رئيس مجلس الادارة
عبدالمحسن سلامة
رئيس التحرير
علاء ثابت
ونحن نتحدث عن حقوق المرأة ونناقش دعوة الرئيس التونسى لمساواتها بالرجل فى الميراث وفى اختيار شريك الحياة علينا قبل كل شىء أن نطهر عقلنا الباطن وعقلنا الظاهر مما توارثناه عبر العصور من صور وأفكار وخرافات عن المرأة لم تكن فيها إلا رمزا للخطيئة وصورة للشيطان وجسدا حيوانيا يوقعه الرجل فى أسره ويشتريه ويبيعه ويطأه والأدبية ويفترشه! وما علينا إلا أن ننظر فى بعض النصوص الدينية لنرى ما كانت المرأة تؤديه فى نظر الرجل من أدوار شريرة. ولا شك فى أن هذه الصورة لم تكن وهما كلها، لأن وضع المرأة كان محكوما بما كانت عليه المجتمعات البدائية والمجتمعات القديمة من حاجات وخبرات رسمت للمرأة هذه الصورة التى فرضت نفسها على المرأة فتبنتها فى كثير من الأحيان، كما لا تزال تفعل عندنا حتى الآن!. غير أن هذه الأوضاع الاجتماعية تغيرت شيئا فشيئا، وتغيرت معها صورة المرأة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه فى القرون الأخيرة، وتساوت مع الرجل، وأثبتت جدارتها فى كل مجال كما يبدو لنا الآن حين نراها تفكر وتبدع، وتعمل وتنتج، وتقود الجماهير وترأس الحكومات والدول. لكن هذه التطورات مازالت صورا جديدة طارئة لم تمح ما سبقها ولم تتحول بعد إلى ثقافة راسخة ويقين داخلى يملى علينا نفسه، ويتحكم فى ردود فعلنا الواعية وغير الواعية. وهذا ما يستغله بعض الذين تربوا على ما تيسر لهم من ثقافة الماضى، واعتبروه كافيا ليس فقط ليأكلوا به خبزهم فى الحاضر بل ليصبحوا فيه أئمة وسلاطين، فإن ووجهوا بما لا علم لهم به تهر بوا ووجهوا حديثهم للفئات والجماعات التى يعرفون أنها مكبلة بخرافات الماضى ومحكومة بأوهامه. أقول علينا أن نطهر عقولنا من هذه الصورة الموروثة بقدر ما نستطيع ونحن نتحدث عن المرأة وحقوقها لندرك أن حقوق المرأة هى حقوق الرجل لا أكثر ولا أقل. حقوق المرأة ليست منفصلة أو مختلفة عن حقوق الرجل أو حقوق الإنسان، وإنما هى هى. لأن الحق هو الحق أيا كان صاحبه. ولأن المرأة إنسان، إنسان كامل. والانتقاص من حق الواحد انتقاص من حق الجميع. وفى هذا يقول أنطوان كوندورسيه ـ فيلسوف فرنسى «إما أن لا يكون حق لأحد من الناس، وإما أن يكون لكل فرد حق مساو لحق الآخر. ومن جرّد غيره من حقه مهما كان دينه أو لونه أو جنسه فقد داس بقدميه حق نفسه» ! ولأن الحق لا يتجزأ فالعدوان عليه عدوان على كل الفضائل والقيم. لأن الحق لا ينفصل عن الخير. ونحن لا نستطيع أن نكون بشرا إلا ونحن أحرار. ولا نستطيع أن نكون أحرارا إلا ونحن متساوون. والتمييز بين إنسان وانسان فى حق من الحقوق يفتح الباب واسعا للطغيان، فما دمنا غير متساوين فالسيادة للأعلى الذى يدعى لنفسه ما ينكره على الآخرين. من هنا لا تنفصل حقوق المرأة عن حقوق الرجل. والدعوة لتحرير المرأة دعوة لتحرير المجتمع كله من الجهل والخرافة والظلم والطغيان. والذين ينكرون حقوق المرأة لايقصدون المرأة وحدها، وإنما يبدأون بها لأنها الطرف الأضعف، ومن ثم يقفزون على كل الحقوق. وربما استخدموا المرأة فى تتنفيذ خطتهم. ألا ترون أن هذه الردة العنيفة التى ساقتنا إليها جماعات الاسلام السياسى بالتحالف مع النظام الديكتاتوري بدأت بالحجاب وانتهت بتسليم السلطة للأخوان والسلفيين؟! والدعوة لتحرير المرأة والاعتراف بحقوقها ليست بنت اليوم، لأن النهضة المصرية ليست بنت اليوم، وإنما هى طريق بدأناه منذ أكثر من قرنين رجالا ونساء وعرفنا فيه معنى الوطن والمواطنة ومعنى الديمقراطية والدستور وتحرير العقل وتحرير المرأة. الجبرتى يحدثنا فى «عجائب الآثار» عن الحوادث والتطورات التى عرفها المصريون خلال احتكاكهم برجال الحملة الفرنسية ونسائها. فيقول: «إنه لما حضر الفرنسيس الى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون فى الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه ـ أى غير محجبات! لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة، ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميرى والمزركشات المصبوغة، ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة. فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء»! ثم يأتى الطهطاوى فيحدثنا عن نساء باريس وعن اختلاط الرجال والنساء، مؤكدا أن العفاف ليس مشروطا بالحجاب أو بعدم الاختلاط، وإنما هو مشروط بالتربية التى تحصن المرأة بالعقل المستنير والضمير اليقظ. ثم يتقدم الامام محمد عبده خطوة الى الأمام فيدعو لتقييد الزواج بأكثر من واحدة وتقييد الطلاق فلا يكون كما نراه حتى الآن كلمة طائشة يدمر بها الرجل أسرته ويشرد أطفاله. لكن أحد لم يستجب له حتى الآن!. ثم يظهر قاسم أمين ليتزعم هذه الدعوة ويطالب فى مؤلفاته التى ظهرت فى السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، والأولى من القرن العشرين بتعليم المرأة وتمكينها من المشاركة فى بناء المجتمع المصرى الجديد. ثم تتقدم المرأة المصرية التى تعلمت وانخرطت فى النشاط العام لتحرر نفسها بيديها كما فعلت هدى شعراوى ونبوية موسى وسيزانبراوى اللائى نزعن حجابهن من على وجوههن أمام الناس الذين عقدت الدهشة السنتهم برهة انطلقوا بعدها فى تصفيق مدو. ثم تتقدم درية شفيق لتواصل الطريق وتقود النساء فى مظاهرة اخترقت شوارع القاهرة الى مجلس النواب عام 1951 للمطالبة بإقرار حق المرأة فى التصويت، وتمثيل الشعب فى البرلمان. والمجال لا يتسع لذكر كل الأسماء التى تقدمت الصفوف فى العلم والفن والنضال السياسى والنقابى. صفية زغلول، وأم كلثوم، وسهير القلماوى، وسميرة موسى، وروزاليوسف، ولطيفة الزيات، وفاتن حمامة، ولطيفة النادى أول امرأة مصرية تقود الطائرة، وإنجى أفلاطون الفنانة المناضلة، وراوية عطية أول نائبة فى البرلمان. فى هذه المسيرة التى لم تكن تقدما مطردا، وإنما كانت مثلها مثل كل ما حاولناه فى نهضتنا الحديثة طريقا مليئا بالعثرات ـ فى هذه المسيرة ماذا كان موقف الأزهر؟. لمزيد من مقالات بقلم: أحمد عبدالمعطى حجازى