رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أربع سنوات والفَضْ لم يَنْفَّضْ!

أربع سنوات تغيرت فيها معايير الواقع المصري والعربي والإسلامي والإنساني، واختلفت خلالها قيَّم الانتماء للإنسانية والوطن والدين، وارتفع في الآفاق صوت مؤسس التنظيم الإخواني حسن البنا مبشرا كل مواطني تنظيمه باقتراب طرح ثمار دعوته (أيها الإخوان : إذا فُتِحَت لكم السجون، وعلقت لكم أعواد المشانق، فاعلموا أن دعوتكم بدأت تثمر)!، إنها البشارة التي آمن بها معتنقو الدين التنظيمي، والتي عمل على تحقيقها كل من قاد عملية الإعداد والإدارة لوطن التنظيم المنشود في (تجمع رابعة العدوية المسلح)، حين قرروا أن يُجَيِّشوا قواعدهم ودوائر المؤيدين والمحبين للاحتشاد في رابعة معلنين تأسيس (المدينة التنظيمية الفاضلة)، تمهيدا لتتحول إلى مظلومية يختلط فيها الديني بالسياسي والاقتصادي والإنساني ويصبح على كل الأتباع في مختلف الأرجاء والأصقاع أن يحملوا رايتها ثأرا من كل الدنيا، باعتبارها خذلت مشروعهم الإسلامي وأسلمتهم للدولة المصرية التي أبت أن تقبل بوجود مدينتهم الفاضلة!

قبل أربع سنوات كان السؤال المطروح ألا يوجد في هذا التنظيم رجل رشيد؟ قادر على أن يجنب الإنسانية مواجهة بين دولة ذات سيادة وتنظيم يأبى إلا أن يفرض سيادته عبر وطن يقتطعه من القاهرة، ليقيم له حدودا ويسن له قوانين ويفرض عليه سلطانه، لكن إرادة (البنا) القديمة كانت قد رسمت الطريق المُعَبَّد بأحجار المظلومية والعداء للجميع، ليتأكد كل متابع أن شعارا من عينة (نحمل الخير لمصر) لم يكن سوى شعار مشروط بقبول الانصياع لحكم التنظيم وإرادته وإلا استحال الوطن بمكوناته عدوا، يصنف (البنا) ألوان العداء فيه بداية من عموم الشعب (أيها الإخوان سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم)، ومرورا بالعلماء (وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله)، ثم أنظمة الحكم وإن اختلفت توجهاتها (وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذو الجاه والسلطان وستقف في وجوهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم)، ويليهم كل من يعلن الاختلاف مع التنظيم (وسيتذرع الغاصبون بكم لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم).

خلال السنوات الأربع ظلت أداءات التنظيم تتحرك في اتجاه تحقيق إرادة (البنا) القديمة، فلم يكن مطلوباً من مواطني التنظيم في مصر وخارجها أن يراجعوا موقفهم أو أن يعملوا النظر في واقعهم، بل عليهم أن يسيروا صوب القدر التنظيمي المحتوم الذي لخصه إمامهم (ستدخلون بذلك لاشك في التجربة والامتحان فتسجنون وتقتلون وتعتقلون وتشردون وتصادر مصالحكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان فهل أنتم مستعدون أن تكونوا من أنصار الله؟)، وهكذا يتجلى إمام التنظيم على أتباعه ليُنَصِّب نفسه رسولا حاملا صكا إلهيا من يؤمن به فهو من أنصار الله ـ-التنظيم-، ومن يرفض فهو بلا شك من أعداء الله ذالتنظيم- تعالى رب البرية عم يصف البنا زورا وبهتانا وافتئاتا عليه.

أربع سنوات فض على (وطن رابعة)، والسؤال الذي يفرضه الضمير الإنساني والإسلامي والوطني (هل حقا انفض هذا الوطن؟)، فالقضية لم تكن بحال من الأحوال مجرد تحرير الأرض من براثن التنظيم، وإنما الأصل هو تحرير الدين الإسلامي من أسر الاستثمار التنظيمي، وتطهير الوطن من جراثيم أفكار تنظيمية تسري في بدن الوعي الإنساني، ومواجهة القائمين على إدارة وطن التنظيم بجرائم اقترفوها -وما زالوا- بحق الإنسان والإنسانية.

إن السنوات الأربع الماضية تدعونا للوقوف في مقام المكاشفة، حتى لا نقع في خانة إعادة إنتاج خطايا مراحل الإدارة السابقة منذ أولي مواجهات دولة (23 يوليو) مع التنظيم والتي رفعت شعار المواجهة الأمنية لأذرع التنظيم المسلحة، متناسية أن بدنه أخطبوطي الأذرع، وما حمل السلاح إلا مجرد تجل للخطر، لكن جراثيم التنظيم تبقى قادرة على التمدد والانتشار عبر أذرع عدة حملته ليبقى ويستمر رغم سطوة النظام الناصري، ورغم رحابة صدر الحقبة الساداتية، ورغم أوهام الاحتواء المباركية، ثم تجاوزت حاليا بالدعم الرسمي التركي والقطري حدود الفعل التقليدي لتتعداه إلى فرض ثنائية المشهد المصري بين نظام يحكم وتنظيم يفرض نفسه محليا ودوليا، وبالطبع لا يجب إغفال الرعاية الأممية (أنجلو أمريكية) للبقاء التنظيمي كشوكة في ظهر الوطن قبل النظام.

إن مقام المكاشفة الوطنية يحتم على المفوض بالإدارة إن يعي دروس الماضي، وأن يستوعب اتساق مؤامرات التنظيم حالياً مع (مشروع العالم الجديد)، وهو ما يؤكد أن إرادة الإدارة العالمية لن تقبل بأن ينفض وطن التنظيم، أو أن ينفرط عِقْدُه، وبالتالي يصير الإملاء العالمي هو أن يستمر التنظيم بأي شكل من الأشكال والبدلاء جاهزون للتفاوض الذي تفرضه سواعد (اللجان النوعية) عمليات تفجير وتصفية وتهديد شامل، ليكون الاختيار القديم بين (تنظيم يحتوى الشباب المندفع) أو تحول القواعد جميعها إلى إرهاب أصيل في فكرة التنظيم وإن ادعى السلمية وهو يرفع شعاره الأصيل (الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، ولئن كانت كرات (المصالحة) قد بدأت تتدحرج، ودعوات التخلي عن شرعية مرسي باتت تغازل إدارة المرحلة لتقبل التفاوض، وفِرَقْ الطرح الجديد للتنظيم قد أنهت تأهلها في بريطانيا، لتعود رافعة شعارات مدنية تنظيمية، فإن هذا لا يعني إلا أن الوطن المصري على أبواب طور بقاء تنظيمي يخلع فيه التنظيم جلد المرحلة السابقة ليزحف صوب مستقبل أبنائنا ممنيا نفسه بمرحلة تكوين جديدة أملا في تمكين قريب، الا فليتنبه كل معني بمستقبل هذا الوطن، فلقد انفض تجمع رابعة المسلح، ولكن تجمع إدارته لم ينفض ويستعد ليعود وينقض، ألا قد بلغت اللهم فاشهد.

لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى;

رابط دائم: