رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

قمة «سوتشي».. طموحات مفعمة بالتعقيدات

من المقرر أن يلتقى غدا الأربعاء الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مع رئيسى إيران وتركيا حسن روحانى ورجب طيب أردوغان فى منتجع سوتشى الروسي، قبل أيام معدودة من موعد انعقاد مؤتمر جنيف الخاص بالأزمة السورية يوم 28 نوفمبر الحالى. الأمر المؤكد أن الملف السورى سيحظى بالأولوية فى محادثات هذه القمة المفعمة بالتعقيدات والتى جاء انعقادها عقب تطورات حدثت وأخرى تحدث، سواء على مستوى الأزمة السورية أو على مستوى التفاعلات الإقليمية الساخنة والمتصاعدة، ما يعنى أن عشرات الأسئلة ستفرض نفسها على هذه القمة، التى يرجح أن تكون بداية لمنظومة جديدة من التفاهمات بين روسيا وإيران من ناحية، وبين تركيا وروسيا من ناحية ثانية، وبين تركيا وإيران بالتبعية من ناحية ثالثة، تفاهمات قد تتحول إلى تحالفات وقد لا تتحول، لكنها حتما ستؤثر على علاقة تركيا بالولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية وفقا لحدود التقارب الذى سيحدث بين تركيا وإيران، كما ستؤثر على علاقة روسيا بالولايات المتحدة وإسرائيل، وفقا للتفاهمات الروسية- الإيرانية حول الوجود العسكرى والنفوذ السياسى المستقبلى لإيران فى سوريا الذى أضحى ملفا خلافيا وشائكا بين روسيا وكل من إسرائيل والولايات المتحدة.

تكتسب هذه القمة أهميتها أنها تجئ فى ظل تصاعد أزمة إقليمية كبرى سعودية مع إيران و«حزب الله» وبالتبعية لبنان ضمن تداعيات الاعتداء الصاروخى الباليستى الذى تعرضت له العاصمة السعودية، واتهمت الرياض كلا من طهران و«حزب الله» بالمسئولية عن إطلاقه، وهى الأزمة التى تكللت بانعقاد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، حتما ستكون له أصداؤه على قمة «سوتشي» الثلاثية وقراراتها. كما أنها تجئ عقب تطورات ثلاثة شديدة الخطورة.

التطور الأول، يتعلق بالتفاهمات التى تم التوصل إليها فى اللقاء الذى جمع بين الرئيس الروسى بوتين ونظيره الأمريكى ترامب فى «دانانج» بفيتنام على هامش قمة «منتدى التعاون الاقتصادى لدول آسيا والمحيط الهادي» (أبيك) حول التسوية السياسية للأزمة السورية. فوسط كل ما يحيط بهذه الأزمة من تعقيدات استطاع الرئيسان التوصل إلى تفاهمات صدرت فى «بيان رئاسي» تضمن الحديث عن «تعديل الدستور» السوري، وليس تغييره، كما تحدث عن «انتخابات حرة وعادلة تحت إشراف الأمم المتحدة» لكنه لم يحدد ماهية هذه الانتخابات: هل هى انتخابات برلمانية فقط ما يعنى الإبقاء (ولو المؤقت) على وضع الرئيس السورى بشار الأسد، أم هى انتخابات برلمانية ورئاسية. وقبل هذا أكد البيان «الحل السياسي» للأزمة السورية، مستبعدا أى أفق «لحل عسكري»، لكن الأهم هو الترحيب من جانب الرئيسين بمذكرة «التفاهم الثلاثية الأمريكية الروسية الأردنية» التى تم التوصل إليها فى الأردن يوم الأربعاء (8/11/2017) بشأن «اتفاق تخفيض التوتر فى الجنوب»، وأكد أن مراقبة هذا الاتفاق سوف تستكمل عبر مراكز المراقبة فى عمَّان بمشاركة فرق خبراء أردنية- روسية- أمريكية، وأشار البيان إلى أن هذه المذكرة الخاصة بتخفيض التوتر فى الجنوب السورى سوف تعزز تنفيذ بنود هذه الاتفاقية.

التطور الثاني، تفجر خلاف روسي- أمريكى قوى حول أحد أهم بنود اتفاق خفض التوتر فى الجنوب المتعلق بمستقبل الوجود العسكرى الإيرانى فى جنوب سوريا. فالغموض الوارد بهذا النص فجر ردود فعل إسرائيلية عنيفة و«موجة عاتية» من التهديدات الانفعالية لضرب أى وجود عسكرى إيرانى فى سوريا على إثر تسريب معلومات نقلتها شبكة الأخبار البريطانية B.B.C نشرت صورا لأقمار صناعية توثق لقيام إيران بإنشاء قاعدة عسكرية ثابتة بالقرب من دمشق. تفجر هذا الخلاف أدى إلى تعاقب سلسلة من ردود الفعل التصعيدية الروسية والأمريكية والسورية التى فاقمت مجددا من تعقيدات الأزمة السورية.

رد الفعل الأول جاء على لسان وزير الخارجية الروسى لافروف الذى أعلن أن اتفاقات موسكو وواشنطن لا تفترض انسحاب «تشكيلات موالية لإيران» من سوريا. وقال فى مؤتمر صحفى إن موسكو بحثت مع الأمريكيين فقط آلية عمل منطقة خفض التوتر فى جنوب غرب سوريا، والتى شارك الأردن فى العمل على إقامتها، وأكد أن «الحديث لم يتطرق إلى موضوع إيران أو بالأخص قوات موالية لإيران»، كما أكد أن «قوات روسيا وإيران توجد فى سوريا بشكل شرعى وبدعوة من الحكومة الشرعية، على خلاف قوات التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة». أدلى لافروف بهذا التصريح تعليقا على سؤال صادر عن الخارجية الأمريكية جاء فيه أن موسكو وافقت على المساهمة فى إخراج «قوات موالية لإيران» من الأراضى السورية. تأكيدات لافروف معناها أن موسكو تدعم الوجود العسكرى الإيرانى مستقبلاً فى سوريا، وهذا تطور شديد الأهمية والخطورة. رد الفعل الثانى كان أمريكيا وعلى لسان وزير الدفاع ماتيس قال فيه «لن نغادر (سوريا) فى الحال بعد هزيمة داعش». وزاد »لن نُقدم ببساطة الآن على الانسحاب من سوريا، ولن ننسحب قبل بدء ظهور نتائج جنيف، وسنجلى بعض قواتنا من سوريا، إلا أننا سنربط ذلك بحزمة من الشروط«. تصعيد أمريكى مضاد مفاده «إذا كان الروس والإيرانيون باقين فى سوريا، فنحن أيضا باقون». رد الفعل الثالث جاء سوريا. فقد أعلنت دمشق رفضها «ربط القوات الأمريكية وجودها فى سوريا بنتائج العملية السياسية فى جنيف». ردود فعل تزيد الأزمة السورية تفاقما وارتباكا.

أما التطور الثالث، فكان نجاح الجيش السورى مدعوما بالقاذفات الإستراتيجية الروسية والقوى الحليفة من استعادة السيطرة الكاملة على مدينة «البوكمال» الإستراتيجية من عصابات «داعش» الإرهابية، ما يعنى تقريبا إنهاء وجود «داعش» فعليا فى شمال سوريا، كما نجح الجيش السورى فى تحقيق نجاحات مماثلة ضد «جبهة النصرة» فى ريف حماة.

ثلاثة تطورات منها ما هو إيجابى ومنها ما هو سلبى تضع الرؤساء الثلاثة نحو مسئوليات النهوض بالعلاقات المشتركة فى وقت تشعر كل منها بحاجة شديدة للحليفين الآخرين. إيران المهزومة فى علاقاتها العربية فى حاجة إلى الدعم الروسى والتركي، وتركيا المأزومة فى علاقاتها الأمريكية والعربية فى حاجة إلى مزيد من التحالف مع روسيا، أما روسيا فهى فى حاجة إلى الحليفين الإيرانى والتركى لإنجاز التسوية فى سوريا وترتيب مستقبل وجودها الإقليمي. طموحات مهمة سوف يجرى اختيارها عمليا فى لقاء جنيف الذى سيكشف مدى قدرة الدول الثلاث على تجاوز تعقيداتها.


لمزيد من مقالات ◀ د.محمد السعيد إدريس

رابط دائم: