رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«ابعت» فرحة يارب

قصيرة كانت وبدينة.. تلك المرأة التى كان تأتى فى الصباح لتنظيف المنزل وتغادره مع العصر.. استطاعت بفضل جملة كانت تقولها أن تثير دهشتي.. وأن تمنحنى وأنا صبية لا يتجاوز عمرى خمسة عشر عاما ـ رؤية مبكرة لمعانى الرضا والسعادة والبهجة.. كانت تغنى بصوت منخفض وهى تعمل.. ثم فجأة يرتفع صوتها وتقول جملتها العبقرية: «ابعت فرحة يارب». مازلت أذكر أننى فى المرة الأولى التى سمعت فيها هذا الدعاء.. قلت لنفسي: يالها من إمرأة غريبة.. كيف وهى فقيرة تعمل لتوفر لقمة عيش لأسرتها.. لا تقول «ابعت فلوس يارب».. أو «ابعت بيت يارب».. لتترك تلك الحجرة الضيقة التى كانت تعيش فيها مع زوجها وأولادها الصغار فى منزل حماتها المكون من حجرتين. لم أعرف فى ذلك الوقت.. إننى مع مرور الأيام والسنين.. سأنسى اسم هذه المرأة.. لكن جملتها العبقرية ستستقر كامنة فى ذاكرتى لتطفو على السطح.. خلال رحلة حياتي.. عدة مرات. المرة الأولي.. كانت منذ نحو عشرين عاما.. عندما وجدت نفسي.. فى صباح يوم كئيب.. أدعو الله أن يرسل لى فرحة.. دعاء وحيد لا ثانى له ظللت أردده عدة أشهر دون أن أعرف ما هى الفرحة التى أريدها بالضبط.. فى الروضة الشريفة وأنا أؤدى مناسك الحج عرفت أن الله قد استجاب لدعائي..فقد انتابنى شعور لم أعرفه من قبل.. شلال من الفرح غمر وجداني. المرة الثانية.. التى تذكرت فيها هذا الدعاء كانت يوم مباراة مصر والكونغو.. حيث اكتشفت أن ملايين المصريين قد استيقظوا فى صباح هذا اليوم.. وهم لا يريدون سوى شيء واحد فقط.. هو أن يفرحوا فى المساء.. نعم يفرحوا.. فقد يفرحوا.. يومها أدركت أن ذلك الدعاء البديع لم يبرح ذاكرتى حين وجدت نفسى أردده وأنا أتابع منذ بداية النهار أخبار المباراة.. ظللت أردده بصوت عال كما كانت تفعل تلك المرأة الحكيمة الطيبة ذات الوجه البشوش..المرة الثالثة.. التى تذكرت فيها تلك المرأة ودعائها الجميل كانت منذ أيام.. عندما وصل الى مسامعى ضحكات عامل كان يقف على سقالة.. ويبدو أنه كان يتبادل النكات مع زملائه عندما قال له أحدهم: «مالك فرحان كده ليه».. فرد بسرعة: «ومافرحش ليه».. ياإلهي.. لقد طبق هذا العامل البسيط ـ دون أن يدرى مقولات كبار الحكماء والفلاسفة مثل: «القدرة على الضحك تساعدك على مواجهة صعوبات الحياة».. «وبدون البهجة تصبح الحياة مكانا لا يطاق».. «ولا تتعامل مع الحياة بجدية زائدة فلن تخرج منها سالما».. «وإذا كان بإمكانك اختيار صفة واحدة تساعدك على تجاوز الأوقات الصعبة فاختر خفة الظل».. و«القلب القادر على المرح يعيش أطول».. و«إذا فقدت القدرة على الضحك ستفقد القدرة على التفكير».وأخيرا تذكر.. حين تتعقد الأمور وتتلبد السماء بالغيوم.. أن هناك امرأة كانت تقول بقلب ممتلئ بالإيمان والثقة «ابعت فرحة يارب».وأن الله قد غمرها بشلال من الفرح.

لمزيد من مقالات عايدة رزق

رابط دائم: