رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حدثنى نجيب محفوظ

فى المناسبات، قد يقف المرء أمام المرآة فترة أطول، يتأمل مظهره أو يصلح هندامه.. وهكذا أيضا ينبغى أن يفعل الكاتب، بأن يتوقف - عندئذ- ليجدد أفكاره ويراجع حساباته، مهما بلغت درجة ثقته في المسار الذى اختاره لذاته.. وهذا ما أحاول الآن أن أفعله.. ولكن ما المناسبة؟!.

فى هذا الشهر، أقف على أعتاب إتمام عام من كتابة مقالات الرأى بشكل دوري منتظم، فى هذه المساحة الأثيرة إلى قلبى من صفحة «قضايا وآراء»، فى «الأهرام»؛ صحيفتى الحبيبة الغرّاء، التى أتممتُ فيها أيضا الشهر الماضى 21 عاما من العمل الصحفى.. وعلى مدى العام الأخير نشرت هنا 24 مقالا.. حيث أكتب صباح الأربعاء كل أسبوعين.. وهذا هو المقال الخامس والعشرون.. أفلا يستلزم الأمر إذن مراجعة الأفكار والمسار؟!.

فى ظل حالة التراشق البغيضة، التى أضحى المصريون يطحنون أنفسهم بين رحاها، حرصتُ فيما مضى على توضيح موقفى، وموقعى، معلنا رفضى المشاركة فى «رقصة الانحياز» المميتة، التى يدور الناس فيها حول ذواتهم، وفى فلك انقساماتهم وصراعاتهم.. لذا فقد أوضحت أننى أرفض أسلوب «إما مع أو ضد» الذى ينتهجه أغلب الشعب فى نظرته للنظام السياسي الحالى.. كيف؟!.

قلت من قبل إن هناك ثلاثة طرق فى الشارع السياسى فى مصر حاليا، وهى على اختلاف أحجامها تشترك فى أنها ترفض - بل تقصف- بعضها البعض، وتتراشق بالسباب والتشويه والإقصاء والتخوين.. الطرق الثلاثة هى: طريق مؤيدى النظام على الدوام.. وطريق الثائرين فى كل حين.. وطريق الإخوان المحاربين للنظام والدولة والشعب معا.. وقد أعلنت رفضى الانحياز لأى من الطرق الثلاثة.. داعيا إلى مسار جديد سميته «الطريق الرابع». هو فى نظرى طريق عقلانى بسيط، واضحٌ لا يحتاج إلى شرح أو تنظير، يتطلب فقط استحضار قواعد إنسانية أولا، وأخرى سياسية.. عنوانها العام أن كلا من الشعب والحكام هم بشر؛ مجرد بشر، لا أحد يمتلك الحقيقة، ولا أحد يمكن أن يكون ملاكا لا يخطئ أبدا، أو شيطانا ينفث الشر دوما.. نحن بشر، والتأييد الدائم للحاكم يفسده، كما أن الرفض المستمر له يعرقله.. لذا فنحن نحتاج بعد كل ما جرى فى مصر إلى تعلم اختراع اسمه «السياسة» وكيفية ممارستها.. حتى نصل بالتدريج إلى التغيير الحقيقى الذى ننشده.. فالحكم لا يعنى الانفراد بالسلطة والإقصاء.. كما أن المعارضة ليست هى التمرد والسباب.. لذا فلنتفق.

تعال نتفق على كلمة سواء.. وهى أن الحرية دون دولة هى فوضى شاملة.. وأن الدولة دون حرية هى استقرار هش لا يستمر.. لذا فلنعمل بالسياسة لنفوز بالحسنيين.. الدولة والحرية معا.. وليصبح هدف الجميع هو «الدولة الحرة».. ذلك هو حلم «الطريق الرابع».. هل فى ذلك شىء؟!.

نعم.. فى ذلك أشياء.. فبما أننى لم أتّبع أيا من الطرق الثلاثة، فقد نالنى الهجوم - بل السباب- منها جميعا.. تذكّر: «إما مع أو ضد».. لذا فقد اتُهمتُ مثلا بعدم الوضوح أو الحسم.. وعدم القدرة على الإقناع والتأثير.. وقيل لى إن «القوة» أهم من «الحكمة».. وإننى أبدو محتارا «لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء»!. هل حقا أبدو مائعا أو طيّعا عاجزا عن المواجهة؟!.. لا بأس من طرح السؤال فى موسم المراجعة.. ولكن فى هذه الأثناء، وقعت هذه الواقعة.. عرضت قناة «ماسبيرو زمان» البديعة حلقة من برنامج «أمسية ثقافية» للشاعر الكبير الراحل فاروق شوشة، استضاف فيها أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء الأستاذ العظيم نجيب محفوظ، الذى شعرت بأنه يريد أن يقول لى شيئا!. سأله شوشة عن «الحياد الموضوعى» فى أدبه، فاعترف به ووصفه قائلا: «أن يكون أسلوب عرضك كأنه محايد.. وكأنه لا شأن لك بهؤلاء الناس؛ خيرهم وشرهم، اليميني منهم أو اليساري.. وهذا يجعلك تنفذ إلى إنسانيتهم.. أما إذا دخلت إلى التحيز فيكون هناك الأبيض والأسود وتختفى جوانب إنسانية كثيرة.. وانت مش عايز كده.. إنما سير الرواية ككل ومضمونها بيكشف موقفك.. ويبين انت مع إيه وضد إيه.. لأنك وانت بتكتب هناك مبادئ تحركك تظهر فى النهاية».. وفى موضع آخر يقول: «نحن ناس لا نبحث عن الحقيقة.. أنا رجل أحمد ربنا أنه هداني إلى الإيمان بالمنهج العلمى.. لا أصدر حكما فى قضية إلا إذا كان وراءه حيثيات عقلية مقنعة».. أعدتُ سماع كلمات الأستاذ على موقع «يوتيوب» مرارا.. وأدركت أنه كان بالفعل يحدثنى.. ويحدثكم أيضا.. فهل ينصت أحد؟!.

أخيرا أقول.. الأمر ليس شخصيا بالمرة.. لكنه دفاع عن فكرة.. حتى ما سيأتيك هنا.. فقد فوجئت باتصال كريم فى العيد من الأستاذ الكبير أسامة فرج الكاتب الصحفى فى «الأهرام».. وهو أيضا أحد تلاميذ نجيب محفوظ وسبق له مقابلته.. وبعد حديث عن «الضمير» وجدته يقول على غير انتظار: «ما يهمكش لو أخذت حقك ولا لأ.. حقك عند ربك.. وعند نفر واحد يقرالك فينبسط منك».. والآن أعد أنت قراءة هذه الكلمات جيدا.. وتأمل الفكرة.. لا يشترط أن تكون كاتبا.. الفكرة هى أن ترضى ضميرك وتعمل عملك وتبذل جهدك.. أيا ما جاءت النتائج.. لكن هذا يستلزم أولا أن تهدأ.. وأن تجدد أفكارك وتراجع حساباتك.. بموضوعية دون انحياز.. فالحكمة أهم من القوة.. وإلا صارت الدنيا غابة.. وهل منا من يقبل أن يكون حيوانا؟!.
[email protected]
لمزيد من مقالات محمد شعير

رابط دائم: