رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة يكتبه : احمد البرى
شىء فى القلب!

احمد البرى
أكتب إليك بعد أن احتار عقلى وقلبى فى إيجاد حل لمشكلتى التى أعيتنى وقضت مضاجعى، أملا فى أن تشير علىّ بما يساعدنى على الخلاص مما أنا فيه، إذ أمر بأصعب فترات حياتى على الإطلاق، حيث إننى سيدة فى السادسة والثلاثين من عمرى،

عشت طفولة دافئة فى أسرة متحابة جمعتها الألفة والمودة، وأنا الابنة الوسطى لأبوىّ بين ثلاثة ذكور، وتربيت وكذلك أشقائى تربية سوية، فخلت حياتنا من المنغصات التى تعانيها أسر كثيرة نتيجة الشقاق والخلاف بين أفرادها، ومنذ أن وعيت على الدنيا وجدت أبى رجلا طيبا وكريما إلى أبعد الحدود، وأيضا أمى التى تعلمت منها كيف تؤسس الزوجة أسرة مستقرة وناجحة، فلقد كانت ربة بيت من طراز نادر، وأفنت حياتها من أجلنا نحن الأربعة، وتمتعت بسيرة طيبة، وربطتها علاقة رائعة بالأهل والجيران، وأحسنت تربيتنا ولا أستطيع أن أصف مدى حبنا لها، واستجابتنا لما تطلبه منا إذ كنا نفهمها من مجرد النظر، فنعرف ما تريد، ونمتثل له دون كلام.. أما أبى فقد كان يملك محلا تجاريا يدر دخلا كبيرا، وأذكر عندما بلغت المرحلة الثانوية أن تجارته تعرضت لخسارة فادحة أجبرته على بيع المحل، وتبدلت حياتنا شيئا فشيئا، وصارت أكثر قسوة، ولم نجد وقتها بدا من ترشيد احتياجاتنا، وتخفيف مطالبنا، وقد ساندته أمى فى تدبير الأمور بالقليل المتاح، ووفرت مبلغا لا بأس به، وأخذه أبى، ووضعه على ثمن بيع المحل فى البنك كوديعة نصرف عائدها فقط، واستمررنا على هذه الحال إلى أن وجد أبى وظيفة إدارية، وصار له دخل ثابت إلى جانب عائد البنك، ومضت بنا سفينة الحياة فى هدوء وأمان.

وكنا نسكن فى منزل كبير يضم أسرتنا، وتشاور أبى مع أمى بشأن مستقبلنا، وانتهيا إلى قرار ببيع هذا المنزل، وبثمنه دفع مقدمات لنا فى مشروع سكنى، وانتقلنا إلى منطقة المشروع، واستأجرنا شقة إلى جواره بالإيجار الجديد لكى نتابع بناء شققنا الجديدة، وقبل أن نتسلم أول شقة وكانت باسم شقيقنا الأصغر، كنت قد تزوجت، وانتقلت إلى عش الزوجية فى شقة بالقانون الجديد، وذات يوم جاءنا أبى، وجلس مع زوجى، ودارت بينهما مناقشات مستفيضة حول الشقة المخصصة لى، واتفقا معا على أن ندبر أنا وزوجى أقساطها، ثم نتولى تأثيثها، والإقامة بها بدلا من شقتنا المؤجرة، وتزامن ذلك مع انتقال أبى وأمى وأخوتى للإقامة فى شقة شقيقنا الأصغر لأنه لم يكن قد تزوج بعد، ولم يمهل القدر أبى، إذ فاضت روحه فجأة بلا تعب ولا شكوى من أى مرض، وكانت صدمتنا كبيرة، وعشنا مشهدا حزينا رقت له قلوب الجيران والأهل، فلقد انهرنا تماما، وبكينا بحرقة وألم، وأصابنى الذهول من هول الموقف الذى لم يخطر ببالى أبدا، وراقبت خروج جثمان أبى إلى مثواه الأخير، وعشت ليالى قاسية لم أذق فيها طعم النوم، ولم أترك أمى لحظة واحدة إلى أن تماسكت وتأقلمت مع الظروف الجديدة، وساعدنى زوجى على تخطى تلك الفترة العصيبة، واحتوت أمى أخوتى فى شقة شقيقنا الأصغر، أما أكبرنا فقد باع شقته عقب وفاة أبى، واحتفظ بثمنها لنفسه، وتزوج فتاة من إحدى المدن القريبة من مدينتنا، وأقام فى شقة زوجته، وتبعه شقيقى الثانى الذى تزوج فى الشقة التى خصصها له أبى، ثم جاء الدور على أصغر أشقائى، فعقد قرانه على فتاة رآها مناسبة له وسط ترحيب من الجميع، وبعده فاجأتنا أمى برفضها العيش معه فى شقته التى عاشت فيها سنوات طويلة متذرعة بأنها تخشى المشكلات التى قد تندلع بينها وبين زوجته، وفكرت فى الانتقال إلى شقة بالإيجار الجديد، فوقفت لها بالمرصاد ومنعتها من مجرد التفكير فى ترك المنزل الذى بنته بعرقها وشقائها على مر السنين، وأخذتها إلى شقتى التى كنت قد تسلمتها بالفعل، وقلت لها: «هذه الشقة أنت أولى بها منى، ولك وحدك الحق فى أن تعيشى فيها، فهذا أقل ما يمكن أن أقدمه لك بعد أن تنازلت عن كل حقوقك ومنزلك الكبير، وأردت أن تسترى أولادك على حساب نفسك»، وبعد جهد مضن وافقت على الإقامة فى شقتى، فأثثتها تأثيثا كاملا، وعاشت أمى بها وأنا راضية كل الرضا، وكم كنت سعيدة وأنا أراها تتنقل فيها بكل ارتياح، بينما واصلت حياتى مع زوجى فى شقتنا بالإيجار الجديد.

ومرت خمس سنوات لم تقع أى مشكلات أو منغصات، ثم رحلت أمى الحبيبة، وتزلزل كيانى، وساءت نفسيتى كثيرا، وكان عزائى الوحيد ما قدمته لنا عن طيب نفس، وما ساعدت به الآخرين، فاستودعتها الله الذى لا تضيع ودائعه، وبعد عدة أشهر أعددت نفسى للانتقال إلى شقتى التى كانت تعيش بها أمى، وعندما علم أشقائى بما سأقدم عليه أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، إذ يرون أنه لا حق لى ولا لزوجى بالمعيشة فى هذه الشقة، وأنهم لا يتقبلون فكرة أن يسكن فيها زوجى بعد أمى، وقالوا عنه كلاما غريبا لم أسمعه من قبل، لا منهم ولا من غيرهم من نوعية أنه «طمعان فى الشقة»،.. إلخ!، وكرسوا جهودهم لإقناعى ببيعها أو تأجيرها، المهم ألا تطأ أقدامنا أرضها بأى حال من الأحوال!، ووجدتنى إزاء تعنتهم ضدى أعيش ليالى سوداء، وأشعر بكابوس جاثم فوق صدرى لا أدرى كيف أتخلص منه، ولا كيف أتصرف ولا ماذا أفعل؟.. إننى لا أريد أن أبيع شقتى ، وأرغب فى الحياة بين جدرانها، فأستعيد فيها ذكرياتى مع أبى وأمى، وقد اشتريت كل ما فيها من أثاث بعرقى وعرق زوجى، لكنى فى الوقت نفسه لا أريد أن يغضب أخوتى منى.. لقد أصابتنى الحيرة وقتلنى التفكير، وأشعر أننى على وشك الانهيار، لكن ما أعانيه لا يهم أحدا منهم.. المهم أن ينفذوا ما يتراءى لهم حتى وإن تعرضت للهلاك النفسى، وإنى أسألك: هل أكون مخطئة إذا انتقلت إلى شقتى؟، وهل من حق أخوتى التدخل فى حياتى فى الوقت الذى يتصرفون فيه فى أملاكهم كما يريدون، ودون الاستعانة بأحد؟، فهم يحرّمون علىّ ما يحللونه لأنفسهم، ولن يهنأ لى بال إلا فى شقتى، فبماذا تنصحنى لحل أزمتى بلا خسائر؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

كم تصبح الحياة قاسية حين ينضب معين الأخوّة، وتجف ينابيع المودة، فشتان بين أخوة تسود بينهم الألفة، وأخوة تتنازعهم الفردية، وتسيطر عليهم الأنانية.. إن الأخوة بقربهم من أخيهم، وهو بقربه منهم، دون انقباض ولا تكلف، يعيشون حياة سوية، ولكن إذا حلت الأنانية، وحب الذات بينهم يحيون حياة نكدة، ويشعرون بعزلة قاسية، وقد يعاندون أنفسهم ولا يحيدون عن هذا الطريق، وتكون النتيجة الحتمية لهذا الصنيع هى التدابر والهجران، وإذا كان الله قد نهى عن الهجر بين المسلمين، فإن نهيه عنه بين الأخوة فى النسب أشد وأقوى، فالأخوة بينهم رحم أمر الله بصلتها، ونهى عن قطعها، فعن جبير بن مطعم أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة قاطع رحم» «متفق عليه»، كذلك فإن صلة الرحم من أسباب البركة فى الرزق والعمر، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «مَنْ أَحبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فى رِزقِهِ ويُنْسأَ لَهُ فى أَثرِهِ فَلْيصِلْ رحِمهُ»، «متفق عليه»، فأين أخوتك من ذلك؟..ألا يدركون أنهم يسيرون فى درب سوف يؤدى بهم فى النهاية إلى قطع صلتك بهم؟.. إن الشقة ملكك، وقد ساهم فيها زوجك بالكثير من ماله، بمعنى أنه شريك أصيل فيها، ومن حقه شرعا وقانونا أن يتصرف بشأنها كيفما شاء، فلماذا التعنت ضده؟، ثم ألا يخجل أخوك الأكبر وهو الذى باع شقته للغريب، وفضّل أن يعيش فى بلدة زوجته من أنه يحاول منعك من المعيشة فى شقتك؟.. لقد كرّمت أمك ـ رحمها الله ـ أفضل تكريم، وقدمت لها ما أمرنا الله سبحانه وتعالى به تجاه أمهاتنا، ولم تتخلى عنها حتى آخر لحظة، فى الوقت الذى لم يصنع فيه أشقاؤك شيئا لها، وظللت تقيمين فى شقة بالإيجار الجديد، وقد حان الوقت لأن تستردى شقتك، فلا تترددى فى العودة إليها والمعيشة بها، ولو رغم أنف أخوتك الذين يتعين عليهم الإذعان لرغبتك، ومد جسور الصلة معك، وبناء علاقة طيبة مع زوجك الرجل الشهم الذى لم يصنع صنيع الكثيرين الذين يأخذون ولا يعطون بل ومنهم من يذيق زوجته كأس المرارة لأنها عاجزة عن اخذ حقها فى ميراثها من أبويها.. نعم هناك أزواج يرتكبون هذا الخطأ الجسيم، وهو ما لم يفعله زوجك، إذ لم تذكرى عنه كلمة واحدة وجهها إليك ولو من باب العتاب أو أحسست برد فعل لا يرضيك فى موضوع الشقة التى ساهم معك فى بنائها وتأثيثها، وصارت ملككما بحكم الشرع والقانون، ثم أين كان أخوتك عندما اهتموا جميعا بأمورهم، وتركوا والدتهم فى رعايتك ومسئوليتك مع أن مهمتهم تجاهها أكبر بكثير من مهمتك بحكم أن القوامة للرجال بما ينفقونه وما يتولونه من مسئوليات تجاه أسرهم، فليحذروا الجور على حقك، ففى الصحيحين عن أم سلمة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِى الْخَصْم، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِى لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا، أَوْ لِيَتْرُكْهَا»، وقال أيضا «من أخذ شبرا من الأرض ظلما، فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين».. إن موقف أخوتك منك هو بخس لحقك، وإذا استمروا عليه فسوف يلقون حسابا عاجلا فى الدنيا قبل الحساب الآجل فى الأخرة، والحقيقة أننى لم أجد سببا واحدا لموقفهم المتعنت من زوجك وسواد قلوبهم من ناحيته، وحتى إن كانت هناك مواقف معينة حدث فيها سوء تفاهم بينه وبينهم، فإن القلوب النقية تنسى كل شىء، لأن النقاء طبعها، ولا تبقى بداخلها ما يعكر بياضها، إذ تُسامح وتَعفو، ولا تحمل الضغائن، فلماذا لا يكونون كذلك؟، وأراك أنت وزوجك من ذوى هذه القلوب الصافية..صحيح أنها قلوب طيبة، ولكنها بقدر طيبتها تعد أكثر القلوب حذرا، إذ تكره أن تجرح غيرها لكى لا تجرح نفسها، فليعلم أخوتك ذلك، فكما لا تريدان أنت وزوجك جرحهم، عليهم أيضا أن يتخذوا موقفا عادلا منكما خصوصا فيما يتعلق بهذه الشقة، ولا أدرى كيف يطلبون منك بيعها أو تأجيرها لساكن غريب عنكم، وأنت واحدة من لحمهم ودمهم؟، وإذا كان شقيقك الأكبر قد باع شقته للغريب، فماذا يضيره أن تعيشى فى شقتك أنت وزوجك الذى شاركك فى شرائها وتزويدها بالأثاث؟.. وأقول لأخوتك: «لقد تربيتم تربية حسنة لا تعرف الظن السيىء ولا الخيانة، ومضت حياتكم كلها طوال وجود أبويكم فى نقاء، وعليكم أن تختموها بوفاء لأختكم التى يعز عليها أن تغضبوا منها حتى ولو فى حصولها على حق لها».. يا الله كم أنت رائعة أيتها السيدة الفاضلة، ألهذا الحد تخشين أن يغضب أخوتك منك؟، ولكن لماذا لا يفكرون بهذه الطريقة المسالمة الراقية، فيعرفون أنهم بموقفهم المعاند لك قد يفقدون مودتك لهم وعلاقتك بهم؟.. إن موقفهم منك يدخل فى باب العقد النفسية، فالمال قد يفسد النفس، وقد حذر الله فى نصوص قرآنية كثيرة منه كما فى قوله تعالى: «وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (الحشر9)، فالشقة التى يرفضون معيشتك بها حق لك ينبغى ألا يتحدثوا أو يتجادلوا معك بشأنه، وموقفهم ضدك يدخل فى باب الظلم، ونسوا أو تناسوا المصير الذى يتهدد الظالم، وأسوق إليهم قول الشاعر:

وحقّ الله إن الظلم لؤمٌ

وإن الظلم مرتعه وخيمُ

إلى ديّان يوم الدِّين نمضى

وعند الله تجتمع الخصوم

فكفى أخوتك ظلما لك، وعفا الله عما سلف، وعليهم أن يعيدوا بناء الأخوّة التى تربطكم بكل ما تعنيه الكلمة من معان صادقة، فالنفس البشرية بطبعها تميل إلى الكلمات اللينة، وليسارعوا إلى مصالحتك، وترك أمر الشقة لك دون إملاءات عليك، وأفضل لهم أن تكونى بينهم وقريبة منهم عن الغريب، فإن استجابوا كان لك ما أردت، وإن واصلوا تعنتهم ضدك، فلا تترددى فى الانتقال إلى شقتك دون أن تلقى بالا لهم، وحتما سوف يدركون خطأهم ولو بعد حين، سدد الله خطاك على الطريق الصحيح وهو وحده المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق