رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

السعودية تواجه إيران

على مدى الأيام الماضية فرض حدثان مهمان نفسيهما على ساحتى النقاش الدولية والإقليمية وليسا بعيدين عن بعضهما البعض، الأول يتعلق بالاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريري، التى أعلنها من الرياض، والآخر يختص بالإجراءات غير المسبوقة التى اتخذتها المملكة بعد توقيف أعداد هائلة من الأمراء والمسئولين الحاليين والسابقين وكبار رجال الأعمال، على خلفية اتهامهم بالفساد ضمن خطة شاملة لترتيب البيت الداخلي، أو بالأحرى إعادة تشكيل الدولة التقليدية فى صورتها الوهابية القديمة على أسس حديثة، بدأت بوادرها منذ إعلان ولى العهد الأمير محمد بن سلمان مبادرته عن «الإسلام الوسطى المعتدل» لتقديم «نموذج» مغاير لما ساد من قبل، وإقدامه فعليا على تغيير بعض الأوجه المرتبطة بالصيغة القديمة، أى فى الحالتين السعودية هى محور الأحداث ومحركها وتداعياتهما ستتجاوز حتما حدود اللحظة الراهنة، لأن الصورة الجديدة للدولة سيستتبعها سياسات داخلية وخارجية أكثر حسما، ستضع مواجهة إيران فى المقدمة، نحن باختصار أمام مرحلة مفصلية قد تغير وجه المنطقة فى المستقبل القريب.

إن التطورات المتلاحقة وما صاحبها من تصريحات عدائية متبادلة على الجانبين الممثلين للمعسكرين السعودى والإيرانى تمضى نحو التصعيد، فسبب استقالة الحريرى كما ورد فى كلمته هو التدخل الإيرانى السافر فى شئون بلاده عبر «حزب الله» لدرجة بات يخشى فيها على حياته، وأنها جاءت بعد لقائه على أكبر ولايتى مستشار المرشد الأعلى على خامنئي، الذى ضم لبنان إلى محور إيران ـ سوريا دونما اعتبار للصيغة التوافقية التى قامت عليها الحكومة اللبنانية، مُغلبا جانبا واحدا فيها، وزاد من حدة الموقف ما صرح به رئيس الجمهورية حسن روحانى بأن أى قرار ُيتخذ فى لبنان أو الدول المجاورة لا يمر إلا بموافقة إيرانية، وهو ما دعا وزير الدولة السعودى ثامر سبهان إلى القول «إن يد إيران يجب أن تُقطع فى لبنان والمنطقة».

وبعيدا عن هذا التراشق اللفظي، فمن الصعب قصر تلك الاستقالة على نطاقها المحلى أو النظر إليها على أنها مجرد رد فعل من السنة وتيار المستقبل الذى يقوده رئيس الوزراء المستقيل ضد ممارسات حزب الله، ولكنها ترتبط وفى الأساس بالوضع الإقليمى والصراع الدائر منذ عقود بين الرياض وطهران، وهى ليست سوى حلقة من حلقاته، تزامنت مع فصل آخر بإطلاق الحوثيين فى اليمن صاروخا باليستيا إيرانى الصنع على العاصمة السعودية، التى صرحت بـ»أنها لن تصمت على هذا التهديد».

كل الأمور تدفع الآن إلى مواجهة كبرى بين الجانبين، إلا أن إيران تظل لها إشكالياتها وتحدياتها التى يجب أن تؤخذ فى الحسبان، فتاريخ التنافس بين الجانبين يعود إلى قيام الثورة الإسلامية فى إيران 1979 وتبنيها مشروعا إقليميا توسعيا من خلال أجندة خاصة لتصدير «الثورة» أى أن منهج تغيير الأنظمة والمجتمعات هو جزء لا يتجزأ من سياساتها الخارجية، بعكس السعودية التى تتبنى أجندة مناقضة تقوم على «الاستقرار» أو الحفاظ على الأوضاع القائمة، وبحكم التعريف فإن أى إستراتيجية للتغيير تكون أكثر هجومية وعدوانية وحماسا فى تطبيقها على خلاف مثيلتها الدفاعية التى قد تكتفى بالاحتواء أو صد الهجوم، والدخول فيما يشبه الحرب الباردة الطويلة مع الخصم يكون المكسب فيها بالنقاط،، وهو ما ينطبق تحديدا على هذا النمط من الصراع أو المنافسة. فى هذا السياق استطاعت إيران تحقيق مكاسب على الأرض فى العديد من الدول العربية لا يمكن تجاهلها بحيث أصبحت رقما صعبا فى أغلب الملفات.

بالإضافة إلى ذلك برعت فى استخدام الحروب بالوكالة، إذ إن الحرب النظامية المباشرة الوحيدة التى خاضتها كانت مع العراق فى الثمانينيات، وهى تفعل ذلك إما عبر وكلاء تقليديين أى أنظمة حكم كالنظامين السورى والعراقى مع الاختلاف النسبى فى درجة التحالف، أو من خلال جماعات محلية موالية لها تمتلك ميلشيات مسلحة مثل حزب الله فى لبنان، وحركة الحوثيين فى اليمن والتى تعد استنساخا منه، وقوات الحشد الشعبى فى العراق وغيرها، وهذا العامل لا يمكنها فقط من المراوغة إنما يطيل أمد الصراع بما يصعب معه تحقيق نصر حاسم عليها ويفرض على من يواجهها اللجوء إلى أساليب مشابهة، بإنشاء جماعات أو ميليشيا سنية محلية مضادة، لكن مع الأخذ فى الاعتبار أن المعسكر السنى منقسم، فالموقف السعودى والإماراتى على سبيل المثال يختلف عن مثيله التركى أو القطرى فى حين أن قيادة المعسكر الشيعى موحدة متمثلة فى إيران، بل أن لأنقرة والدوحة أجندتهما ومصالحهما الخاصة مع طهران، والشيء نفسه ينطبق على حركة حماس السنية، بعبارة أخري، ليس هناك تصنيف طائفى خالص بالمعنى الكلاسيكى ما يزيد الأمور تعقيدا.

أما العامل الدولى الذى استفادت منه، فكان فى عقد اتفاقها مع الولايات المتحدة وأوروبا بخصوص سلاحها النووى المعروف باتفاق (5+1) فى عهد إدارة باراك أوباما، الذى بموجبه غضت الأخيرة الطرف عن سياستها فى المنطقة، وكانت وراء عقد الصفقة بين الفرقاء اللبنانيين التى تشكلت على أساسها حكومة الحريري، بمشاركة قوية من حزب الله وفاز فيها ميشيل عون برئاسة الجمهورية، قبل أن تنهار تلك المعادلة أخيرا.

عندما جاء دونالد ترامب بسياسة مغايرة لسلفه، اختار المواجهة بديلا عن الاحتواء، واعتبر إيران مصدر الإرهاب فى العالم، وأدرج الحرس الثورى وقياداته على لائحة الإرهاب، وكذلك فعل مع حزب الله، وأعلن عزمه مراجعة الاتفاق النووي، وإن لم يحظ بموافقة من الكونجرس والشريك الأوروبي، لكن فى الوقت ذاته ـ وهذا هو الأهم ـ قال إنه لن يخوض حروبا عسكرية تُكبد بلاده خسائر فادحة مثلما حدث فى أفغانستان والعراق، بالتالى فإن نوع المواجهة التى يريدها تعتمد فى الأساس على السعودية، التى يراها أكثر استعدادا لها فى الوقت الراهن، وهو ما عرض استراتيجيته لكثير من الإنتقادات داخل الدوائر الأمريكية نفسها فوصفها دنيس روس، الدبلوماسى والسياسى المعروف، بأنها تفتقد إلى آلية للتطبيق، وقال عنها توماس فريدمان الكاتب الصحفى الشهير إنها تدفع إلى حروب إقليمية تخرج عن حدود السيطرة.

فى كل الأحوال، وفى ظل هذا التصعيد ستتحول الحرب الباردة السعودية - الإيرانية إلى حرب ساخنة تقود ـ إن آجلا أو عاجلا ـ إلى مواجهة شاملة تبدأ من لبنان ولن تكون إسرائيل بعيدة عنها لتحجيم حزب الله ومن ورائه إيران، أما مداها فسيبقى مفتوحا.


لمزيد من مقالات د . هالة مصطفى;

رابط دائم: