رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الحالمون

هناك قصص كثيرة فى الولايات المتحدة الأمريكية، فكما هو الحال فى كل بلد غني، والغنى ليس فقط فى المال، بالتفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن ذلك يتحول دائما إلى روايات مثيرة. ووسط عدد من الروايات عالية الدراما مثل الأزمة بين واشنطن وبيونج يانج التى يوجد فيها احتمال الحرب النووية؛ أو إعصار «هارفي» الذى دمر مناطق فى الجنوب الشرقى للولايات المتحدة؛ وما يرد طوال الوقت من حكايات حول الرئيس دونالد ترامب وعائلته فى البيت الأبيض؛ فإن قصة «الحالمين» تبدو مثيرة لأنها ذات طبيعة إنسانية بجوار كل الاعتبارات الأخري. والقصة بدايتها أن ساكن البيت الأبيض دخل الحملة الانتخابية الرئاسية ببرنامج شعبوى يعتمد على رغبات ونزعات «القوميين البيض» وأهم ما فيها الموقف من المهاجرين بكل أنواعهم مع اعتبارات خاصة متشددة بالمهاجرين اللاتينيين من المكسيك وأمريكا الجنوبية فى عمومها. فهؤلاء الذين أتوا منها بطرق غير مشروعة عليهم الرحيل (12 مليونا)، والمجرمون منهم عليهم أن يرحلوا فورا. ولكى توقف الهجرة، فإن الولايات المتحدة عليها بناء سور بامتداد الحدود الأمريكية ـ المكسيكية. كان هذا موقف ترامب وبناء عليه فاز فى الانتخابات؛ ولكن السياسات مهما تكن شعبيتها فإنها فى الواقع تواجه بأمور لم يتوقعها أحد، أو لم يحسب حسابها أحد، أو باختصار تجاهلها الجميع.

«الحالمون» هم باختصار المهاجرون إلى الولايات المتحدة وأتوا إليها أطفالا، إما لأن أسرهم هربتهم إلى الشمال، أو أنهم أتوا معها فى هجرتهم غير المشروعة؛ ولكن، ولأنهم أطفال، فقد دخلوا نظام التعليم الأمريكى وشبوا عن الطوق يتحدثون الإنجليزية بطلاقة، وأكثر من ذلك فإنهم تفوقوا على أقرانهم من الأمريكيين فى مجالات عدة فى المقدمة منها الإلكترونيات، وكثير من الفنون، وبالطبع المهارة فى كرة القدم. هؤلاء يقدر عددهم بـ 800 ألف نسمة. اسم «الحالمون» الذى أطلق عليهم جاء من الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما الذى ربط بين هؤلاء الأطفال والحلم الأمريكى فى الغنى والابتكار والإبداع، ولذا طلب من الكونجرس تشريعا ببرنامج خاص يؤهلهم لاكتساب الجنسية الأمريكية مادام أنهم لم يرتكبوا جرائم مشينة. وقد كان، فقد أصدر الكونجرس تشريعا عرف باسم «داكا DACA»، وهنا أصبح ترامب فى مواجهة اختبار صعب، فهو من ناحية يريد مخلصا تنفيذ وعوده الانتخابية ولا يريد خسارة قاعدته الانتخابية بإلغاء البرنامج؛ ولكن الرجل باعترافه متعاطف مع الأطفال، وفى الوقت نفسه فإن الدنيا قامت ولم تقعد، فقد تحركت كبريات الشركات الأمريكية ومنها جوجل وآبل ومايكروسوفت وأمزون وغيرها رافضة لإلغاء البرنامج ومؤكدة أن تنفيذه سوف يشكل خسارة صافية للولايات المتحدة.

ما سوف يحدث لهؤلاء «الحالمين» سوف نتركه للسياسة الأمريكية، ولكن ما يهمنا هو علاقة البشر بالفرصة التاريخية التى تتاح لهم. فربما كان أهم ما يميز الإنسان عن الكائنات الأخرى ليس فقط العقل الذى لدى بعض الكائنات بعض منه، وإنما الحلم، فلا يوجد فى عالم القطط أو الأسود ما يشير إلى أنهم يحلمون ويتخيلون ويتساءلون. وكان هذا ما أتى على جماعة من البشر فى طفولتهم عندما تسربوا أو سربهم أهلهم وهم لم يشبوا عن الطوق بعد إلى الولايات المتحدة ليجدوا فيها أرضا موعودة بالنسبة إلى الأرض والظروف التى جاءوا منها. الفارق بين الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم أن لديها فرصا كثيرة تتيحها المساحة الشاسعة للدولة، والأهم أن هذه المساحة يجرى استغلالها طولا وعرضا وعمقا وفضاء أيضا. هنا فإن ما يميز إنسانا وآخر، هى الكيفية التى يجرى بها استغلال هذا الموقف بالتعليم والتدريب والعمل الشاق لكى لا يوجد فرصة عمل لنفسه فحسب، وإنما طالما أن الفرصة مواتية وتحركها قوانين وتشريعات ولوائح وروح وثابة أمريكية. وكان «الحالمون» من هذه الطائفة التى جاءت أطفالا ثم لم يعد بمقدور المجتمع الأمريكى الاستغناء عنها.

هل يوجد فى مصر «حالمون» كثر؟ الظن هو كذلك، وفى حديث أجراه الأستاذ الدكتور جابر جاد نصار رئيس جامعة القاهرة السابق مع صحيفة المصرى اليوم الغراء تحدث عن «اغنى مصر الفاحش» كما وجدها خلال تجربته فى إدارة جامعة القاهرة عندما التقت الفرص التى تولدها الإدارة بتخطيطها ورؤيتها للموارد المتاحة، وكشف تلك التى كانت مدفونة. هذا الغنى جعل الجامعة «الفقيرة» ذات العجز والديون تتحول إلى جامعة فائض وقدرات وطاقات كبرى ترتفع مكانتها فى مراتب الجامعات الدولية بعد طول غياب. هذه الحقيقة عن «الحالمين» يجدها كل من يريد العمل والنجاح فى مصر؛ بالوجود مع مجموعة العاملين فى مشروع «القاهرة التراثية» بقيادة المهندس ابراهيم محلب فإن القول بأن مصر بلد غنى للغاية يتردد طوال الوقت ومع كل التغييرات التى تأتى على «القاهرة الخديوية» أو حدائق القاهرة من حديقة الأزبكية إلى حدائق القناطر الخيرية. وما هو متاح على مستوى مشروع أو مؤسسة، فإنه يكون متاحا بالنسبة لكل المشروعات التى تخوضها مصر حاليا بامتداد مساحتها ومناطقها، ومن أول مشروع قناة السويس وحتى تنمية الساحل الشمالي.

المعضلة فى مصر أن «الحالمين» إما أنهم يواجهون صعوبات القوانين واللوائح بالغة وتعقيداتها التى تقف حائلا دون استغلال الفرصة؛ أو أن هناك وراءهم كثيرا من «المثبطين»، وهؤلاء تملكت منهم كوابيس وعفاريت وطوائف من الجان، وهؤلاء لا ييأسون أبدا من تأكيد أن كل ما يحدث فى مصر ما هو إلا قبض ريح، ولا فائدة منه. بعض من هؤلاء يظن أن مصر بلد كتب عليه الفقر والتخلف، وبعض آخر يعتقد أن العالم لن يسمح لنا بالتقدم عما نحن عليه، وبعض ثالث لا يرى بداً من الرجوع إلى الخلف، ومن لا يجد فائدة فى كل ذلك فإنه يبحث عن حل للقضية الفلسطينية. الفارق مع أمريكا أن الأمر هناك مفتوح للنقاش، بما فيها كيفية التعامل مع «الحالمين» حتى ولو كانوا أجانب؛ أما فى مصر فربما يكون الحلم الأكبر هو كيف نستغل غنى مصر الفاحش فى البشر والحجر؟

لمزيد من مقالات د. عبد المنعم سعيد

رابط دائم: