رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تثبيت أركان الدولة المصرية

على الرغم من أن مفهوم الدولة الهشة أو الدولة الفاشلة هو مفهوم أمريكى صرف، فإنه صار أحد مقاييس الحكم على الدول بقيام مؤسسة السلام بإصدار مصفوفة سنوية ترتب 178 دولة سنويًا على مقياس مكون من 12 مؤشرًا بقيمة 120 نقطة تندرج تحت أربع مجموعات تتعلق بالتماسك القومي، والمتغيرات الاقتصادية، والأوضاع السياسية، والتفاعلات الاجتماعية، ويؤخذ هذا الترتيب السنوى بصورة جدية من صانعى القرار فى الولايات المتحدة والدول الكبرى بقصد تصميم نمط العلاقات الدولية بمختلف الدول، والتنبؤ بمصائرها وإطلاق جرس الإنذار حول مآلاتها، من ثم؛ البحث فيما إذا كانت دولة ما تعانى من أزمة أم لا، وما إذا كان مواطنوها يرتبطون ويؤيدون نظام الحكم فيها، وهل هناك خلاف على هويتها؟، وكيف يمكن إسقاطها فى حال عدم إخضاعها؟، ويؤكد ما سبق مدى الارتباط بين مراكز الأبحاث والتفكير من ناحية، وصناع القرار من ناحية أخري، وهى ظاهرة تستحق تأملها والاقتداء بها فى وطننا.

ولكى يتم تفويت الفرصة على صناعة الهشاشة ومعاول الإسقاط، وتثبيت أركان الدولة وتحصينها وزيادة مناعتها يجب تكريس قيم الولاء والانتماء والوطنية، وهى القيم التى يقاس بها التزام المرء بالدفاع عن الوطن وحمايته وتَمثُّل أهدافه الوطنية العليا، ولا تأتى هذه القيم من فراغ، وإنما تنتج عن حزمة سلوكيات تعكس أداء الدولة والتزامها بمصالح مواطنيها؛ فمن ناحية، يُنتظر من الدولة أداء الوظائف الأساسية التى أنشئت من أجلها، وعلى رأسها الإشباع والعدل والأمن، لقد صار إشباع الحاجات الأساسية أحد مؤشرات قياس نجاح الدولة أو فشلها، ويتصل إشباع الحاجات الأساسية من غذاء ومسكن وتعليم ورعاية صحية بما يطلق عليه جودة الحياة، إذ لا يكفى تحسين المعيشة بل الأهم تحسين ظروف الحياة، والمواطن يتوقع كل ذلك من الدولة، بل إنه يقبل أن يكون مواطنًا ملتزمًا إذا ما توافرت له، وإلا بحث عنها فى دولة أخري.

من هنا صارت الهجرة سمة مهمة فى النظام الدولى الراهن، أما العدالة؛ فتعنى تطبيق القانون على الكبير قبل الصغير، لأن ذلك يخلق إحساسًا راقيًا بالمساواة فى المجتمع، وأنه لا تمييز لأى سبب، هذا الإحساس يدفع إلى صيانة هذا الكيان الأقوى والأعم، وتتعلق وظيفة الحماية بتحقيق الأمن وحماية الحياة والأملاك، وهو إحساس لا يفوقه فى الدولة إحساس آخر، وهو يلقى على القوات المسلحة والشرطة مسئولية ضخمة خصوصًا فى المراحل الانتقالية من الفوضى إلى الاستقرار، ومراحل مجابهة الإرهاب، سواء كان محليًا أو إقليميًا أو دوليًا.

ومن جانب آخر؛ فإن بناء المؤسسات أو المأسسة، وهو شرط أساسى لبناء دولة عصرية، لا يقف عند مرحلة البناء، وإنما يتخطاها إلى مدى فاعلية الأداء، ولنا فى رسول الله أسوة حسنة؛ ففى محاولته بناء أول دولة مدنية فى التاريخ فى يثرب لم يكتف فقط بتحديد وظائفها فى تحقيق العدل والأمن، ولكنه قام بإرساء قواعد مؤسساتها التى تتولى أداء تلك الوظائف خصوصًا ما يتعلق منها بالوظيفة الدفاعية حينما وقع عهد المدينة بين المسلمين واليهود، وهو أشبه بمعاهدة الدفاع المشترك، التى خلقت نوعًا من التوافق حول الدفاع عن المدينة ضد أى تهديدات خارجية تهدد مصالح الطرفين، ويحدد الدستور وظائف ومسئوليات لكل مؤسسة بهدف تيسير قيام الدولة بوظائفها وربط المواطن بها، والمواطن يتوقع قيام السلطة التشريعية بوظيفتى التشريع والرقابة بنزاهة ورقي، وأن يمثل أعضاؤها القيم العليا للوطن من إيثار وتميز، ويُتوقع من السلطة القضائية تطبيق القانون بصورة عامة ومجردة وناجزة وموضوعية، كما يتوق المواطن إلى إقامة العدل كأساس للملك من قضاة أجلاء يفهمون القانون ويطبقون نصوصه.

والسلطة القضائية فى معظم دول العالم هى أساس استقرار النظام، وتمثل الحكم المحايد بين السلطات.ويتوقع المواطن الملتزم بالوطن أن تحقق السلطة التنفيذية/ الحكومة ما التزمت به من خطط وبرامج، ووجود آليات المتابعة والتقييم والرقابة والمحاسبية، ويحدوه الأمل بوجود خريطة طريق محددة بناءً على الموارد المتاحة، بالقطع يريد أحلامًا قابلة للتحقيق، لا أحلاما تسبب له الإحباط والاغتراب.

كتبنا من قبل حول أهمية تطويق واجتثاث الفساد الإدارى والمالي، إذ لا يمكن أن تستقيم الدولة فى الوقت الذى يصير فيه الفساد سلوكًا طبيعيًا يوميًا فى المعاملات، الفساد بهذا المعنى لا يقل خطورة عن الإرهاب لأنه ينخر فى بناء الدولة، ولا شك أن هيئة الرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات وغيرهما من هيئات الدولة تتولى كشف الفساد ومحاسبة مرتكبيه، إلا أن تثبيت أركان الدولة يقتضى شن حملة قومية مكثفة منظمة وشاملة لتطويقه والقضاء عليه، ولما كان الفساد يخلق ما يمكن أن يطلق عليه مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة؛ فإن المواطن ينقل ولاءه إلى تلك المؤسسات، مما يخلق فجوة بينه وبين الدولة، من ثم؛ يتحول القضاء على الفساد إلى استراتيجية فاعلة لتثبيت أركان الدولة وإعادة الولاء والانتماء لها.

ويرتبط بما سبق ويجذره توسيع نطاق المشاركة السياسية خصوصًا من جانب الطبقة المتوسطة؛ فمما لا شك فيه أن انهيارها فيما بين 2005 و2010 أدى إلى قيام ثورة 25 يناير، كما أن خوف ما بقى منها من الحكم الدينى الثيولوجى السلطوى قاد إلى ثورة 30 يونيو، وتؤكد السوابق التاريخية أن قوة وسلامة الطبقة المتوسطة تعد الأساس المتين لاستقرار ومناعة الدولة؛ ففى ظل الركود الكبير فى الولايات المتحدة فى ثلاثينيات القرن الماضي، اتجهت الإدارات الأمريكية إلى حماية وصيانة الطبقة المتوسطة، وهكذا كان الحال فى أوروبا واليابان، من ثم؛ فإن تثبيت أركان الدولة المصرية يستلزم ترسيخ وحماية الطبقة المتوسطة وحثها على المشاركة الفاعلة وإعادة ثقتها فى مؤسسات الدولة ،خصوصًا المؤسسات الخدمية وعلى رأسها التعليم والصحة، بالإضافة إلى جذبها إلى المشاركة الفاعلة مع القوات المسلحة فى جهود التنمية سواء مشروعات البنية التحتية أو المشروعات الصناعية والزراعية الكبري.

إن تثبيت أركان الدولة المصرية يقتضى كذلك تعبئة المؤسسات الجماهيرية، مراكز الشباب ومراكز الثقافة الجماهيرية والمدارس والجامعات ومراكز الفكر ووسائل الإعلام بمختلف انتماءاتها وتصنيفاتها، دون كلل أو ملل لشرح وتوضيح شكل وطبيعة الدولة التى يرنو إليها المصريون، بصرف النظر عن طبيعة التحديات التى تواجهها.

لمزيد من مقالات د‏.‏ عبد المنعم المشاط;

رابط دائم: