أدعو الله أن يحيينا جميعا لما بعد 30 عاما من الآن عندما تفرج الأجهزة الغربية عن وثائقها، المخطط والتدابير التي استطاع بها العقل الغربي اختراق العقل العربي والإسلامي، حتي يثور الناس ليهدموا دولهم، ويتورط عدد لا بأس به من الأطباء والمهندسين مع غيرهم من الجهلة محدودي الثقافة سواء بسواء في أعمال إجرامية سوداء، ليخلقوا ما يسمونه بالإرهاب الإسلامي!
استطاع الغرب المتقدم، اختراق دولنا النامية في جميع الأصعدة، وأن يدمرنا بخلفيته العلمية، التي تدرك مواطن الضعف في عقولنا، وهي سيطرة الأفكار المطلقة فالبعض منا أصبح سجين المطلقات الأبيض والأسود، الخير والشر، الصح والخطأ، وهو معيار ليس بدائيا ولكنه فاسد، فالبدائي كانت قيمه صالحة لزمنه، فهي تدير حياته حسب المنافع التي تضمن له البقاء، مع تعقد الحياة والتقدم العلمي والاكتشافات العلمية التي زعزعت النظام المعرفي القديم، انتهت المطلقات، وأصبح الزمان والمكان نسبيين مع النسبية، التي اشتهرت بنظرية البعد الرابع، فالإنسان البدائي تعامل مع بعد واحد وهو الطول عند استخدامه الرمح لاصطياد الفريسة، وعندما عمل بالزراعة احتاج للتعامل مع بعدين الطول والعرض، لقياس مساحة الأرض، وتوصل للارتفاع البعد الثالث عند تطوره وقيامه بالبناء، ونظرا للصلة الوثيقة بين الفلسفة والعلم وأن القانون الطبيعي مغروس في الإنسان، فقد استفادت الفلسفة من العلم. لتتطور المعرفة الإنسانية، وعندما توصل (أينشتاين) للبعد الرابع وهو الزمن أصبح هناك ما يسمي بالزمكان، بإضافة الزمان إلي الأبعاد الثلاثة للمكان، فالمقاييس العلمية تختلف حسب سرعة الإنسان، وتصبح كلها صحيحة، رغم إنها تقيس نفس الشيء، من حيث الطول والحجم والكتلة، ولكن القياسات تختلف حسب سرعة وموقع الشخص الذي يقيس، فالثبات للمقاييس لا وجود له، وبالتالي لا وجود للمقاييس المطلقة، وبالتالي لا وجود للمعايير المطلقة! وبالتالي تصبح الأحكام فاسدة بناء عليها! فلسنا في عالمين مختلفين ولكننا في زمنين مختلفين.. زمن قديم وزمن حديث لا يلتقيان!
أعتقد أن هذا السلاح المعرفي هو الذي شق به الغرب العالم العربي، لإدراكه بأننا نغوص في المطلقات التي تناحر بعضها البعض لا فرق بين أستاذ الجامعة وأي عاطل آخر، معيارهم الأخلاقي والديني والعلمي واحد، مطلق، ولكن مطلقاتهم مختلفة، فلابد أن يفجر بعضهم البعض حفاظا علي ما يعتقدون!! وكانت النخبة القليلة الواعية بما ينجزه العلم من اكتشافات علمية وفلسفية، غير قادرة عن الدفاع عن إنجازاتها النسبية، أمام وحوش المطلق في كل مكان و كل مجال!! وترقص الدولة علي جثثهم بلا عقل!
فإذا كان مقدرا للعالم العربي والإسلامي أن يدفع ثمن تخلفه الحضاري، لكن من الظلم الجائر والفاحش العودة به إلي ما قبل العصور الوسطي، فإن وسيلة الدفاع الربانية كانت من قلب تاريخه المعرفي، حيث التقت أحدث نظرياتهم العلمية والفلسفية في ميكانيكا الكم مع واحدة من أهم الأفكار الصوفية للعارف بالله «ذو النون المصري» فالتقت نظرية الكم التي تقر مبدأ «عدم التأكد» في التواضع أمام المعارف الكبري، متقاطعة مع طريقة ذو النون في معرفة الحقائق الروحية بالتواضع وعدم الادعاء بامتلاكها، والاجتهاد المستمر من خلال البصيرة الفردية، وعدم التسليم برؤي الآخرين، ويعتمد علي التأمل الباطني، لارتياد آفاق إيمانية يكتسبها الصوفي بنفسه، ولا ينقلها عن أحد، بالكشف والمجاهدة والذوق، بقدر إخلاصه للمعاني الإلهية، تنكشف له المعاني والأسرار، ولا يركن إلي الآخرين في الأخذ به إلي النور الإلهي، بل يعتمد علي نفسه وقدراته الروحية، وهو في حالة قلق دائم للوصول إلي هذا الهدف البعيد ولا يدعي أبدا امتلاكه، كذلك في ميكانيكا الكم التي اكتشفت مع بداية القرن الـ (20) في الغرب، لحل الإشكاليات التي لم تستطع الفيزياء الكلاسيكية التوصل إليها، فتعطينا ميكانيكا الكم عدة نتائج ممكنة لتجربة واحدة، «قطة شرودنجر» كمثال، كلها مختلفة، وكلها محتملة، كتجارب الصوفية كلها مختلفة وكلها محتملة، وكان اختلافهم رحمة بنا، ورغم أن أينشتاين رفض ميكانيكا الكم وقال «إن الله لا يلعب النرد» إلا أن (ماكس بلانك) من علماء ميكانيكا الكم قال من قبله بتواضع: إن كل ما نتوصل إليه من اكتشافات علمية ليس إلا نجاحا يرضينا، ولا نتوقع أن يحل مشاكل الكون، كذلك (ذو النون المصري) أول من أدخل مصطلحات الصوفية لمصر، لم يقبل المطلقات من أحد ولم يفرضها علي أحد، وجعل الدين لله، وظل في حال المجاهدة والترقي حتي صار مثلا يحتذي، وأثرا فكريا ونفسيا يدفع الغالبية التي خرجت في «30 يونيو» من الضمير المصري المتحضر لتغير العالم، وتوقف التلاعب بالمطلقات!
فمدد ياميكانيكا الكم، ومدد يا ذو النون، الذي قال: اللهم الحول حولك، والطول طولك، ولك في كل خلقك قوة وحول، وأنت الفعال لما يشاء، لا العجز ولا الجهل يعارضانك، ولا النقصان ولا الزيادة يحيلانك، وأني يعارضانك وهي ما أحدثت وأنت الموجود بالدلائل عليك.
لمزيد من مقالات وفاء محمود; رابط دائم: