رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«جبرتي الصحافة»
صلاح منتصر : لو لـم يترك هيكل الأهرام .. ما كبرنا !

حوار ــ أنور عبد اللطيف
أنت فاكر أننى صرت أستاذ أنا لسه بتعلم ..وجنب أساتذتى العمالقة أنا (آااد كده)

  • الصحافة صارت فى خطر منذ اختلطت الخسارة بالأرباح
  • مطلوب إبداع فى النشر الألكترونى لتحويل تكدس العمالة إلى قوة منتجة
  • السلطان الحائر.. دليل هروب الأهرام من السياسة إلى الثقافة والآدب!
  • أنا خليط من الوردانى ومصطفى أمين وبهاء والتابعى وأنيس منصور

يدخل الأهرام اليوم السبت 5 أغسطس عامه الـ 142 من عمره المديد، وهى مناسبة لا ينبغى أن تمر دون أن نلتقى مع «شاهد على الأهرام» خلال الستين سنة الماضية، وواحد من الستة الذين استعان بهم الأستاذ محمد حسنين هيكل فى تدشين «التأسيس الثانى» للأهرام الذى منحه جرعة من الحيوية والعصرية بعد التأسيس الأول الذى وضع قواعده سليم وبشارة تقلا بصدورالعدد الأول يوم السبت 5 أغسطس عام 1876م.

ضيفنا هو صلاح منتصر جبرتى الصحافة والأهرام الذى استمر فى العمل القيادى بالأهرام منذ دخوله عام ١٩٥٨ حتى انتقاله لعمل تجربته الصحفية المتميزة فى مجلة أكتوبر، خلفا لمؤسسها الأشهر أنيس منصور، وحينما زرته لإجراء هذا الحديث بشقته على نيل الزمالك وجدت سجلا وثائقيا ومعرفيا هائلا بخط يده عبارة عن اختصارات وانطباعات على خطب جمال عبد الناصر وأنور السادات وملاحظات بخطة الدقيق المنمنم لكل المؤتمرات والندوات التى حضرها وشارك فيها، وملخصات الكتب المهمة التى قرأها منذ الخمسينيات من القرن الماضى حتى الآن، والتى كتبها فى «نوت» صغيرة أو أجندات كبيرة أو حفظها فى شرائط مدمجة بعد أن دخل عصر الكومبيوتر.

. التقيته فى منزله فأصر بشكل لفت استغرابى أن أجلس على المكتب ويجلس هو فى مقعد الضيف، وسط ثلاثة آلاف كتاب وكل مانشره فى رحلته الصحافية التى بدأت فى «الجيل الجديد» منتصف القرن الماضى وبعد انتقاله إلى الأهرام، بقسم التحقيقات ثم البترول العمودالنقدى الصغير (مجرد نصيحة) .. والإشراف على صفحة الرأى وأخيرا عموده مجرد رأى ..

انت فاكر أننى صرت (أستاذ) أنا لسة تلميذ وبتعلم ، وجنب أساتذتى العمالقة (أنا آآآد كده)..بهذه الجملة أجاب صلاح منتصر حين سألته عن روشتة نجاحه ككاتب كبير، قبل أن نعود إلى البدايات، وحكاية انتقاله لبدء التأسيس الثانى للأهرام مع ستة محررين، أولهم توفيق بحرى الذى تولى إدارة إنتاج وإخراج الصحيفة فى عهدها الجديد الذى بدأ عام ١٩٥٧، وكمال الملاخ للصفحة الأخيرة، فكانت الصفحة الوحيدة التى تم تغييرها فى أول يوم حمل فيه الأهرام اسم هيكل رئيسا للتحرير، وصلاح منتصر الذى تولى إدخال التحقيقات الصحفية للأهرام فى عهده الجديد، وصلاح هلال الذى قاد انقلابا فى التحقيقات الصحفية وجعل منها مدرسة ذات طريقة مميزة، وصلاح جلال الذى تولى إنشاء القسم العلمى والصحافة العلمية فى مصر، وفتحية بهيج التى أنشأت قسم المرأة وقد رحلوا جميعا ، وشاءت إرادة الله أن تمد فى عمر ضيفنا ليكون شاهدا على مدرسة الأهرام وكثير من الأحداث فى هذا الحديث.

يقول صلاح منتصر فى بداية الحوار: بداية لا أوافق على مصطلح التأسيس الثانى لأن «الأستاذ» نفسه لم يقطع بين القديم والجديد ولأن قوة الأهرام في أنه منذ بدأ متواصلا مع عصره سواء كان رئيس تحريره أحمد الصاوي أو سليم تقلا أو هيكل أو من جاءوا بعده..ولأن قوة الأهرام أنه حلقات متصلة لا منفصلة، يربطه الهم الوطنى وقضاياه أكثر مما يفرقه بداية مرحلة ونهاية مسؤلية رئيس تحرير، ولو تصفحت الملف الذى أمامك (سجل الأهرام فى 130 سنة) ستكتشف أن قوة الأهرام فى ربط الأحداث أكبر من قدرة الأشخاص على تجزئة تاريخه أو إهداره!



بدأ الأستاذ صلاح منتصر يقلب معى فى الملف الذى من أجل تصفحه تبادلنا المواقع، استغرق فى إعداده ثلاث سنوات انتقى فيه 150 عددا من الأهرام تسجل تاريخ مصر منذ قدمه سليم تقلا: «هذا هو العدد الأول من السنة الأولى لجريدة الأهرام المرعية بعناية الحكومة السنية» .. حتي مانشيت «الرئيس السورى حافظ الأسد فى رحاب الله» الذى فيه «فقدت الأمة العربية واحدا من أبرز زعمائها الذين لعبوا دورا أساسيا فى مسيرتها القومية»..

ـ ويواصل جبرتى الأهرام: كان تفكيرى ولا يزال ان الاهرام لكى يحتفل بـ 140 سنة أو أكثر كان لابد أن يكون له سجل يهديه لكل من يزور الأهرام من كبار الزوار .. هذا السجل لايبين فقط كيف تطور الخبر وشكل العنوان .. وكيف تطور الإخراج منذ كانت الصفحات مجرد أعمدة متراصة بحروف متن واحدة إلى أن دخلت أحجام الحروف المتنوعة والصور الصحفية والعناوين الممتدة والمانشيتات المكتوبة بحروف الجمع وبخط اليد والزحارف والاطارات والخرائط والألوان!

وكيف تطور سعر الأهرام من 5 مليمات فى أول صدوره إلى 40 قرشا فى عهد حسنى مبارك إلى أن أصبح 2 جنيه الآن .. كيف تطورت مصر نفسها وقضاياها وكيف تطورت الأحداث العالمية.

ـ منذ شاهدت هذا السجل الذي صدر فى عهد صلاح الغمرى والإشراف العام «صلاح منتصر».. تستطيع أن تستعيد تاريخ مصر والعالم فى نصف ساعة كما سجلها الاهرام «ديوان الحياة المعاصرة» ..

ـ بسعادة يقلب أستاذنا صلاح منتصر: يعنى مثلا هذا يوم تولى الخديوى توفيق وأول صورة صحفية ٣ يوليو ١٨٧٩، وهذا عنوان «سبحان الحي» يوم مات الخديو ولم يتم ذكر اسمه فى الرثاء الذى احتل صفحة كاملة، وهذه صفحة وفاة بشارة تقلا صاحب الأهرام، وتفصيلات قتل بطرس باشا غالى التى وصفها» الحادث الفظيع « .. وإعلان الحرب العالمية الأولى ودخول المانشيتات على 8 عمود ..ومجلس الشيوخ يقرر إعلان الحرب ضد ألمانيا .. وفاة سلطان مصر حسين كامل .. تسليم ألمانيا فى الحرب العالمية ثم إعلان دستور مصر

 




ويشرح صلاح منتصر:

ـ لم أكن أختار الصفحة إلا لأنها حدث درامى متواصل.. هذا نص قانون الانتخابات أول قانون انتخابات فى مصر .. وقبول إستقالة وزارة سعد باشا .. ومحاولة اغتيال سعد زغلول فى محطة مصر .. شوف صفحة وفاة «ســـعد» واخراجها .. لم يستطيعوا أن يقولوا وفاة بل قالوا «سعــــد» .. ـ يأتى بعد ذلك نعيمة القليوبى أول محامية مصرية، وهنا كل حكام أسرة محمد على ..و «الملك فاروق يتبوأ عرش مصر» وهنا أيضا زواج فاروق من فريدة ..بعد أن تعيش الأفراح مع زواج الملك تدخل الحرب العالمية الثانية.. وبدأت تظهر الخرائط فى الصفحات.. ـ شوف تسلسل الأحداث فى دراما الحرب.. مصرع أحمد باشا ماهر .. ومتابعة الحرب العالمية وقوات مونتجمرى ومصرع هتلر فى مقر قيادته ،تسليم ألمانيا وانتهاء الحرب فى أوروبا ثم روسيا تعلن الحرب على اليابان والقنبلة الذرية تمحو مدينة من الوجود .. إمبراطور اليابان يعلن استسلام بلاده .. يعنى فيه أيضا ترابط وليس تباعد بمعنى أنقلك واحكى لك باقى الحدث رغم تباعد الأحداث.. ثم النقراشى فى مجلس الأمن يعرض قضية مصر ، واستقلال الهند اخترتها لأظهر كيف أن الخبر لم يؤخذ فى الصفحة الأولى وأخذوه فى الصفحة الثانية، ثم (القوات المصرية تحتل غزة ..)

ـ شوف بعدها ؟

ـ حل جمعية الإخوان المسلمين ..فى 9 ديسمبر1948 قتل النقراشى فى 29 ديسمبر سنه 1948.. ومصرع البنا 12 فبراير ١٩٤٩..ثم الزفاف الملكى السعيد زفاف الملكة ناريمان .. ثم اغتيال الملك عبد الله وهو يؤدى صلاة الجمعة بالأقصي.. إلغاء معاهدة 36 .. حادث الاسماعيلية ٢٥ يناير 1951، وتصدى الشرطة لغدر الإنجليز.. تخيل .. منعت الرقابة أى نشر عن حريق القاهرة .. لذلك جاءت صفحة إعلان الأحكام العرفية على حدث حصل ولكن لم ينشر، بعد فترة من الحريق تقرأ اعفاء النحاس وعلى ماهر يؤلف الوزارة .. ثم إستقالة على ماهر .. ونجيب الهلالى يؤلف الوزارة ثم حسين سرى يؤلف الوزارة .

ـ فترة ارتباك .. بعد حريق القاهرة

ـ نعم .. وثائق تأليف الوزارة واستقالة وزارة سرى ..وأخيرا.. مانشيت «الجيش يقوم بحركة عسكرية» .. نزول الملك فاروق عن العرش .. ثم محمد نجيب: لا تفكير فى حل الأحزاب، ثم بعدها «حل الأحزاب» وإعلان الجمهورية.

ـ أنا ملاحظ أن صورة جمال عبد الناصر ومحمد نجيب فى اتجاهين عكس بعض .. هل يعكسان حالة الخلاف التى كانت تطل برأسها أم كان يعكس حالة طرفى أو قطبى الثورة ؟

ـ لا .. كانوا الاثنين «مش فاهمين بعض» .. بدليل عناوين .. «استقالة محمد نجيب» ثم «عودة محمد نجيب».. و«اتفاق الجلاء» ثم المحاولة الآثمة لـ«محاولة اغتيال جمال عبد الناصر فى المنشية».. ثم عنوان إعفاء محمد نجيب وأنباء عن علاقته بالإخوان.

ـ عندما تصل نهاية الدليل تعرف التاريخ صح .. ستجد عناوين مثل (مبارك أول رئيس منتخب لمصر) ثم «كارثة عربية مفزعة» عن غزو العراق للكويت.والمصائب بعدها.وعنوان (فوز زويل بجائزة نوبل) والألفية السابعة واحتفالية الهرم..بدأ مسلسل 11 سبتمبر وما بعدها.. واعتقال صدام حسين .. العالم يودع عرفات .. زلزال بالغ العنف يضرب جنوب آسيا .. إغتيال رفيق الحريرى .. و ..الرئيس السورى حافظ الأسد فى رحاب الله، كما قلت خط درامى .. قصة .. رواية، بدأت ومستمرة بما يحدث الآن لسوريا.

ـ تاريخ مصر والعالم فى خمس أو ست حكايات لا يقدر عليه إلا الأهرام

ـ لذلك مصطلح التأسيس الثانى يتعارض مع فكرة أن الأهرام طول عمره كان تاريخا متواصلا ومستمرا مع تحديثات حسب العصر .. عصر التكنولوجيا وعصر الألوان وعصر الملكية والجمهورية والثورات

ـ هل نستطيع أن نقول مراحل ذروة إحداها بعد وفاة بشارة تقلا آخر المؤسسين فى 1901 .. وثانيها مرحلة هيكل حين بدأ عصرا جديدا بذروة جديدة؟

ـ لايوجد جرنال يصل الذروة لأن الجرنال عبارة عن صدور فى زمن والزمن لا يتجمد بل يتطور .. والأحداث هى التى تفرض عملية تغيير الرؤية ..

قلت: تفضل ياأستاذ يا ناظر فى أول مدرسة تعلمت فيها كيف أمسك القلم?

ـ ضحك صلاح منتصر وقال: أنا تلميذ حتى اليوم أوعى تفتكرنى «أستاذ» .. عاصرت العمالقة فأنا بجوارهم تلميذ «أد كده» ..وواصل قراءة الأحداث والحديث: هيكل يوم أن دخل الأهرام فى 31 يولية سنه ١٩٥٧، بيسألوه الأهرام شكله إيه بكره، قال لهم مثل امس ومثل الشهر اللى فات .. لم يغير إلا صفحة واحدة أصبحت مصدر تقليد وهى «من غير عنوان» لكمال الملاخ .. واستمر شهرا كاملا بلا أى تغيير، حتى بدأ يغير فى الصفحة الأولى .. وكان أهم ميزة فى مدرسة هيكل، إعتباره الصفحة الأولى هى فترينة الصحيفة، بما يعنى صياغة أخبار الصفحة الأولى بطريقة تختلف عن باقى الصفحات، لايكون بها أى كلام ولا أى خبر .. لو راجعت أهرام هيكل باستمرار ستجد لا بد أن يكون فى الصفحة الأولى خبر انسانى أو قصة إنسانية ..

أنا أول خبر كتبته فى الأهرام كان مانشيت (فاز بأعلى الجوائز ومات عند استلامها).. صديق أخذنى سبق الخيل فى نادى الجزيرة .. فيه حصان « فافورى « متوقع مكسبه .. وحصان « أوت سايدر» .. لا يتوقع فوزه .. الذى حدث أن واحد لعب على حصان «أوت سايدر» وكسب مبلغا كبيرا جدا، وأثناء وقوفه لصرف الفلوس التى كسبها مات، وده كان أول خبر كتبته فى الأهرام .. مانشيت 8 أعمدة .. كان فوق المانشيت الرئيسى لأن هذه هى القصة الإنسانية.

ـ هذاعن أول خبر كتبته فى الأهرام ماذا عن مسيرتك فى الصحافة؟

ـ مسيرتى فى الصحافة بدأت من البيت .. قرأت قصة لإبراهيم الورداني، جننت بها، وقلت سأكون صحفي، جذبتنى القراءة وعبقرية الكاتب أخذتنى من العالم الذى أنا فيه وجعلنى أجلس أمام الجرنال ولم أغادره حتى قرأت الصفحة كاملة .. لدرجة قلت (ياسلاااااااام) الكتابة مهنة جميلة جدا، أنا سأكون صحفي.

ـ قررت أن تكون صحفى تكتب مثل الورداني، وتمر الأيام وتكتب مقدمة كتابه (فلاح فى بلاط صاحبة الجلالة) عن الوردانى كيف كتبتها؟

ـ سأريك المقدمة.. هو بيكتب قصة حياته .. وأنا كتبت عن علاقتى به وفى الأخر أقول « وفى كتابات ابراهيم الوردانى خلال هذه السنين تعلم الكثيرون منه حلاوة الكتابة ولكن هاهى الأيام تجرى ،والتلميذ يقدم كتاب أستاذه .. تفضل ياأستاذ يا ناظر أول مدرسة تعلمت فيها كيف أمسك القلم..

ـ طيب هذا هو ناظر أول مدرسة تعلمت فيها.. الآن صرت ناظر المدرسة؟

ـ..كتير لايعرفوا ولم يعاصروا توفيق الحكيم ونجيب محفوظ واحسان عبد القدوس وزكى نجيب محمود ويوسف ادريس وصلاح طاهر وبنت الشاطئ وأحمد بهجت.. عاصرتهم وتعاملت معهم .. وكنت ماسك صفحة الرأى التى يكتب فيها معظم العمالقة، انا تلميذ الى اليوم لأن هذا علم لايتوقف .. ـ أرى أن التطور أكبر من أى تجمد والصحافة المصرية تنفرد بأنها صحافة قومية وخاصة وحزبية، تعانى مشاكل مادية، وطول عمر الصحافة تحكمها قاعدة «تخسر تقفل» ، كان فيه مجلة اسمها الأثنين توزيعها وصل 120 ألف نسخة .. أيام أن كانت مصر 14 و15 مليون نسمة، وكان رئيس تحريرها مصطفى أمين، خسرت فأغلقت .. الجيل الجديد ـ وأنا أول شغلى كان فيها ـ قفلت .. أصدروا جرنال إسمه حوا اتفقل .. لكن منذ الثورة لم يغلق جرنال واحد، فالخسارة والمكسب ترمومتر القراءة ترمومتر التوزيع والصحافة .. أنت بتقدم سلعة لا تجد رواجا ومستمر فيها .. الصحافة صارت فى خطر منذ اختلطت الخسارة بالارباح، بمعنى أنه اذا اصبحت الشركات الخاسرة تصرف ارباحا .. لاتعجب اذا وجدت الصحف الخاسرة تصرف ارباحا!

ـ ماهي الروشتة لتواصل الصحافة رسالتها أمام النشر الألكترونى إذا صارت دورتها مكسب وخسارة وإغلاق ؟

ـ المشكلة الكبرى فى الصحافة المصرية بأمانة شديدة جدا عدد العاملين فيها فهو عقبة أمام أى محاولة إصلاح، فأى سياسة إدارية ناجحة هى التى تحول العمالة الضخمة الى قوة منتجة.

ألاتخاف من النشر الالكترونى على الصحافة الورقية.. أم ممكن ترويضة؟

ـ لا هناك خطر آخر أن النشر الالكترونى سيجعلك تصدر طبعات متكررة على مدى اليوم لأن لديك وحش قادم هو الفيس بوك وتويتر لايترك لك اى شيء ، يعلن خبر وفاة الناس قبل موتهم، مطلوب إبداع لتحسين شكل وطريقة تقديم الخدمة الصحفية

وهل شهدت بداياتك مع الصحافة مثل هذا الإبداع؟

ـ فتح صلاح منتصر ملفا وقال: أول تحقيق عملته عن القصور الملكية كتب هيكل عنوانه: الشعب يجلس على العرش، اصطحبت فلاحا كان اسمه سليم وزوجته إلى قصر عابدين لأول مرة، وجلس الفلاح على كرسى الملك، وأجرى اتصالا هاتفيا ببلدهم، وجلست زوجته على كرسى الملكة، وتحتهما جلس طفلهما الصغير محمد و«قضى حاجته» فى الحمام الملكى ..وأعادت مجلة نصف الدنيا المتميزة نشر الصور مؤخرا، وعندما ذهبت اخبار اليوم خصصنى مصطفى أمين ضمن مجموعة نقدم جريمة كل أسبوع ..قلت لنفسى الناس تسجل الجريمة بعد وقوعها، لماذا لا نسجلها قبل وقوعها.. وطلعت أخبار اليوم بمانشيت «هذا الرجل ذاهب ليقتل زوجته الساعة 11 صباح اليوم» .. كان اسمه عصام وجواهرجى .. وتم القبض عليه طبعا، اتذكر أول مرة دخلت آخر ساعة كان هيكل رئيس التحرير مسافر كوريا وكنت أديرالمجلة فى غيابه ونزل مصطفى أمين يطمئن (وقلد صلاح منتصر أستاذه مصطفى أمين بصوته وهو يرمى المعلومة ويمشى قائلا: (هه .. هه.. الخدامة بتاع زينب الوكيل بتطالب بحبسها) .. ثم تركنى ومشى ، جلست وفكرت: يعنى الخدامة أكيد هاتقدم شكوى فى قسم الشرطة ، وزينب الوكيل تسكن فى قصر النيل، وذهبت إلى قسم شرطة فى قصر النيل وسألت عن محضر فى القسم وجدته ونشرته بالنص.. هذه مجرد نماذج للابداع.

ـ عملت مع اثنين من القمم مصطفى أمين وهيكل.. هل شخصية وثقافة رئيس التحرير تحدد مسار العمل الصحفى ؟

ـ الصحافة فى ذلك الوقت لم تكن سهلة كانت مقالات الرأى محدودة جدا، وكان الرقيب يجلس على رأس ترابيزة العمل، وكنا نتسلل لنعرف قائمة الممنوعات، وكان التحدى أمام الأهرام أن تغادر المقالات هروبا من الرقابة، واتجهت الصحف إلى الفن والجريمة كنوع من الهروب.

ـالإبداع إذن مطلوب؟

شوف أحد أسباب نكبة الصحافة بصورة عامة جاءت بعد فترة الانفصال بين مصر وسوريا، وارجع من فضلك ـ وانت غاوى وثائق ـ وارجع لملف هدى عبد الناصر سنة ١٩٦١ ، حين انكفأت مصر إلى الداخل وفى أول اجتماع عقده عبد الناصر بعد الانفصال، اقرأ أرجوك المحضر، واعرف ماذا حدث للصحافة بعد ذلك أرجوك اقرأ بنفسك حتى لا أكون متجنيا!

ـ أنا راضى ذمتك .. ماذا قال ؟

ـ يضحك الأستاذ صلاح ويجيب: الرئيس عبد الناصر يحدث عبد القادر حاتم وزير الإعلام ( حاتم مش عاوز الصحفى الذى يذهب إلى الوزارات ويقابل ده ويقابل ده، اعمل مكتب يزود الصحفيين بالمعلومات والبيانات المطلوبة) .. منذ هذا التوجيه تقلص دور الصحفى (يعمل أيه ياعيني) وتعاظم دور المكتب والنشرة، حتى وصلنا إلى ماوصلنا أليه..

ـ فماذا فعل الأهرام؟

ـ الأهرام انفرد بحيلة جديدة تماما هى نشر القصص والروايات والمسرحيات لذلك ضم اليه عددا كبيرا من الكتاب والمبدعين.. وظهرت أولاد حارتنا كمادة متميزة فكريا ، لم يظهر فى زمان عبد الناصر مقالا انتقده فيما عدا مقال جمال العطيفى عن جريمة عدم إصدار جريدة الوقائع المصرية التى تحمل قوانين تطلب الدولة عدم معرفة الناس بها، وسجن بسببه كام يوم ، وتوفيق الحكيم كان يهرب أيضا إلى الأدب كتب بنك القلق، عندما أصدر محافظ القاهرة قانون تخفيض الاجارات ثار الملاك فقيل لهم «القانون فى إجازة»، فكتب الحكيم بنك القلق لتجيب عن سؤال، هل الحاكم يحكم بالسيف أم بالقانون؟!

ثم كتب أيضا مسرحية السلطان الحائر عبارة عن هروب إلى العصر المملوكي (وتدور أحداثها حول سلطان ملأ الدنيا عدلا ورخاء وحرية وخفض الضرائب لكن احد المشككين أفتى ان هذا الحاكم بلا شرعية، لأنه كان عبدا للحاكم السابق ولم يعتقه قبل توليه الحكم، فعرض السلطان الأمر على القضاه فاشار احدهم بقتل هذا المشكك والرعية ستغفر للحاكم المحبوب وتنسى الأمر، ورأى ثانى ان يباع الحاكم فى مزاد ثم يحرر ويشترط فيمن يشتريه من الرعية ان يحرره ثم يولى الحكم مرة اخري، ولابد حتى يكون سلطانا محبوبا أن يحرر العبيد أولا قبل أن يصير سلطانا عليهم، ويقع فى حيرة هل يستعمل القوة أم يستعمل القانون.. وفى النهاية يختار الحاكم أن القانون ).

ـ هل صارت حيلة الأهرام فى اللجوء إلى الثقافة مدرسة صحفية تخرج فيها الكثيرون قبل خروج الأستاذ من الأهرام فى عام ١٩٧٤..؟

ـ قاطعنى الأستاذ صلاح: سأقول لك حقيقة لأول مرة.. لو لم يخرج هيكل من الأهرام ما كنا كبرنا !

ـ اشرح يا أستاذ ؟

ـ كنا فريق كل مؤهلاته أن يعمل بجد وإخلاص، هيكل شافنا واحنا صغيرين شاف صلاح منتصر بالشورت وشاف مكرم محمد أحمد محرر صغير بالشورت فى الحوادث وجاب ابراهيم نافع بالشورت أيضا من الجمهورية محرر صاعد، كنا هانفضل فى نظره العيال الصغيرين بشورتات، كان يأمرنا ويعلمنا ونحن نتعلم، طبعا لأن المحرر طبيعته البشرية تغلب اذا كان رئيس التحرير فالصو فهو يستهين بالعمل أما إذا كان رئيس التحرير قوى وفاهم شغله فالمحرر يحترم العمل ويتعلم ويحاول يحسن من أدائه، لذلك كان من حسن الحظ أننى تعاملت مع رؤساء تحرير من النوع المعلم دائما.

ـ ولما خرج هيكل من الأهرام ماذا جري؟

ـ كبرنا في السن.. وأيضا صار مكرم رئيسا لمجلس إدارة دار الهلال، وصلاح منتصر رئيسا لدار المعارف وإبراهيم نافع انطلق وأصبح مكان هيكل رئيسا لمجلس الادارة ورئيسا لتحريرالأهرام، أقول لك بأمانة هذا حكم الطبيعة البشرية، انا أعتقد أن من أسوأ ماتعرضت له الصحافة هى طول مدة رؤساء التحرير، لأنهم قضوا على جيل أو جيلين، وقد كنت حريصا على أن أسلم المسئولية حينما بلغت سن الستين مباشرة.ين!

ـ لكن لابد أن يبقى الكبير برؤيته وخططه وتجربته، أحيانا اكتب المقال فى عشر دقائق، ويتعجب البعض سرعة الكتابة ويقول: صلاح لا يعطى غير عشر دقائق فقط، وهو لا يعرف أننى قبل أن أصل إلى هذه الحال أنفقت خمسين سنة من عمرى فى القراءة والخبرة والتجربة وأعطيها للقارئ حتى أنجز المقال فى عشر دقائق!

(وعاود الأستاذ صلاح النهوض..ومشى بسرعة وفرح وهو يتحسس مجموعة أرفف فى مكتبته وفتح عدة صناديق طولية وأخرج منها مجموعة «نوت» صغيرة كل واحدة مدون عليها تاريخ اليوم والشهر والسنة).. وقال: دول أربع صناديق من نفس النوع كل حاجة كنت أسجلها .. ثم هناك مرحلة الكروت كنت أسجل عليها قبل ذلك ثم أشار إلى رف آخر: وهذه مرحلة الملفات كله بخط يدي

ـ منذ متى بدأت كل مرحلة؟

منذ عام 1974 كنت ذهبت إلى اليابان واشتريت هذه النوت الصغيرة، وقبلها عشرة آلاف كارت كتبتها ، هنا 140 كارت وهنا 97 كارت ب ٩٧ معلومة .. أى اجتماع حضرته للرئيس مسجله، أى قعدة مع أى واحد مسجلها .. أى زيارة لأى دولة مسجلها أى ندوة لأى موضوع أو مناسبة مسجلها..مع ملاحظاتى الخاصة التى قد لا تنشر،

ـ أنت تعبت من التقليب ومن الحديث الممتع لي!

ـ دى متعتى ودى ثروتي..

( ثم راح صلاح منتصر يقرأ ملخصات وعناوين بخطه: هيكل الحياة والحرب، محاوراتى مع السادات، قضية اللغة العربية، بارونات الصحافة جميل عارف، الاذاعة شاهد على العصر، كتاب لاغالب ولا مغلوب ، هيكل الحياة والحب عادل حمودة، هيكل أحاديث العاصفة، سلام الأوهام، طريق أوسلوا، أبو مازن ، مذكرات مادلين أولبرايت..)

ـ جانب كبير جدا من المكتبة عن الأستاذ هيكل إلى أى مدى تأثرت بالأستاذ هيكل ؟

ـ فرد باستغراب: أستاذى يا أخي!

ـ «أنت تلميذ لمن..» سألتها مرة للأستاذ هيكل!

ـ أنا دخلت الصحافة بسبب تحقيق قرأته لإبراهيم الوردانى حين استولى التحقيق على كل كيانى بإسلوبه الممتع حرك مشاعرى قررت أن أمتهن هذه المهنة التى تسحر الإنسان، كما أننى خليط من محمد التابعى ومصطفى أمين وإحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين، أخذت من كل واحد ميزة ، لذلك ممكن تلاقى جملة، ولكنى لست أسيرا لقالب شخص،

وواصل الأستاذ صلاح بفخر يعدد أساتذته وهو يقول:

أخذت من بهاء كتابة العمود، أن تبدأ بما يأتى على لسانك فورا الجملة التى تشوفها قولها، اخذت من إحسان الرؤية الوصفية للمكان ورغم أن المساحة التى أكتب فيها صغيرة لكنى أقدر أصطاد جملتين أو تلاتة..

ـ وإبراهيم الورداني؟

ـ من الوردانى «الانسانية» مثلا عمود الأمس «فرحة الرئيس» استعدت فيه ما تعلمته من طريقة الوردانى ..فى وصف لقاء السيسى بالشباب فى مكتبة الإسكندرية، « وياله من مشهد .. وفرحة القلب التى تشع من عينيه وهو يستقبل المبدعين الذين يتم تكريمهم . فهو يكرم الفقر فى كفاح مريم فتح الباب ابنة حارس العقار .. و «ياله من مشهد» عندما وصل ياسين القاعة حاملا بريد المواطنين بابتسامة تعكس أجمل مشاعر الرضا ليلقى نفسه بين أحضان الرئيس الذى قال له :«أنا باتشرف بيك » . كلام كبير جدا من إنسان قبل أن يكون الرئيس !

ـ وأنيس منصور ؟

ـ أنيس فيه الرشاقة فى الأسلوب وقدرته على التعبير عن الموضوع الصعب بأسلوب سهل، فى فترة تغطيتى البترول التى استمرت عشر سنوات عرفت كيف أكتب الموضوع الصعب بأسلوب سهل.

ـ كتبت العمود الصغير مجرد نصيحة وكتبت المقال التحليلى والعمود السريع

ـ وكتبت البخت هه.. هه.. هه..

ـ ماهى السمة الأساسية التى تربط كل كتاباتك؟

ـ أن تكون مخلصا فيما تكتب هذا سر النجاح!

ـ مائة سنة تمر اليوم على ميلاد يوسف إدريس كنت أعرف أن العلاقة بينكم كانت ناقر ونقير خاصة بعد أن بدأ ينشر حلقات «البحث عن السادات» فى الخارج يتهم فيه السادات بالضلوع فى مؤامرة على نصر أكتوبر بالثغرة.. أنت حر فى الإجابة ولكن .. مهنيا ماذا أخذت منه؟

ـ أخذت من يوسف شقاوته،

كنت مسئولا عن الرأي، مقالته كانت حلوة وممتعة وشيقة، لكنت فيها جملة أو كلمة «لا سعة»..، وكانت كل مهمتى ألا أغير المعني، ولكن أغير اللفظ الجارح إن وجد، وكان يوسف يصور المقال الأصلى حتى يعرف ماذا غيرت ثم يأتينى فى اليوم التالى مازحا ضاحكا ويقول: يا أخى أنا أقرأ المقال أقول ده مقالي.. لكن أنا حاسس انه مش بتاعى !

ـ نختم بعلاقة الأهرام والسلطة .. قبل ثورة يوليو لم تكن بها حوارات مع الحاكم؟

ـ قبل الثورة كانت مصادر الأخبار السراى والمندوب البريطانى ورئيس الوزراء والوزراء فكان عندك تشكيلة مختلفة من المصادر ومن وظيفة الصحافة الإخبار، وتغيرت الوظيفة وصارت جزءا من النظام بعد الثورة واختصرت المصادر فى مجلس قيادة الثورة، وبعد تولى جمال عبد الناصر انحصرت دائرة المصادر فيه، وكان الاستاذ هيكل يعرف كيف يأتى بالخبر، وبعض الوزراء ابتدوا يخافوا ويضيقوا بالنقد !

ـ والرئيس السادات؟

ـ ظهرت فى عصره الحرية إلى حد ما..!

ـ والرئيس مبارك ..؟

ـ سأختم بحكاية طريفة سمعتها منه أكثر من مرة ، عندما بدأنا نكتب المقالات النقدية للوزارات كان الوزراء يستعدوه على الصحفيين، فسمعته يقول مستغربا من الوزراء الخوافين : كل واحد تهاجمه الصحافة يقول لى مش قاصدنى أنا ياريس دول قاصدين هيبة الدولة والنظام، وكل اللى الصحافة تمسك عليه حاجة وتنتقده يقولى دول قاصدين النظام، (ملعون أبو النظام).. ماتدافع عن نفسك يا أخى !

ـ والآن .. أستاذنا.. كل سنة وأنت طيب.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق