رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

متعة ليلة من ليالى الموسيقى العربية

محمد حبوشة
يأتى مهرجان الموسيقى العربية فى دورته السادسة والعشرين محملا بكثير من الشجن الغنائى الذى يهذب الروح ويصيب الوجدان بالنشوة على جناح أصوات تتسم بالتطريب العذب، القادم من نبع الآصالة فى ثوب يحفظ بعضا من ماء وجه الأغنية الحالية فى تغريبها وسطحيتها التى أضعفت اللحن الشرقى الأصيل، وغيبت الآلات العتيقة فى موسيقانا العربية.

...............................................................
فى واحدة من ليالى المهرجان، وتحديدا ليلة السبت 4 نوفمبر الماضى أصابتنى متعة خاصة مع المبدع التونسى الرائع لطفى بوشناق مابين الوطنى والعاطفى والقومى العربى فى أغنيات: «نغنى لنحيا وتحيا الحياة - حبيتك واتمنيتك - أنا إنسان - يا جناينى - عش كما شئت - ست الحسن- أنا مواطن - لامونى اللى غاروا منى»، حيث بدا كجواد عربى أصيل فى ذهابه وإيابه باللحن والكلمات التى تنعش الذاكرة وتشجى وتطرب مخاطبة الروح والوجدان.
وفى قلب تلك الليلة ظل جمهور الحضور يتقلب على جوانب المتعة بأصوات ثلاثة من الشباب هم «مروة حمدى، ومحمد حسن، وأمنية المغربية»، حيث غنت الأولى «تمر حنة» لفايزة أحمد، و«لعبة الأيام» لوردة، أما الثانى فقد غنى «علُى صوتك» لمحمد منير، و«واه ياعبد الودود» للشيخ إمام عيسى، بينما الثالثة اختارت الطريق الصعب بثلاث أغنيات لأم كلثوم هى «جمال الدنيا - إفرح ياقلبى - سيرة الحب» لتبدو لك طيفا جميلا مطعما بالشجن العذب، مع قدرة صوتية فائقة تستطيع كسر حدة الضجيج الغنائى الحالى، متجاوزة حدود المبنى والمعنى للأغنية الشرقية فى غيها نحو جوانب المتعة الصادقة.
كانت إطلالة «أمنية» مميزة على مستوى الأداء والطلة التى أكسبت الليلة متعة لاتضاهى، حيث كنا ننهل من رحيق موهبة ذات قدرة عالية على الوصول إلى غايات كبرى فى ساحة الغناء، ولقد أضفى أداء العازفين رونقا على الأمسية من ناحية الاحترافية والبلاغة الموسيقية التى كان قوامها عازفوا «القانون والناى والكمان»، بقيادة المايسترو صلاح غباشى حيث تناغمت الموسيقى برقة وافتتان مع إيقاع الألحان والكلمات.
لقد أكدت «أمنية» بأدائها الارتجالى البالغ فى عذوبته حد السيف القاطع على مقولة أفلاطون «الموسيقى ألغت احتمال أن تكون الحياة غلطة»، حين أشعلت بصوتها النار فى قلوب الرجال وجعلت عيون النساء تدمع، لتثبت للجمهور على اختلاف أشكاله وألوانه أن الموسيقى قد تكون يوماً اللغة العالمية للجنس البشرى، لأنها ببساطة تعبر عما لا يمكنك قوله ولا تستطيع السكوت عنه.
هى بأدائها الجميل إذن تثبت - بحسب أفلاطون أيضا – الغناء بمثابة حب الطبيعة، وهذا ما يصنع لغة مشتركة يمكن أن تتجاوز الحدود السياسية أو الاجتماعية، لأنه يعرض جهازنا الحسّى لوابل مستمر من الصور السريعة الحركة، والموسيقى، والمؤثرات الصوتية، وهذا بطبيعة الحال يؤدى فى نهاية المطاف إلى أن تصبح قدراتنا على إتخاذ قرارت عقلانية أزاء أى شىء أمر ليس صعباً، وفى هذا يقول الفيلسوف اليونانى الذى عاش عصر أثينا الكلاسيكي: «سيصرخون ضد الغناء وسيغنى الشعب.. سيصخرون ضد الموسيقى وسيطرب الشعب.. سيصرخون ضد التمثيل وسيحرص على مشاهدته الشعب.. سيصرخون ضد الفكر والمفكرين وسيقرأ لهم الشعب.. سيصرخون ضد العلم الحديث وسيتعلمه أبناء الشعب.. سيصرخون ويصرخون وسيملأون الدنيا صراخاً وسترتفع أصوات مكبرات أصواتهم وستنفجر قنابلهم وتتفرقع رصاصاتهم وسوف يكونون فى النهاية ضحايا كل ما يفعلون وسوف يدفعون الثمن غالياً حين يحتقرهم الجميع ويرفضهم الجميع ويطاردهم الجميع.
وكأن لسان حاله يقول بأن الغناء والفن هو علاج لكل معضلاتنا إذا توافرت أصوات مثل «أمنية»، فى وقت يندر فيه أن توجد فى عالم الطرب والمطربين «ممن يستحقون أن يلقبوا بالمطربين» وهناك أنواع كثيرة من طرق تصنيف الأصوات، فبالإضافة إلى طرق التصنيف العلمية المتعارف عليها كتعريف الأصوات طبقا لطبقاتها «كالسوبرانو و الألتو والتينور والباص»، أو تصنيفها حسب قياس مساحتها أو حسب استطاعتها أداء المقامات أو العرب الصوتية المعقدة أو الصبة، أو حسب نظافة هذه العرب، إلا أن «أمنية» يمكن تصنيفها من بين تلك الأصوات التى تتميز بمساحتها الواسعة وإمكانها غناء درجات صوتية كثيرة، خاصة أنها من الأصوات التى تتميز بنظافة العرب، وإمكانية غناء ما يعجز عنه الكثيرون من ناحية الأداء كصوت «أسمهان وسعاد محمد أو أم كلثوم» التى أطربتنا حتى الثمالة بثلاثة من أصعب أغنياتها فى تلك الليلة.
ولا ننسى أيضا الإشارة والإشادة بمعزوفة الموسيقار «مدثر أبو الوفا» مع آلة العود من مقام سماعى حجاز، حيث قدم فاصلا موسيقيا لا يمكن أن ينساه جمهور ليلة الرابع من نوفمبر.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق