رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

دروس أزمتى كاتالونيا وكردستان

رغم تراجع مشروع انفصال كردستان وكاتالونيا وهزيمة تيار الانفصال نسبيا لكن تظل المشكلة مؤجلة وتحتاج إلى أهمية تعلم الدروس الحقيقية لتلك الأزمتين اللذين تجمعهما العديد من القواسم المشتركة.

أولا: أن كلتا الأزمتين كانت انعكاسا لخلل حقيقى فى العلاقة بين المركز والأطراف, ولم تسهم صيغة الشراكة الدستورية والقانونية فى تأسيس شراكة مجتمعية حقيقية تحقق الاندماج والتكامل بين المكونات المختلفة, رغم أن كلا الإقليمين, كردستان وكاتالونيا, يحظى بحكم ذاتى كامل من حيث وجود مؤسسات حاكمة للإقليم, بل جيش مصغر كما هو فى حالة البشمرجة واعتراف بالهوية الثقافية والقومية. ففى الحالة العراقية أسهم الأكراد فى كتابة دستور 2005 وفقا للشراكة مع بقية مكونات الشعب العراقى فى إطار وحدة العراق, لكن لم يصاحبها شراكة مجتمعية ترتكز على مبدأ المواطنة الذى يساوى بين الجميع فى الحقوق والواجبات, وحل بدلا منها سياسة المحاصصة الطائفية التى كرست النزعات الفرعية وتراجع النزعة الوطنية الشاملة والجامعة, وأدى سيطرة فئة معينة على مقاليد السلطة إلى تهميش بقية المكونات مما أوجد شروخا فى العلاقة وعدم القدرة على الاستمرارية فى التعايش المشترك. وفى الحالة الإسبانية رغم أن الدستور يكرس اللامركزية والحكم الذاتى لإقليم كتالونيا فى إطار الوحدة الاسبانية والاعترف بهوية الكتالونيين, إلا أن تراكم التفاوت الاقتصادى أسهم فى تزايد الفجوة بين مدريد وبرشلونة تحت وطأة شعور الإقليم بأن ما يجنيه من تلك الشراكة الاقتصادية لا يتناسب مع إسهامه الكبير فى الاقتصاد ككل, وفى كلا الأزمتين برزت النزعة العرقية والقومية كمسوغ للانفصال والاحتجاج على الخلل فى تلك الشراكة.

ثانيا: أن كلتا الأزمتين لعبت فيها الشعبوية والشخصوية دورا كبيرا فى إثارتهما وتوجيه مساراتهما أكثر من التعبير عن حالة إجماع لشعبى الإقليمين, فى الحالة الكردية لعب مسعود برزانى دورا كبيرا فى المضى نحو الانفصال لاعتبارات سياسية ترتبط بتجديد شرعيته المنتهية منذ سنوات ورأى فى الظروف التى يمر بها العراق مع تصاعد خطر تنظيم داعش, وما أتاحته من سيطرة البشمرجة على المناطق المتنازع عليها خاصة كركوك الغنية بالنفط, فرصة سانحة لتحقيق تلك الأهداف تحت مظلة حلم الدولة الكردية التى لا يمكن لأحد أن يختلف معه فيها, لكن تلك المجازفة قادته لنتيجة عكسية مع رد الفعل الحازم والرافض للانفصال من جانب الدولة العراقية ومن جانب القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران لاعتبارات مصلحية وسياسية خاصة بوجود أقلية كردية فيها والخشية من انتقال عدوى الانفصال إليها, ومعارضة دولية تخشى من انتقال فيروس الانفصال إليها خاصة أن غالبية الدول الكبرى تشهد نفس التعددية العرقية واللغوية والدينية, إضافة لتزايد الانقسام داخل الشعب الكردى حول جدوى وتداعيات وتوقيت تلك الخطوة. وذات الأمر فى كاتالونيا حيث قاد رئيس الإقليم كارلس بويجديمونت تيار الانفصال دون وجود إجماع بين الكاتالونيين, إضافة إلى المعارضة الدولية والأوروبية لفكرة الانفصال, فأوروبا لن تسمح باندلاع ربيع أوروبى بصبغة الانفصال. وفى كلتا الحالتين انهزم تيار خيار الانفصال لأنه لن يكون البديل الأفضل لخيار الاستمرار فى إطار الدولة المركزية سواء العراق أو إسبانيا, فانفصال إقليم كردستان فى ظل مقاطعة إيرانية وتركية وعدم اعتراف دولى سيكون بمنزلة ولادة دولة حبيسة غير قادرة على الاستمرار, كما أن استقلال كتالونيا دون اعتراف دولى, سيفضى فى النهاية إلى تدهور اقتصادى مع هروب الشركات والاستثمارات وغلق السوق الأوروبية أمام الدولة الجديدة, ولذلك فإن خيار الانفصال أشبه بالذهاب إلى المجهول, وهذه أزمة الحالة الشعبوية والشخصية أنها تسعى لمقاومة الخلل الموجود دون أن تقدم بديلا أفضل له.

ثالثا: أن نمط تعامل الدولة المركزية مع مساعى الانفصال فى كردستان وكاتالونيا ارتكز على المواجهة الدستورية والقانونية والتلويح بالمواجهة العسكرية واعتبار أن خطوة الانفصال غير دستورية وغير قانونية مما دعم موقفها فى مواجهة تيارات الانفصال, وضمن لها حشد الدعم الدولى, ورغم تراجع مشروعى انفصال كردستان وكاتالونيا إلا أن المشكلة لم تنته وإنما بمنزلة ترحيل لها قد تنفجر فى أى لحظة فى المستقبل. ولذلك فإن التعامل مع الأزمتين يحتاج إلى معالجة جذورهما وأسبابهما وإزالتها, من خلال الاستفادة من دروسها ومراجعة حقيقية لأوجه الخلل الاقتصادى والسياسى والاجتماعى وتصحيحه لجعل خيار التعايش فى إطار الوحدة هو الأفضل لشعبى الإقليمين, ففى حالة كردستان هناك حاجة حقيقية لإعادة بناء شراكة حقيقية بين كل مكونات الشعب العراقى, عرب وأكراد وسنة وشيعة, فى إطار بناء العراق الموحد الديمقراطى وتنحية الطائفية وإعادة اللحمة للنسيج المجتمعى العراقى لكل مكوناته. وفى حالة كتالونيا ضرورة إعادة تصحيح العلاقة فى جانبها الاقتصادى وضمان عدالة توزيع الموارد الاقتصادية وتكريس الدولة الوطنية التى تسمح بالتعددية الثقافية واللغوية والعرقية فى إطار الوحدة والتكامل.

الدرس الأساسى المستفاد من أزمتى مساعى كاتالونيا وكردستان للانفصال هو أن قوة الدولة الوطنية واستمرارها وازدهارها تمكن فى قدرتها على تحقيق الشراكة المجتمعية الحقيقية ومفهوم المصير المشترك الذى يجعل التنوع والتعددية عامل ثراء وليس عامل تناحر وتفتيت.

لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد

رابط دائم: