رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عن مجتمع قسوته تقتدى بالدراما

يؤمن كل من ينتمى إلى هذا الوطن، أنه ينتسب إلى وطن قديم قدم الإنسانية، وأن مكامن القوة فى أرضنا، تتجاوز كل حدود التآمر على مكوناتها، وأن أصل قوة الوطن المصرى مُخَزَنٌ فى عمق وعى الإنسان المصري، و أن أى استهداف لنهضة وحياة فى مواجهة مخططات الفوضى والموات لا يمكن أن يتحقق إلا عبر استدعاء لمكامن القوة فى الإنسان المصرى كونه المعنى بصيانة الوطن وإعماره.

وكما يؤمن الإنسان المصرى القديم بخالق وهبه الوطن والحياة، فإنه يؤمن بالخير عامل نماء، ويعبر عن قِيَمِه مستخدماً كل أدوات الجمال، ليواجه بها الشر كونه عامل الهدم، وليحاصر بها القبح حتى لا يستشرى خراباً، ولقد خلف لنا الأجداد من إرثهم فنوناً خالدة أبت السنون أن تطوى صفحتها أو أن تُذهب ألقها، أو أن تخمد أصواتها، من معابد ورسوم ومخطوطات وكتب وآداب وأغان وألحان، كلها عيون تفيض بالجمال والخير ولا ينقطع مَعِينُها عن ظامئ لرشفات وطن قديم، أو عن حالم باستعادة مجد سيعود.

ولقد استيقظ الإنسان المصرى خلال أعوام ما بعد تعميم مشروع الفوضى الأمريكي، على وطن يُفرض عليه التنصل من كل مكامن قوته الإنسانية، وحتى نكون أكثر تحديداً ومكاشفة، فلقد عمدت إدارة مشروع الفوضى إلى استثمار طول الركود الإنسانى فى بحيرات أوطاننا بفعل الفساد والإفساد والاستبداد، ثلاثة عقود على الأقل تم فيها تأميم كل مقومات الحياة لصالح حكم الأفراد والتنظيمات، عايش خلالها الإنسان تقساماً لعوامل القوة والتأثير بين الحكم الرسمى للأنظمة وبين الإدارة الفاعلة للتنظيمات الدينية والإخوان على رأسها، فاستحال الدين أداة وظيفية للدولة وأداة تنظيمية للجماعات، وتحولت الفنون إلى خدم فى بلاط السلطة، وعبيد فى ساحات التنظيمات، ليفقد الدين قدرته على التأثير سمواً يؤهل للتعايش، وليفقد الفن قوة التغيير حُلماً يدفع للتطور، وهكذا صار على الإنسان المصرى أن يخوض حرب الوجود ضد مشروع الفوضى مجرداً من أسباب قوته الروحية والعقلية ديناً وفناً، فراحت تتقاذفه دعاوى التأثيم والتكفير، وشاشات دراما الدم والثأر والخيانة. وخلال الأشهر القليلة الماضية استيقظ الإنسان المصري، على عدة حوادث نقلت العنف المجتمعى من خانة التصنيف التقليدى إلى مساحات رحبة من الإبداع، كان شيطان هذه الحوادث (درامي) النشأة والتكوين، تجاوز وسواسها الخناس تخطيط عموم الناس، ليحول القسوة من عشوائية الأداء إلى حبكة السيناريو والإخراج، فعائلة تقرر الانتصار على أخرى بحصارها وسحلها ثم السير بكبيرهم مرتديا رداء نوم نسائي، وأهالى قرية يقررون بإبداع اللحظة الانتقام من خاطفة أطفال فيعلقونها بشجرة ويعذبونها، وأحدث حلقات إبداع العنف المجتمعى كان قبل أيام بتجريد فتاة من ملابسها فى الشارع وتصويرها؟! وإذا كان الهدف هو السعى لاستعادة الوطن الذى كان، فإن السير نحوه لايبدأ إلا من محطة عنوانها استعادة الإنسان المصرى الذى كان، وإذا كان المقال السابق قد تعرض لضرورة امتلاك رؤية لإنتاج فقه العصر وفقيهه القادر على حمل رسالته، فإن هذه السطور تحمل كل معنيّ بالبناء فى هذا الوطن إلى رفع راية الدعوة لإعادة النظر فى فلسفة إنتاج فنون المرحلة، حيث إن مسارات البناء حالياً تتحرك بغير منطلقات بناء فنية تستند على أسس داعمة للبناء الإنسانى وفق احتياجات الإنسان لا المنتِج، ودوافعها هى ترسيخ دعائم الإنسانية قبل أن تكون مغازلة (جمهور الشباك الموسمي) أو منافسة العنف الهوليوودي.

إن واقع ارتباط العنف بالفنون والدارما تحديداً خلال العامين الماضيين، يؤكد أن هناك انفصالاً بين احتياجات المجتمع ليقاوم وبين مستهدفات الإنتاج الفنى ليربح، وحسبنا الاستشهاد بمساحات العنف ضد المرأة فى دراما رمضان 2016، حيث حصرت لجنة الإعلام بالمجلس القومى للمرأة ، المشاهد التى تعرضت فيها المرأة للعنف بتنوعاته فى المسلسلات فى (1607) مشاهد، إن هذا الرقم المفزع يؤكد أنه لا يمكن أن يكون نتاج عشوائية إنتاجية، تماماً كما لا يمكن فصله عن خطاب العنف السائد من قبل إعلام الإرهاب التنظيمى الذى يفرض نفسه على واقعنا فضائياً وإلكترونياً ويسرى عبر حوامله أفراد فى المجتمع. مظلوم هو الإنسان المصرى الذى يخوض معركة الوجود حالياً، بعدما جردوه من كل أسلحته الذاتية، وعلى قدر أوجاعه التى يكابدها ظل هو صمام الأمان الحقيقى لهذا الوطن، حاملاً رايته فى مواجهة من سعوا لاستلابها وثائراً على أسر التنظيم لوطنه، ومكابداً أوجاع غلاء مستشر، وأسباب حياة تستعصى على العلاج، وعلى الإدارة المعنية بالبناء فى هذه اللحظات الفارقة من عمر الإنسان المصرى أن تدرك أن أول أسس البناء تنطلق من رفع الظلم عن الإنسان بتمكينه من أسباب تنميته، والفنون على رأسها، وعلى صناع الفنون أن يكونوا على قدر المسئولية حتى لا يتحولوا إلى شركاء فى جرائم مجتمعية باتت الدراما هى العقل المدبر والمُصَدِّر لقسوتها.

لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى;

رابط دائم: