رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر و«لعبة الدهاء» المستعرة بالمنطقة

يقول العالم الأشهر إلبرت أينشتاين «عليك أن تتعلم قواعد اللعبة أولا، ثم عليك أن تتعلم كيف تلعب أفضل من الآخرين»، وأحسب أن هناك «نافذة ضئيلة» من وسط الركام والفوضى فى المنطقة. وهذه تعطى القاهرة «فرصة التفوق» فى لعبة الدهاء المستعرة بالمنطقة، ونحن هنا نتحدث عن أن «القوة المصرية» لم تذهب لتتورط فى مستنقعات الحروب الأهلية، أو «الحروب بالوكالة». بل وتمكنت مصر أن تبقى أطرافا عدة على مسافة ليست بعيدة منها، ولم تذهب فى الخصومة أو «الحروب الكلامية» إلى مدى صعب. والآن فإن المصالحة الفلسطينية برعاية القاهرة تقدم «برهانا آخر» على أن مصر يمكنها «الرهان على الزمن»، وأن تتوقف وتتريث وأن تبقى «أبوابا كثيرة مواربة»، وأن تمد خيوطها باتجاه الجميع، وأن تجرى «حسابات دقيقة» حتى لا تستمر فى «الرهان على الأحصنة الخاسرة». فترى ما هى تحركات اللاعبين فى المنطقة، وما هى مناورات القوى الكبرى، وكيف لنا أن نزيد من أرباحنا ونتجنب «الخسارة» مثل الآخرين؟!.

ـ وأحسب أن استعادة القاهرة «الورقة الفلسطينية» ـ بفتح وحماس ودحلان والجهاد إلخ ـ من أيدى «قطر» وتركيا وإيران مسألة مهمة، كما أن نجاح القاهرة فى إنهاء الانقسام الفلسطينى ـ حتى ولو إلى حين ـ يعطى مصر فرصة لتأمين أمنها القومى، وينتزع حماس من أيدى «مشروعات إثارة الفوضى»، والحفاظ على «غليان المنطقة»، والأخطر «غليان الحدود مع مصر». وهنا فإنه حتى لو كان الفرقاء فى فلسطين اختاروا «استراحة قصيرة»، أو تجاوبوا «لمصالح تكتيكية» قصيرة الأجل مع مصر، فإن القاهرة الآن وغدا سيكون بمقدرها «إثبات التقصير» على قادة العمل الفلسطينى أنفسهم، وستنزع منهم ومن الدوحة وأنقرة وطهران «شماعة إلقاء الأخطاء» كلها على القاهرة. وفى الوقت ذاته سوف تنتزع وتضع إسرائيل والولايات المتحدة أمام اختبار حقيقى بشأن «الرغبة الحقيقية» فى تحقيق «التسوية التاريخية» القائمة على حل الدولتين ومبدأ «الأرض مقابل السلام»، كما أن القاهرة أنهت «اللغط» و«بالونات الاختبار» بتأكيدها بحسم على لسان وزير الخارجية سامح شكرى بأن «الأرض المصرية» لم ولن تكون جزءا من أى تسوية، أو ما يعرف بـ«صفقة القرن». هنا القاهرة حصلت على «إبراء ذمة» مما قد يحدث إذا ما تدهورت الأمور، أو تفجرت حرب جديدة. فمصر مهدت الأرض لانطلاقة باتجاه «حل حقيقى»، فإذا ما تجاوب معها الآخرون فسيكون «أمرا جيدا» أما لو تعنتوا فعلى كل طرف أن يتحمل «العواقب»؟!.

ـ وفى ذات المشهد ترسم لنا هدى الحسينى فى مقالة بالشرق الأوسط نتائج التحركات الخطأ من قبل بعض اللاعبين فى الإقليم، فقد كتبت تحت عنوان «الأخطار المهددة للأكراد حتمت الاستفتاء من أجل الاستقلال! تقول «إن من يعتقد أن الولايات المتحدة تفقد تأثيرها فى المنطقة مخطئ، والحروب بالوكالة عبر الميليشيات، التى طال أمدها للهيمنة على الشرق الأوسط، ستعود أخيرا إلى «البيوت» التى خرجت منها، ستعود إلى إيران وتركيا. وهنا درس مهم لمن تخيلوا أن «السحر لا يمكن أن ينقلب على الساحر»، وأن الآخرين يمكنهم بل لابد أن يقوموا «بنقلة على رقعة الشطرنج». فها هى مصر قد حركت قطعها واستعادة «الورقة الفلسطينية»، وها هو حسن نصر الله أمين عام «حزب الله» يحذر من «سلام فلسطينى ـ إسرائيلى» يدرس، وحذر الفلسطينيين من القبول له، لأن أى مصالحة فلسطينية، وأى سلام مع إسرائيل إنما هو للاستفراد بإيران وبمحور المقاومة. وأحسب أن «الفرصة مهيأة» لانتزاع «الدولة الفلسطينية»، وإنهاء معاناة «الشعب الفلسطينى ـ أو حتى تخفيفها ـ كما أن الدرس يعلمنا هذه المرة «إنهاء الصفقة» بسرعة، وعدم قبول «كلام معسول» أو «هدايا مجانية». فإذا حدث ذلك فإن القاهرة وفلسطين سيكون قد نجحا فى الانتصار فى «معركة السلام».

ـ ومن ناحية أخرى فإن «قضية كردستان» ومسألة الاستفتاء على الاستقلال قد فجرت «صندوق باندورا» الملىء بكل الشرور، وليس أقلها «موجة حروب جديدة». لقد وضع مسعود بارزانى كلا من تركيا وإيران والعراق وسوريا فى «زاوية صعبة»، فإذا قامت هذه الدول أو على الأقل ـ تركيا وإيران والعراق ـ بعمل عسكرى ضد الأكراد فإنها تخاطر بإشعال نيران هائلة بالمنطقة. والأخطر أن تشعل حربا كبرى ـ ربما تتورط فيها أيضا روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى ـ بالإضافة إلى الدول الثلاث وبقية دول الخليج، ولحظتها لن تكون هناك حاجة لحروب بالوكالة فالكل «حاضر» بنفسه!. ولكن إذا لم يحدث ذلك فإن هذه الدول تعطى الأكراد فى العراق الفرصة لإعلان «الدولة المستقلة» بل وترجمة ذلك على الأرض، وهنا فإن «نظرية الدومينو» سوف تفعل فعلها، وسيلحق أكراد تركيا وإيران وسوريا بالمسار ذاته، والنتيجة فى النهاية «دموية للغاية». وأحسب أن التداعيات ستكون أخطر: فإذا حدث ذلك فإن العلويين فى تركيا والبلوش والعرب فى إيران وغيرهم سوف يقفون فى «طابور الانفصال»، وإذا ما تمكنت هذه الدول من «إخماد الأمر» بوسائل خشنة فإنها ستفتح الباب لمزيد من عمليات الإرهاب، والتوترات الاجتماعية، والتدخلات الأجنبية فى الشئون الداخلية. ومن هنا نرى أن «لعبة الأمم» الدائرة بقسوة الآن قد تمكنت بعض الأطراف من أن تصطاد «الصيادين»، وأن تجرى عملية حصار بحيث تكون «البدائل خاسرة»، ولابد من خسارة الكثير من أوراق اللعب، وأدوات اللعب على خريطة الشطرنج!.

ـ إذن هل المعركة انتهت أو حتى «فصل دموى» فيها يوشك على النهاية، وهنا للأسف الإجابة الصادمة هى لا. وقد كانت تقديرات الوزير سامح شكرى فى حواره المهم مع كبار كتاب وصحفييى الأهرام أن من الاعتقاد أن«التسوية» اقتربت فى سوريا «ليس دقيقا»، وكان جوابه على السؤال بشأن آفاق الأمور فى المنطقة وما إذا كانت تتجه إلى «تسوية شاملة» لجميع القضايا، أو باتجاه تصعيد جديد. كانت الإجابة الواضحة المعالم «الأمور مفتوحة»، والمنطقة فى حالة سيولة، كما لا يمكن التنبؤ بمستقبل كردستان.

ـ ويبقى أن مصر حاربت من أجل السلام، ودخلت مصر حرب أكتوبر وجميع حروبها دفاعا عن أرضها، ومن أجل التنمية والسلام. وربما لا أحد يدرك ـ مثلما تدرك مصر ـ كيف أن «الحرب ليست نزهة»، وأن «الثمن باهظ للغاية» من أجل تعويض ما فات. وأحسب أن دونالد ترامب ـ الرئيس الأمريكى ذاته قال فى لحظة صدق نادرة: إن أمريكا أنفقت 3.4 تريليون دولار على حروب المنطقة، ولم تنشر سوى الخراب والدمار والفوضى. وهنا فإن القاهرة عليها أن تواصل إقناع القوى المتناحرة بأنه «لا حلول عسكرية»، وإنما «حلول القوة» مجرد سراب. ولعل أول من يجب تنبيهه هو إسرائيل قبل الآخرين، كما أن القاهرة عليها أن «تنتزع المكاسب» بسرعة.. فنحن أمام لعبة ليست فيها «ضربة قاضية» وإنما «نقاط» تنتزع فى أقسى حروب الدهاء الآن؟!

لمزيد من مقالات محمد صابرين

رابط دائم: