رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ما وراء الابتسامة الصفراء فى مسلسل الجماعة!

لقد تعاطفت مع غضب الأستاذ (وحيد حامد) مؤلف مسلسل «الجماعة» من حدة النقد الموجه للمسلسل، وبالطبع تعاطفى ليس من النقد فى حد ذاته، فهو حق مشروع لكل من شاهد المسلسل، خاصة من اعتبروه يخالف معتقداتهم، أو وجهة نظرهم، أو يتناقض مع الوقائع التاريخية الموثقة، فمن حقهم إبداء آرائهم، وعلى الأستاذ (وحيد) الرد بموضوعية، فمن ينزل البحر عليه تحمل الموج!

التعاطف ينبع أن بعض النقد لم يكن نقدا بل تجريحا وإهانة لرمز كبير من رموز النخبة المصرية، الذين نعتمد عليهم فى نقل بلادنا من واقع التخلف الحضارى إلى مسار التقدم، وهى مهمة ثقيلة وتراكمية، وكل من لا يريد لهذه البلاد التقدم، كان يبدأ بهدم النخب الواعية، المدركة للفارق الهائل بين المثاليات الخيالية، والواقع المأزوم، وتحاول العمل على تقليص الفجوة بين النقيضين، لتفعيل القيم المثالية فى الحياة العامة، لترقيتها، وحتى لا تبقى المثاليات أضغاث أحلام، والواقع على ما هو عليه من تخلف!

وعندما بدأت الحرب الاستعمارية على العرب بعد غزو العراق للكويت، وما أعقبها من حرب الجيل الرابع من الحروب، الذى تمثل فى الهوجات العربية على أنظمتها، كانت البداية فى تشويه النخب العربية، كلهاعلى بعضها، دون تمييز، حاكمة وغير حاكمة، فاسدة وغير فاسدة، وضعوا الأبيض على الأسود، والمصلح على من أفسد، حتى لا تقوم قائمة لهذه البلاد، التى دمرت دولها، لعدة قرون قادمة، وسيتم التعامل بسهولة مع ما يبرز من قيادات هشة، وتبقى المجتمعات كما يريدون دائما بقولهم دعهم عفنين.. Let them rotten .

صبغة المجتمعات الإنسانية هو التغير المستمر، مع ما يستجد من تطورات علمية وتقنية، فليس هناك مجتمعات، بل يرى علماء الاجتماع، أن ما يوجد بالفعل هو عمليات اجتماعية وتفاعل مستمر للقوى الحية، وليس مجتمعات ثابتة متحجرة خارج التاريخ، وهنا فيما أعتقد خطورة جماعة الإخوان التى أصبحت إرهابية، نتيجة للفكر الذى تتبناه بوضع المجتمع فى قالب ثابت، حسب تصورها الخاص للدين، فجعلت من الدين أيديولوجية خاصة بزعمائها، وقدراتهم المحدودة على فهم الدين، بينما الفكر الدينى كفكر منفتح يناسب كل العصور، بانفتاحه على العلم والفكر، وليس كشعارات فوق الواقع، واتضح ذلك جليا من الفترة السوداء التى تولوا بها الحكم، فعندما كان يدخل زعماؤهم فى حوارات عن العلاقات الدولية، وتوازن القوي، وحل مشكلات المجتمع الاقتصادية والسكانية والأخلاقية، كانوا يردون بابتسامة صفراء، أن كل ذلك من صغائر الأمور، وأن أحلامهم العظيمة فى متناول اليد الإخوانية، من خلافة وأستاذية العالم وغير ذلك من أضغاث أحلام مضطربة متداخلة، فضج الناس فما هم بتأويل الأحلام بعالمين!

الخطورة فى أى أيديولوجيا أن يفرضها أصحابها على الآخرين بالقوة، بل فى مجتمعاتنا المتخلفة يجد هذا الدجل بيئة صالحة للانتشار، فحسب تصنيف ( إدموند سبرانجر) عالم الاجتماع الألمانى المعاصر للقيم، يستمد المجتمع العربى قيمه فقط من القيم الدينية، أما باقى تصنيفات سبرانجر الاقتصادية والنظرية والاجتماعية والسياسية والجمالية، فلا تعرفها إلا الدول المتقدمة، التى تشكلت بها بنى اجتماعيه مختلفة حيث التصنيع ظاهرة شاملة متماسكة تراكمية تشمل غالبية السكان، قادرة على النمو الصناعى، من مجمل الخصائص الاقتصادية والاجتماعية، وهو هدف كل قادتنا الحداثيين من «محمد على» وحتى الآن، لوضع بلادنا على طريق التقدم، ولسوء الحظ دائما ما كنا تحت أنياب المستعمر، الذى يجهض الرؤية الحقيقية، وليس أضغاث الأحلام الإخوانية، فرد (محمد على) فى «نافارين» وخلع الخديو (إسماعيل)، واستمرت حتى الرئيس الأسبق (حسنى مبارك)، كلما تقدمنا خطوة، ردنا بعلمه ودهائه ومصالحه التى لا تشبع، سنوات ضوئية إلى الوراء، فلننظر للعراق واليمن وسوريا المكافحة وإلى وعودهم بعودتها إلى ما قبل العصور الوسطى، وتحقق ما وعدوا!

كان من المتوقع أن يفسر مسلسل (الجماعة) لعامة الناس ما وراء الابتسامة الصفراء، ليشرح خطورة تحويل الدين إلى أيديولوجيا مغلقة، ليستثمره أصحاب الغرض لتحقيق مكاسب مادية اقتصادية، أو مكانة اجتماعية مرموقة بسهولة، مما يستدعى قيام أيديولوجيات أخرى قائمة على الدين، مناقضة، تقوم أيضا على الدين، فتتناحر فيما بينها وتهدد السلم الأهلي، والفن بما له من قوة فى الوصول إلى بؤرة الشعور الإنسانى، وايجاد وعى جديد، قادر على كشف السموم الناتجة عن أفكار تبدو فى ظاهرها خيرة، بينما الشر المستطير فى كل باطنها، والفن الرفيع يستخدم «الصدق الفنى» لتوصيل الفكرة الفنية، بأدواته الحرفية، أكثر من الوقائع، فليس المسلسل عملا وثائقيا تنتجه الجماعة عن رموزها، فإن كان كذلك فقد نالوا ما أرادوا!

لمزيد من مقالات وفاء محمود;

رابط دائم: