رئيس مجلس الادارة
عبدالمحسن سلامة
رئيس التحرير
علاء ثابت
لايمكن المرور علي ماجاء من أرقام في بيان التعداد العام لسكان مصر التي أعلنها تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء مرور الكرام، فالأمر يستحق التوقف بالبحث والدرس والتحليل والتفسير، فما تضمنه البيان من معلومات هى حجر الأساس الذي يتم الارتكاز عليه عند التخطيط لمستقبل الوطن، وعليه فإن المهمة لم تنته بإعلان البيانات وإنما تبدأ بعدها مهمة قراءة الدلالات، لوضع الدراسات الخاصة بتلافي السلبيات وتعظيم الإيجابيات، وإن كانت غالبية الأرقام تؤكد أن خللا كبيرا يفرض نفسه علي المجتمع في التعامل مع الإنجاب، ويعمق مشكلات الدولة ويحد من قدرتها علي إيجاد الحلول اللازمة لأزماتها، ويعرقل مسيرة تطورها وفي المقدمة منها خطة التنمية لمصر 2030، وبالتالي فإن معلومات التعداد وسيلة إيجابية لوضع خطط العمل علي أسس علمية مستندة علي أرقام فعلية تم رصدها من الواقع لتتم ترجمة الخطط إلي واقع ملموس يحقق الأهداف المنشودة للوطن والمواطن. وأول ما يتم التوقف عنده الإعلان بأن عدد سكان مصر فاق الأربعة ملايين بعد المائة مليون، لنتساءل: إلي أين نحن ذاهبون؟ وأي إصلاح اقتصادي يرتجي منه تغيير الحال؟ فالكلام عن الإصلاح يبدو عبثا في ظل استمرار الزيادة السكانية بهذه الأرقام المتسارعة، إذ كيف يرتفع النمو السكاني في الثلاثين عاما الأخيرة بنسبة تقترب من المائة بالمائة - (96.5 %) - وهو أمر مفزع خصوصا في ظل محدودية الدخل للفرد والحكومة علي السواء، وبالتالي فإن أي شكاوي من المواطنين ضد الغلاء ستواجه برد سهل من الحكومة، فهي مطالبة بتوفير كل مايحتاجه عدد متصاعد من السكان لا يمكن البناء عليه في ميزانية، ومن هنا تبدو الدهشة من أن المصريين لم يتجاوبوا مع حملة إعلانية ضخمة تبنتها وزارة الصحة والسكان في الثلاثين عاما الماضية عن قصة حسنين ومحمدين زينة الشباب الذي تسبب كثرة الإنجاب في افتقار أحدهما ومرض زوجته التي لم تتمكن من الصمود أمام طلبات الأولاد، بينما نجح الآخر في بناء أسرة سعيدة من خلال الاكتفاء بولد وبنت. وبالتالي فإن الحديث عن شكوي المواطن من غلاء الأسعار وضيق الحال وتكدس المدارس والشوارع وغيرها من العقبات التي تحول دون تحقيق الرفاهية، أمر مردود عليه وهو أول المسؤلين عنه، إذ كيف لرب أسرة أن يخطط لإطعامهم وكسوتهم وتعليمهم وعلاجهم وهم يتزايدون يوما بعد آخر، بل ثانية بعد أخري. وبالطبع لا أحد يعرف إلي أين ستقودنا تلك الزيادة، مع الوضع في الاعتبار أن ما أعلن من تعداد عام للسكان في الداخل والخارج لم يشمل ملايين لم يصلهم التعداد وليس لديهم بطاقات شخصية، كما أنه لايشمل المقيمين علي أرض مصر من الأشقاء الذين اختاروها موطنا لهم في ظل الصراعات التي تضرب بلادهم. ولم يكن الأمر الخطير في التعداد مقصورا علي تنامي العدد، وإنما في أرقامه وما وراءها من دلالات خطيرة، تستوجب تدخلا فاعلا وعاجلا لأساتذة علم الاجتماع، وفي مقدمة هذه الدلالات ظاهرة زواج القاصرات، التي ظننا أنها تلاشت، وأن الوعي عرف طريقه إلي البسطاء بحكم اتساع قاعدة التعليم وظهور الفضائيات التي يفترض أنها تبصرالبسطاء والأميين، لكن التعداد كشف لنا أن شيئا لم يتغير في هذه الظاهرة السلبية، ورغم أن السينما ناقشت الظاهرة في العديد من الأفلام لتفلت الأنظار وتنبه الناس، إلا أن الأرقام الأخيرة أكدت أن زواج الفتيات في سن صغيرة لا يزال مستمرا وبصورة مفزعة، بلغت 18 مليونا تحت سن الثمانية عشرة، وكأن كل ماقيل في هذا الأمر وما حدث من كوارث نتيجة تزويج القاصرات أو بالأحري بيعهن لمن هم في عمر أجدادهن، لم يحقق الهدف المنشود، بل تسببت في مشكلات اجتماعية بلغت حد إقامة 15 مليون دعوي قضائية طلبا للطلاق أو الخلع أو رؤية الأولاد أو نفقة. ومن الدلالات الخطيرة التي رصدها التعداد، أن مصر التي تعاني أزمة إسكان دفعت الدولة إلي تبني مشروعات إسكان في طول البلاد وعرضها وطرحها للراغبين بأسعار في المتناول، بها عشرة ملايين شقة مغلقة، ومع ذلك ارتفعت أسعار العقارات بصورة مفزعة في السنوات الأخيرة، في تناقض غريب يصعب تفسيره، إن التعداد مهم جدا في مسيرة الأمم والشعوب ومن حسن الحظ فإن بلدنا رائد في هذا المجال، إذ عرفت مصر التعداد منذ العام 1882، وبدأ فعليا وبانتظام منذ العام 1897 ومنذ ذلك الحين والتعداد يجري بواقع مرة كل عقد من الزمان، ولكن يبقي الأهم من التعداد هو ترجمة بياناته إلي واقع يخدم إستراتيجية التخطيط للدولة. لمزيد من مقالات أشرف محمود