رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رؤيتى لـ «القرن الحادى والعشرين» (190)
أين الخطأ؟!

قال الوزير الإماراتى الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان فى مؤتمر صحفى مشترك مع وزير خارجية سلوفاكيا فى براتسلافا: «إن المنطقة عانت من التطرف والإرهاب. ونحن ندرك فى الوقت نفسه أخطاء ارتُكبت فى الماضى منا جميعاً حتى الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبت هذه الأخطاء عندما قررنا فى يوم من الأيام تدعيم ما يسمى بالمجاهدين فى أفغانستان. وبعد ذلك لم يتم حسم الأمر وتحولت أفغانستان إلى حرب أهلية». ثم استطرد قائلاً: «حدث الأمر نفسه فى الصومال والعراق. واليوم نشاهده يحدث فى سوريا وليبيا» ( الأهرام فى 14 يوليو 2017).

والسؤال إذن:

أين الخطأ؟

الخطأ تحديداً- وقع فى بداية عام 1979 عندما قرر الرئيس الأمريكى جيمى كارتر تدعيم الأصولية الاسلامية فى أفغانستان لمواجهة الغزو السوفيتى. وفى أول فبراير 1979 عاد آية الله خومينى على طائرة فرنسية خاصة إلى ايران بعد أن كان منفياً فى باريس لمدة خمسة عشر عاماً. وفى 12 فبراير من ذلك العام حوصر موظفو السفارة الأمريكية فى طهران من قِبل الأصوليين الإسلاميين واتخذوا كرهائن، وعندئذ قررت المخابرات الأمريكية ضرورة تأسيس تحالف بين البيت الأبيض والإخوان المسلمين من أجل وضع استراتيجية جغرافية سياسية لمواجهة الاتحاد السوفيتى. وفى 9 فبراير من ذلك العام أيضا أصبح الشاذلى بن جديد الرئيس الرابع للجمهورية الجزائرية فقرر تدعيم الأصولية الإسلامية، وعندئذ استدعى من مصر الشيخ محمد الغزالى وعينه أستاذاً بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، وأمر بأن يكون له حديث دينى متواصل فى الإذاعة والتليفزيون. والجدير بالتنويه هنا أنه عندما قُتل فرج فوده فى 8/6/1992 لأنه رفض تطبيق الشريعة قال الشيخ الغزالى معلقاً على قتله: «مَنْ يعترض علناً على تطبيق شريعة الله فهو كافر ومرتد، ومن الواجب إهدار دمه أما قاتله فلا تجب معاقبته».

وفى ذلك العام نفسه، عام 1979، ذهب البابا يوحنا بولس الثانى إلى بولندا. وقيل فى حينها إن هذه الزيارة ضربة قاضية للنظام الشيوعى إذ أدت إلى تأسيس «حركة التضامن» وبعد ذلك انهارت بولندا وانهارت معها دول أوروبا الشرقية. وحينها قال جورباتشوف «إن انهيار أوروبا الشرقية فيما بين 1989 و1992 لم يكن ممكناً من غير البابا يوحنا بولس الثانى».

وفى ذلك العام نفسه تأسس فى أمريكا «حزب الأغلبية المسيحية» المعبر عن الأصولية المسيحية بقيادة القس جيرى فولول من أجل تحرير أمريكا من أى قيد على التسلح، وتأسيس شبكة دفاع عسكرية، والتوسع فى الدعاية ضد الشيوعية.ومن أجل تدعيم هذه الغاية عقد القس جيرى فولول تحالفا مع الكاثوليك واليهود والمورمون من أجل إطلاق الرصاص اللاهوتى على العلمانية. وفى 26/3/1979 أُبرمت المعاهدة المصرية الاسرائيلية فى مناخ أصولى بقيادة كل من بيجن رئيس وزراء اسرائيل والرئيس أنور السادات. وفى مواجهة هذا المخطط الأصولى الكوكبى عقدت مؤتمراً دولياً فلسفياً بالقاهرة فى نوفمبر من ذلك العام تحت عنوان «الاسلام والحضارة» ألقيت فيه بحثاً عنوانه «مفارقة ابن رشد» ومعناها أن ابن رشد ميت فى الشرق حى فى الغرب الأمر الذى دفعنى إلى محاولة تأسيس تيار رشدى عربى على غرار تيار الرشدية اللاتينية الذى تأسس فى القرن الثالث عشر فى جامعات فرنسا وايطاليا لإخراج أوروبا من الأصولية المسيحية التى كانت مهيمنة فى ذلك الزمان. وقد تم الخروج بفضل حدوث عصر الإصلاح الدينى فى القرن السادس عشر والذى يحتفل به العالم البروتستانتى بمناسبة مرور خمسة عشر قرناً على ذلك العصر، وحدوث عصر التنوير فى القرن الثامن عشر.

هذا موجز لمقال نشرته فى مجلة «المصور» بتاريخ 4/2/2003 تحت عنوان «عام 1979». وفى عام 2013، أى بعد عشر سنوات من نشر ذلك المقال، فوجئت بصدور كتاب لمفكر أمريكى اسمه كرستيان كارِل عنوانه الرئيسى «متمردون غرباء» وعنوانه الفرعى «عام 1979 هو مولد القرن الحادى والعشرين»، ومعناه أن عام 1979 هو الأب الشرعى لذلك القرن.

وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول إن الخطأ الذى أشار إليه وزير خارجية دولة الإمارات يكمن فى انصياع الدول للأصولية الاسلامية ومنحها حرية العمل فى التغلغل فى مؤسساستها بدعوى القضاء على الاتحاد السوفيتى إلا أن الأصولية الاسلامية كانت تضمر دعوى أخرى مفادها القضاء على المعسكر الرأسمالى بعد القضاء على المعسكر الشيوعى تمهيداً لتأسيس الخلافة الإسلامية على كوكب الأرض. وقد أشرت إلى هذه الدعوى فى مؤتمر دولى فلسفى اشتركت فى تنظيمه مع الفيلسوف الأمريكى جون سومرفيل فى سانت لويس بأمريكا فى عام 1986 من أجل إجراء حوار بين فلاسفة الكتلتين، وقلت فى حينها إن الأصولية الإسلامية ستجتهد فى القضاء على الكتلة الشيوعية وبعد ذلك تجهز فى القضاء على الكتلة الرأسمالية. إلا أننى واجهت معارضة ولكنها مهذبة من فلاسفة الكتلتين بدعوى أننى متشائم لأن المسار العقلانى للحضارة الإنسانية يمتنع معه تحقيق هذا الإجهاز.

والسؤال بعد ذلك:

هل كنت على خطأ؟

أظن أن الجواب حتى الآن بالنفى. وإذا كان ذلك كذلك فمن شأن ذلك أن يدفع الدول الأربع التى طالبت بتنفيذ 13 شرطاً لعودة العلاقات مع قطر بأن تكون على وعى بأن قطر لا تقف وحدها فى مواصلة السير فى ذلك الخطأ لأن مؤسسات دول كوكب الأرض تحت سيطرة المنظمات الأصولية على نحو ما ورد فى جريدة الأهرام بتاريخ 27/4/2014.ومن هنا يلزم أن تكون شروط الدول الأربع شروطاً كوكبية وإلا فقدت فاعليتها. ولكى تكون كوكبية يلزم أن تكون مدعمة بتحالف كوكبى دفاعاً عن الحضارة لأن غاية الإرهاب تدمير الحضارة حتى تستقيم أفكاره مع ما قبل الحضارة.

لمزيد من مقالات مراد وهبة;

رابط دائم: