يتطلب تحديد السياسة المائية لمصر، وفق التدفقات المائية المتاحة سواء سطحية أو جوفية؛ تنوع طرق ترشيد الاستهلاك، فضلا عن إدارة تلك الموارد بمستوى عال من الكفاءة، مع ضرورة إشراك البحث العلمي؛ لرفع درجة الاستفادة من المنابع المائية إلى أقصى درجة؛ كى تتم مواجهة زيادة الطلب على استخدامات المياه، خاصة مع تنفيذ المشروع القومى للتوسعات الزراعية، ضمن المليون ونصف المليون فدان؛ لمواجهة نقص الغذاء، والإيفاء بالمتطلبات الغذائية، بعد الوفاء بالشروط اللازمة، وعددها 13 شرطا، وضعها الخبراء.
هذا ما أكده الدكتور محمد ابراهيم جاد، أستاذ الهيدرولوجيا بمركز بحوث الصحراء وعضو اللجنة المشكلة لمشروع المليون ونصف المليون فدان، مشيرا إلى أن الأمر يتطلب تضافر الجهود لإنجاح هذا المشروع، كاشفا أنه تم من خلال 13 خبيرا مشاركا فى اللجنة وضع 13 شرطا لتنفيذ المشروع، على ثلاث مراحل، فى مناطق الفرافرة وجنوب الداخلة والمغرة، التى تقع فى المنطقة ما بين منخفض القطارة ووادى النطرون وقرية الأمل بالإسماعيلية ومنطقة غرب المنيا، على أن يتم رى 80% من تلك المشروعات بالمياه الجوفية، و20% من نهر النيل.
شروط المياه
كان أهم شروط اللجنة، بحسب الدكتور جاد؛ أن يتم حفر الآبار، وفق دراسات علمية، وتطبيق معايير «السحب الآمن»، وتحديد المسافات البينية بين كل بئر وأخرى من خلال إعداد نماذج محاكاة مع الاستفادة من تلك المسافات فى إنشاء خدمات، ومرافق، ومساكن.
ويوضح أنه حتى الآن تم حفر آبار تكفى 300 ألف فدان، مضيفا أن موارد مصر المائية من نهر النيل حصة ثابتة منذ عشرات السنين بجانب بعض الأمطار فى الساحل الشمالى الغربى والشرقى والخزانات الساحلية، وكلها تقترب من 1.5 ملير متر مكعب؛ لكن معظمها يذهب للبحر، ولا تتم الاستفادة منها، إذ إنها تحتاج لإنشاء السدود، والهدارات.
ويضيف أستاذ الهيدرولوجيا بمركز بحوث الصحراء أن متوسط احتياج الفدان المستصلح يصل إلى خمسة آلاف متر مكعب من المياه، وأن المليون فدان يحتاج إلى خمسة مليارات متر مكعب، وأنه مع اتباع سياسات الترشيد الزراعى لأعلى درجة تصبح ثلاثة مليارات متر مكعب لكل مليون فدان، مشيرا إلى أن السيول لا تحدث كل عام، وبالتالى فإن البديل هو المياه الجوفية.
خزانات جوفية
وفى استعراض سريع للخزانات الجوفية فى مصر يوضح عضو اللجنة المشكلة لمشروع المليون ونصف المليون فدان، أنه توجد لدينا ستة خزانات جوفية غير متجددة باستثناء خزان الوادى والدلتا الرباعي، الذى يستمد التغذية بواسطة تسريبات من النيل عن طريق الترع والقنوات.
وأيضا يُوجد، وفق قوله، الخزان النوبى العميق، الذى يغطى الصحراء الغربية، وهو أكبر حوض ارتوازى على مستوى العالم، ويمر بمصر وليبيا والسودان وتشاد، مضيفا أن منابع التغذية تجيء له من بحيرة تشاد من خلال تسريب مائى لكن رحلة المياه هذه تستغرق نحو 20 ألف سنة، لذلك فهو غير متجدد، ويمثل مخزونا عظيما قيمته 70 ألف مليار متر مكعب، ومساحته مليونا كيلومتر مربع.
ويردف أن نصيب مصر هو ربع كمية المياه على مساحة 730 ألف كيلومتر مربعة، لكن تكلفة استخراج المياه من الخزان قد تصل إلى خمسة ملايين جنيه للبئر المتدفقة، التى تكفى لزراعة 236 فدانا، لذلك لا بد من الحفاظ على الضغط الطبيعى الذى يدفع بكميات المياه المحبوسة داخل الخزان الجوفي.
شروط.. ومعايير
ويشدد «الدكتور جاد» على أنه لا بد كذلك من الحفاظ على الخزان الجوفى بمصر من خلال السحب الآمن للمياه وفق معايير محددة لضمان التوازن بين ضغط الصخور والمياه؛ لجعل البئر متدفقة، ولتقليل التكلفة.
ويتابع أنه أُجريت فى الستينيات من القرن الماضى دراسات بحثية عدة للخزان النوبي، وأنه تم تحديد معايير السحب الآمن، مشيرا إلى أن وزارة الرى هى المنوط بها المسئولية عن مراقبة السحب للمياه الجوفية، وإعطاء الموافقات لحفر الآبار، مؤكدا أنها خزان واعد بشرط حسن استخدامها.
ويحذر من أن خطورة السحب الجائر تكمن فى وجود مياه مالحة تحت هذا الخزان، وأن حدوث أى اختلال قد يتبعه حدوث نوع من التفريغ بين الحبيبات البينية لطبقات الأرض، مؤكدا أنه من خلال نموذج المحاكاة يمكن تحديد مستوى الحفرللآبار.
ويستطرد أنه يوجد خزان واعد هو الحجر الجيرى المتشقق، الذى يمتد من السلوم حتى المنيا لكن مياهه مالحة (خمسة آلاف فى المليون)، لكن تمكن زراعة أشجار الزيتون والنخيل، التى تتحمل الملوحة، إلا أن الخضراوات والفاكهة لا يمكنها تحملها.
ويؤكد أن البحث العلمى يسعى الآن لتوفير زراعات تتحمل تلك الملوحة مثل المانجروف والجاتروفا والجوجوبا، التى أمكنت زراعتها فى السبخات، وأنه تم تطبيق ذلك من خلال المحطات البحثية للمركز.
ويختتم الدكتور جاد حديثه مشيرا إلى الخزانات الساحلية، التى يستخدمها البدو فى سيناء والساحل الشمالي، وهى عبارة عن أماكن لتجمعات المياه، والصحراء الشرقية، موضحا أن نصفها يتبع الخزان النوبي، والآخر يتبع الأخدود العظيم حيث يتجمع الجليد أعالى جبال البحر الأحمر، ويذوب مع ارتفاع درجات الحرارة، وينزل فى شكل مياه يستخدمها البدو.
أما الخزان الجوفى السادس، وفق قوله، فهو خزان القاعدة، وهو عبارة عن صخور نارية بها تشققات تستوعب المياه الساقطة من السيول، ويوجد فى خليج السويس حتى حدود مصر مع السودان، ويستخدمه سكان هذه المناطق من البدو، حسبما قال.
رابط دائم: