رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تكلفة الجهل

خبر مثير نشر فى الكويت قبل أسابيع يقول الخبر (اثنان وثلاثون عملية جراحية أجريت لاستخراج سماعات صغيرة من آذان الطلبة). طبعا تلك السماعات كانت لأجل الغش فى الامتحانات. هذا فى الكويت التى يضمن قانونها التشغيل الكامل للمواطنين، متى طلبوا الوظيفة، فكم من الحيل يقوم بها أبناؤنا الطلبة والطالبات فى مختلف درجات التعليم حتى يحصلوا على درجات تؤهلهم لوظائف محتملة.

الكم من هذه الحيل كبير ومخيف، ساعدت التقنية الحديثة فى تطوره، وفى بعضه لا يطرأ على الأذهان. لا أريد أن أضع اللوم كله على الطلاب والطالبات، ربما هناك خطأ جوهرى فى نظام تعليمنا للأبناء من الصفوف الأولى حتى الجامعة. إنه التلقين والحفظ والتسميع الذى درجنا عليه دون هضم للمعلومات أو منهج يستطيع به الفرد استخدام المنطق العقلى كى يصل إلى المعرفة. كل ذاك ينتج لنا فى المجتمع فئة من الناس ممحية (أمُيتها الهجائية) فقط. لكن لا ينتج بشرا قادرين على التعامل مع متطلبات الحياة وتغير ظروفها إلى الأحسن.

بعد أسابيع من اليوم سوف تضج قاعات المدارس والجامعات بالطلبة الجدد والقدماء على مستوى بلداننا العربية. وسوف تعاد الكرة من جديد، ونطرح مشكلات التعليم على أنفسنا، ويجتهد القائمون على التعليم بأن يحسبوا من وسائل منع الطلاب من الغش فى الامتحانات، وكيف يمكن أن يحشوا أدمغة طلابهم بالمعلومات (الضار منها والنافع) لا أن يهتموا بجودة التعليم التى من أسسها الإجابة عن سؤال مركزي: كيف نخلق جيلا متسائلا قادرا على إدارة الموارد الحالية، وابتكار موارد جديدة فى المجتمع والتعامل مع مستجدات حتى الآن غير معروفة.

مناقشة كيف يمكن أن نطور التعليم ونجوده حقيقة لا شعارا كتبت فيها الكتب وألقيت المحاضرات، إلا أن التعليم العربى فى معظمه ظل فى مكانه ينتج (جهلة بشهادات) ويستطيع أى متعصب ذلق اللسان أن يأخذ حملة الشهادات أولئك إلى جهنم التشدد والخرافة معا دون علمهم، ينقادون له انقياد الأعمى. لقد أصبح التحايل من اجل الحصول على درجات فى المدارس والجامعات (صناعة) عربية بامتياز، وكثيرا ما تسمعها فى شكوى العاملين بالتعليم ، فلابد أن هناك قضية اجتماعية اقتصادية معقدة فى التعليم عندنا تفرز ذلك السلوك.

قبل أسابيع اتخذ مجلس الوزراء فى الكويت قرارا بأن يطلق يد وزير التعليم فى متابعة وتقصى شهادات الدكتوراه المزورة التى فاض بها المجال التعليمى وغيره، حتى أصبحت أكثر من الشهادات الحقيقية. لقد أصبح بيع شهادات الدكتوراه (بيزنس) أى عمل تجارى بحت، لا يستحيى مروجوه أن ينشروا الإعلانات لجذب من يريد، ومستعد أن يدفع. وهى ظاهرة ليست فى الكويت أو دول الخليج، لكنها ظاهرة عربية بامتياز يقوم هؤلاء (المزورون) باحتلال مناصب عالية ليس فى الإدارة العامة فقط، بل وفى العمل التعليمى والصحفى والصحى و الهندسي. فيصبح لدينا (جهلة تُخرج جهلة) وقد ينتهى خطأ الطبيب أن يذهب المريض إلى المقبرة، لكن أخطاء التعليم تصب فى المجتمع لأجيال متعاقبة، عادة يتابع المجتمع من خلال مؤسسات الضبط مزورو العملة، أو المتاجرون بالمخدرات، ومن النادر أن نرى جهدا منظما من مؤسسات الضبط فى فضائنا العربى لمتابعة وكشف وتسمية (مزورو الشهادات العليات وفضح حامليها).

الإشكال الذى نواجهه مكون من معادلة شبه مستحيلة تقريبا وهى أن الطريق إلى التقدم هو التعليم، لكن أى نوع من التعليم؟

لعل من نافلة القول أن نعترف أن السلم التعليمى ما قبل الجامعى فى بلداننا العربية، كما هو فى العالم، أساس التعليم بعد ذلك، ومنه الجامعى وما بعده، وإن كان هناك عوار فى تلك المراحل الأولى ما قبل الجامعية، فانه سوف يمتد إلى ما بعدها فى التعليم الجامعى أو غيره مسايرة لحقيقة فى التراث المعرفى والقائلة (إذا تم وضع الحجر الأول فى البناء بشكل خاطئ فسوف يرتفع الجدار حتى السماء وهو مائل) وهو قول يأخذنا إلى حقيقة أن التعليم سلسلة واحدة، أهمها الأساس فى الحلقات الأولى والثانية من السلم التعليمي. كما أن نظام التعليم مكون من عدد من الحلقات، البيئة الاجتماعية\السياسية، المنهج، المدرس، التلميذ، الإدارة، وأيضا رؤية الدولة. وهى حلقات شديدة الارتباط ببعضها، تسمى بشكل كلى (المنهج التعليمي).

الانطلاقة الأولى لإصلاح منظومة التربية والتعليم تستدعى معرفة مواطن الخلل التى تعانيها تجربتنا العربية، فى أركانها الأساسية. وبهذا لا يمكن أن نحقق النتائج المنشودة من التعليم الحديث والمميز، ما لم نضع الإستراتيجية التعليمية المتماسكة والاحترافية التى تُصلح الاختلالات وترسم خريطة طريق المستقبل، إننا عاجزون حتى الآن عن فعل ذلك، حتى المؤسسات العربية المشتركة التى قصد منها (العمل على تجويد التعليم) أصبحت بيروقراطية، يُنفى إليها الموظفون من اجل أغراض مختلفة، ليس من بينها الحرص على تجويد منظومة التعليم.

ربما تعب الكتاب فى هذا المجال وحتى القراء من الحديث عن تجارب الآخرين فى كيف حقق تجويد التعليم النقلة النوعية فى مجتمعاتهم. أمر يحتاج بالتأكيد إلى تضافر الجهود ويحتاج إلى وضوح الرؤية على مستوى متخذى القرار فى الدولة المعنية وأجهزتها ونخبها الحية، لكنها عملية ممكنة، نأخذ مثالا بماليزيا كتجربة تعليمية وأيضا تجربة سنغافورة. فى أوائل الستينيات كانت سنغافورة فى أدنى مرحلة اقتصادية وكان الدخل القومى للفرد أقل من ستين دولارا فى العام وعندما ترك لى كوان الحكم فى التسعينيات من القرن الماضي، أى بعد أقل من 25 سنة، أصبحت من أعلى دول العالم فى دخل الفرد، بل أصبحت أعلى من اليابان والولايات المتحدة، فكيف فعل ذلك، وليس لديه موارد؟ لقد كان استثماره الأساسى فى التعليم وظلت الأمور فى منحنى الصعود حتى وصلت إلى ما وصلت إليه سنغافورة اليوم. وهناك تجارب أخرى فى الشرق والغرب، قررت أن تنهض من خلال (تجويد التعليم) واستثمار الإمكانات البشرية فيه. لم يعد سرا لا على الدانى ولا على القاصي، أن الأمر يحتاج إلى قرار. كثير من دولنا تفتقد ذلك القرار، لأنه صعب وغير شعبوي. بالتالى تنتشر بيننا الخرافة والتشدد الأعمى والتعصب والفقر وحتى الإرهاب.

لمزيد من مقالات د. محمد الرميحى

رابط دائم: