إذا كانت لحظة غياب الأميره أقرب إلى روح الشعر : موت خاطف وبكاء فى عيون باردة، فإن حياة ديانا التى صعدت من خضرة الريف إلى قصور ذوى الدم الملكى فى نقلة قاسية من فرط جمالها فى ذلك الحفل الأسطورى فى العام ١٩٨١،
رواية تحكى قصة تلك النقلة التى كانت وبالا على شابة، كانت تحلم وأفاقت فى منتصف الحلم تائهة حائرة فى قصر لا يعرف الأقدام المرتعشة ولا العيون الزائغة الباحثة عن طيف حلم... فكل شئ فى القصر الملكى شديد الواقعية.
هنا أدرك شهرزاد البريطانية الاكتئاب وسكتت عن الكلام المباح وصارت رواية مكتومة، تكبر تفاصيلها كحمل كاذب ينتظر كاتبا أو كاتبة تخرجه من عتمة المخاض ووجعه.
بين الشعر والرواية مضت حياة الأميرة حتى تم طلاقها من الأمير تشارلز وتحررت الفتاة الساذجة من كل الأقنعة، فباحت شهرزاد بما لا يمكن البوح به فى الأعراف البريطانية الثلجية، ومنحت المملكة فرصة ذهبية لتلامس عصور الفوضي.. وأعادت للأذهان ضجيج ما فعله الملك عندما تنازل عن العرش من أجل الحب.
وهنا كان على الأميرة أن تدفع ثمن الكلام فى مملكة الصمت الزرقاء ..
وربما هنا تبدأ الرواية التى لم يكتبها أحد، فتخيلت روائية بريطانية ما كان ممكنا حدوثه لو أن ديانا لم تستسلم للموت الخاطف الشاعرى رغم قسوته.
فى رواية جديدة تحمل اسم «تخيّل ديانا»، يلتقى القراء الأميرة وهى تتناول الغداء فى بيت ابنها مايكل فى ميدتاون مانهاتن، وتومئ مرحبة بباربرا والترز – زوجته – وهى تدخل إلى المكان، ترتدى بدلة من تصميم أوسكار دو لا رنتا، تناول الغداء مع لوى شادلي، وكيلة دار نشر تحاول أن تقنع ديانا بأن تكتب مذكراتها، والتى ستتناول مرحلة ما بعد الحادث وما إذا كان صحيحا أن علاقة الصداقة التى ربطت بينها وبين الأمير تشارلز بعد الطلاق كانت تدفع بكاميللا للغيرة الجنونية.
“أردت أن تبدو الرواية حقيقية وتوضح كم كانت شخصية مركبة»، تشرح الكاتبة ديان كليهان، التى تصدر روايتها تزامنا مع الذكرى العشرين لمصرع ديانا .
تتخيل الرواية أن ديانا نجت من حادث السيارة الذى تعرضت له فى باريس. ثم تحكى عن محاولات الأميرة إعادة بناء حياتها من جديد. “فمنذ وفاتها، صارت ديانا أكثر إثارة»، كما تقول كليهان.
تصور الرواية ديانا وقد صارت أميرة الشعب، تسافر للخارج كثيرا فى مهام ومبادرات ترعاها مؤسستها الخيرية، وتطير إلى لندن لرؤية ولديها، وتمنح جائزة لفيلم وثائقى عن حقول الألغام فى كمبوديا ولاوس، وتدخل فى ملاطفة بريئة مع أحد أبطال فانيتى فير. وعندما تذهب إلى لوس أنجيليس، تكاد تكون مقيمة مع رجل العمال تيدى فورستمان فى شقة بالشارع الخامس، ترتدى خاتم خطبة من الماس ، وقد وقعت اتفاقية الزواج لاقتسام الثروة ب ١٠٠ مليون دولار. .مرة أخرى يستعيد الشعب أميرته، وتعود ديانا إلى محبيها.. على الأقل لمدة ٢٠٨ صفحات، كما تشير صحيفة نيويورك تايمز التى عرضت الرواية.
كانت ديانا مشهورة قبل عصر الإنترنت، مشهورة جدا قبل أن تبدأ ملايين الهواتف المحمولة بالتقاط ونشر صور كل حركة وسكنة للمشاهير.. وكان الناس يعتمدون فى متابعتها على الباباراتزي، والجرائد والمجلات والتليفزيون. وقد وثق كُتّاب السير الذاتية ، وعلى رأسهم تينا براون، كيف حاولت ديانا صياغة تلك التغطيات، بالاختيار الدقيق والانتقاء للظهور والتواجد والحديث والمكاشفة.
“ديانا أول شخصية شهيرة كونية – على مستوى كوكب الأرض كله – لأنها كانت ذات ثقة ومصداقية»،تقول هيلارى بلاك محررة كتاب مجلة ناشيونال جيوجرافيك الجديد عن الأميرة الراحلة والذى يحمل عنوان «فى ذكرى ديانا: سيرة حياة فى صور». “وتكمل بلاك: “وعندما أدركت أن بإمكانها أن تتحكم فى الإعلام، اتخذت لنفسها موقفا أنثويا وحكت القصة دائما من الزاوية التى أرادتها».
فى ذلك الزمان كان ما فعلته الأميرة الراحلة يسمى «استغلال الإعلام»، أما فى عصرنا هذا، فقد صار يطلق عليه اسم «البراندينج»، أو الوسم أو صك علامة تجارية.
هذا النوع من الروايات الذى يمزج الواقع بالخيال، يوفر للكتاب وسيلة أدبية لتأمل ثقافة هذا العصر، كما تشرح مونيكا آلي، وهى روائية صاحبة كتاب «القصة غير المحكية»، والذى صدر عام ٢٠١١، وفيه تهرب أميرة، مأخوذة عن شخصية الليدى ديانا، من حياتها لتكتشف مباهج صغيرة فى الضواحى الأمريكية.
تقول آلى «الروايات ليست تزييفا للحقيقة، وهدفها ليس الخداع باختلاق الأحداث، وإنما تهدف إلى التنوير بالوصول إلى الحقائق (عن طبائع البشر) والطريقة التى نرى بها العالم ومكاننا فيه».
وربماكان الأمر يتعلق أيضا بنوع من تحقق الأمنيات، على الأقل بالنسبة لكليهان، التى تقول: “كان الأمر نوعا من التطهر»، واصفة كتابة «تخيل ديانا»، وهو ما جعلها تحيط نفسها بصور ديانا ولقطات الفيديو التى استطاعت أن تجدها لها، حيث أرادت أن تكشف أن ديانا كان يمكن أن تجد السعادة وتتغلب على مخاوفها. “أعتقد أن الحب الذى كانت تكنه لابنيها كان يمكن أن يقويها وينقذها من الهوة التى كانت ترى أنها تندفع إليها».
ولم تتنازل كليهان عن النهاية السعيدة لقصة ديانا حتى ولو كانت أميرة القلوب قد حُرمت منها.
رابط دائم: