الدول الثلاث تنذر بمرحلة جديدة من خلط الأوراق وتغيير قواعد اللعبة السياسية والمائية من قبل إثيوبيا بغطاء سودانى ضد مصر حيث التهرب من الالتزامات والتراجع عن الضمانات واتباع سياسة الهروب إلى الأمام التى باتت تجيدها أديس أبابا يستحيل أن تخلق توافقا أو قبولا إثيوبيا باستحقاقات المطالب والحقوق المصرية فى موضوع مياه النيل بل هى إعلان مباشر وصادم من قبل قادة إثيوبيا بأن القادم أسوأ مع مصر ومعركة المياه التى قال عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى أخيراً وتكراراً وأكثر من مرة أنها معركة حياة أو موت بالنسبة للمصريين.
بات لافتا أن إثيوبيا مصممة هذه المرة أيضا على تجرع المصريين جرعات السم وبكميات إضافية التى سبق تناولها من قبل عندما قبلنا بغفلة وانتهازية إثيوبيا فى أثناء ظروف ومعطيات أحداث ثورة 25 يناير وسارعت فى ابريل من العام نفسه فى البدء فى تشييد سد النهضة على الفور مستغلة ظروف الأحداث الداخلية فى مصر وقبلنا فى نهاية الأمر بانشائه كأمر واقع مع فرض بعض الشروط والمطالب التى يتضح أن إثيوبيا لم تستجب أو تتعاطى معها بفعالية حتى الآن.
الأمر الذى بات علينا فى مصر دولة وحكومة وشعبا أن نستعد لمعركة جديدة كل الأوراق فيها مطروحة على الطاولة ومجمل النهايات والسيناريوهات بها متوقعة ومفتوحة حيث سيحتاج الأمر إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية والدبلوماسية أولاً مع إثيوبيا قبل اللجوء إلى أى خيار آخر حتى لو كان عسكريا وإن كان هذا هو آخر هدف أو مسعى يمكن أن تلجأ إليه مصر وإلى الإبقاء عليه إذا دعتنا الحاجة إليه فى نهاية المطاف خاصة إذا استمر الاستخفاف والاستفزاز الإثيوبى إلى نهاية الشوط كما فعل فى اليومين الماضيين وزير خارجية إثيوبيا. حيث إن هذا الوزير لم يحفظ عهداً أو وداً لتاريخ العلاقات مع مصر ونهج التعاطى السياسى والدبلوماسى الذى خطه الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ أن وصل لقصر الاتحادية حيث كان ومازال ينشر هذا الحل ويرى أن الحوار والتفاهم عبر القنوات الدبلوماسية والتلاقى السياسى والاقتصادى والتنموى بين البلدين كفيل بوضع نهايات مرضية وسعيدة لأى خلافات بين الجانبين وهذا ماأعلنه صراحة فى زيارته لإثيوبيا منذ عامين وخاطب فى برلمانها وطالب قيادتها وشعبها بفتح الأذرع والقلوب لعلاقات أخوية ومتوازنة ومصالح مشتركة إيجابية بوصفها ستكون أفضل وصفة سحرية لتجاوز أى خلافات مرتقبة أو طارئة بشأن أى مفاوضات أو أزمات حول أزمة سد النهضة أو مياه النيل.
ولكن يبدو أن القيادة فى إثيوبيا وآخرها أقوال ومواقف وزير خارجيتها لم تستوعب هذه الرسالة أو تتفهما جيدا بدليل موجة المواقف العدائية الأخيرة وخلق اشتباكات سياسية ودبلوماسية مع مصر دون داع حيث غمز بطريقة غير مباشرة على موقف مصر الرافض لشروط ولائحة ضغوط إثيوبيا الأخيرة ورده بسلبية وعنهجية وتبجح على أقوال وزير خارجيتنا سامح شكرى الذى عبر عن قلقه السياسى فى مواقف وتحركات إثيوبيا السلبية الذى بات يستلزم رداً وحضوراً مصرياً سياسياَ ودبلوماسياً أكثر فى هذه القضية واستغلال كل أوراق الضغط واللعب بقواعد جديدة أكثر استحكاماً وتضييقا وعزلا وفضحا لمجمل الممارسات والانتهاكات والتهرب الإثيوبى من استحقاقات الحقوق والتفاهمات مع مصر وهى أقوال مردودة لأهله لأنها تحمل مغالطات وافتئاتا على صلب وجوهر المواقف والحقوق المصرية وبمثابة إيصال وإرسال رسائل سلبية لمصر أن أديس أبابا لن ولم تتراجع عن مواقفها السلبية وغيها فى اتباع سياسة حافة السيف والمبارزة مع مصر مهما تكن العواقب على الجميع.
وبالتالى بات الأمر يحتاج صراحة إلى تجييش كل الجهد السياسى والدبلوماسى والحكومى المصرى لإعادة النظر فى سيناريوهات اللعبة مع إثيوبيا رغم تراجع وانخفاض منسوب الخوف والقلق لدى المصريين بعد أن سعى الرئيس السيسى إلى طمأنة كل المصريين فى كفر الشيخ مؤخراً جراء المسلك الإثيوبى والتهديد الذى أصبح مباشرا واللعب فيه مع إثيوبيا بات على المكشوف.
ليس من الواجب أن نظل نعيش أسرى كمصريين لخطأ التعامل سابقا مع ملف سد النهضة وأقصد هنا تحديداً أيام حكم مبارك والمخلوع محمدمرسى يجب أن نتجاوز كل هذه المواقف والتراجعات وتغيير تكتيكات الحراك المصرى أيا كان نوعه مع ثبات الاستراتيجية فمهما يكن الغطاء التركى والقطرى والاسرائيلى ومن أسف الصينى ماليا ولوجستيا لإثيوبيا فى هذا الشأن فان الحراك المصرى يجب أن يتمحور حول استراتيجية عقاب إثيوبيا سياسيا واقتصاديا وتجاريا من قبل دول الإقليم الأصدقاء لمصر وخاصة الخليجية والعربية والافريقية وحتى الدولية التى يجب أن تتمحور وتصب فى خانة عقاب مقاطعة وحصار وتضييق وحشر فى الزاوية لها ومن ثم اللجوء إلى القنوات القانونية الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن لإدخالها فى نفق الحساب والعقوبات وبدء حرب التشويه والإلغاء بحقها لإنهاء هذا السيناريو الكابوس وجعل إثيوبيا تعيش أياما مثيرة ومضطربة حتى تقبل بالتراجع والاذعان فالمصريون الذين تجرعوا جرعات السم أول مرة بالقبول على مضض ببناء وتشييد إثيوبيا سد النهضة لن يقبلوا هذه المرة بحجب ونقصان حصة مصر من مياه النيل أو العبث بها أو القبول يتجرع جرعات اضافية من السم الأثيوبى ولتكن معركة الأيام المؤلمة القادمة لإثيوبيا ومن الاستحالة البحث عن حلول تقليدية لمشكلة غير تقليدية ولتغيير قواعد اللعبة وأدواتها ولنجعل القادم أسوأ لها.
لمزيد من مقالات ◀ أشرف العشرى رابط دائم: