حتى إذا فشلت فى الوقت الراهن محاولة استقلال كتالونيا بالكامل عن إسبانيا، وهو الاحتمال المُرَجَّح، فإن الأمور لا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه قبل انتفاضة الاستقلال، لا على مستوى كتالونيا ولا عموم إسبانيا ولا أوروبا ولا العالم! أما داخل كتالونيا، فقد تأكد دعاة الاستقلال يوم الاستفتاء وبعد نتائجه أن لدعوتهم جذوراً عميقة فى وعى ووجدان جماهيرهم، وهو ما بدا فى الحماسة بالتظاهر والهتاف، وفى الانفعال العاطفى بالدموع، وفى الصمود أمام التعامل الوحشى من الشرطة المكلفة من مدريد بمنع الاستفتاء والتظاهرات، وفى جذب المترددين إلى صفوف الأغلبية تضامناً ضد حماقة التدخل من الحكومة المركزية فى مدريد. وكل هذا يزيد من تراكم تراث النضال الكتالونى من أجل الاستقلال، وقد أضيف إليه، بعد التصويت الكاسح لصالح الاستقلال، أن إلغاء النتيجة وفرض استمرار كتالونيا ضمن الدولة الإسبانية، هو قهر صريح معلن أمام العالم أجمع، وأنه مفروض على الكتالونيين الذين أعلنوا صراحة رغبتهم القوية فى الانفصال، وأنه من أسوأ أنواع القهر لأنه مفروض بالقوة على العزل المسالمين. قد ينجح القهر فى تثبيت الأوضاع ظاهرياً، ولكنه يعجز عن تحقيق الاستقرار المأمول!!
ثم، لقد صار على إسبانيا أن تتوقع تكرار واقعة كتالونيا مجدداً، بل وفى أقاليم أخرى أيضاً، ونفس الأمر بات واردا فى عدد آخر من الدول الأوروبية. وفى كل الأحوال، فإن الموقف الأوروبى والأمريكى المتشدد ضد استقلال كتالونيا والتحجج بالقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، والزعم بالحرص على احترام الشرعية، صار عاملاً مُكبِّلاً لهم فى الاستمرار فى خططهم الأخرى عبر العالم، مثل خطتهم لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، لما فى ذلك من تناقض فجّ مع موقفهم عن كتالونيا! فكيف يستمرون فى لغوهم بأن خريطة الشرق الأوسط وُضِعت منذ نحو قرن من الزمان، وأن الأوضاع تغيرت بما يتطلب إعادة رسمها، لتتفق، كما يقولون، مع الأوضاع الجديدة على الأرض، فى حين أنهم يُقدِّسون تثبيت الواقع فى كتالونيا!
واضح أن قواعد القانون الدولى هى التى ضاقت على الواقع الدولى الذى يُلحّ بتغييرها!
[email protected]
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب; رابط دائم: