لمن قد لا يعلم فإن في مصر 233 مدينة و184 مركزا، موزعة جميعها على 27 محافظة، فيها 4655 قرية ونجعا وكفرا تحتاج كلها إلى ثقافة حقيقية تدخلها بنورها وروحها وحياتها ليس فقط من أجل الاحتشاد أمام قوى الاٍرهاب والشر والتآمر بتغيير نظرة الناس إلى ما يدور حولهم في واقعهم، ولكن أيضا بأن تقدم لمصر شعبا مختلفا يستطيع المشاركة في البناء، قادرًا على فتح حضنه للمستقبل لبناء الدولة التي نحلم بها.
في الريف الآن مئات الآلاف بل ربما الملايين من أجهزة التليفزيون، ولا بأس بالراديو، فهو صاحب رسالة لا يستطيع التليفزيون الآن أن يؤديها بقنواته الفضائية والخاصة تحديدا والتي يحاول بعضها أن يدس السم في العسل وما أسهل أن تصل إلينا ولا يستطيع تليفزيوننا الوطنى مواجهتنا لا ببرامجه ولا بمتحدثيه ولا بمسلسلاته وكلها كما نعلم قد تنجح أو تفشل أو أن تصيب وتخطئ فيما تقدمه. والذى أسعى لمحاولة اثباته هو أن المسرح أبو الفنون لم يعرف طريقه حتى اللحظة إلى ريفنا وهو القطاع الأعظم من هذا الشعب الذى لا يستطيع بكل تأكيد أن يذهب إلى المسرح لأنه ربما يسمع عنه ولكنه لا يعرفه فلماذا إذن لا يذهب المسرح إليه بكل ما في المسرح من فنون العرض والدهشة والفرجة والتوجيه والتواصل وبناء الشخصية الجديدة التي نحاول زرعها في بلادنا والتي تستطيع أن تعبر واقعها إلى مستقبلها..
ولا شك أن نهضة كهذه الآن قد تكون البداية لثورة ثقافية جديدة تغير وجه الحياة في مصر ونحن مقبلون على بناء الدولة العصرية بكل معنى الكلمة. لابد الآن وبسرعة أن يتم التعاون والتنسيق بين وزارتى الثقافة والإدارة المحلية وربما أيضا التنمية المحلية ليصبح لنا بداية 233 مسرحا تغطى كل مدن الجمهورية في مئات قصور وبيوت الثقافة فيها لتبدأ تستقبل فرق المسرح الصغيرة والمقاتلة بفنانيها وفنييها وأدواتها البسيطة وفق جداول تقدمها إدارات العلاقات العامة في كل المحافظات بالخريطة التي ستتحرك عليها هذه الفرق في كل المدن والقرى بكل محافظة. لن يحتاج الأمر إلى أكثر من مكان قد لا يتجاوز عشرة أمتار لنصب الكواليس البسيطة ووضع منصة المسرح وهى طبلية خشبية ترتفع فوق الأرض ثلاثين سنتيمترا تقدم عليها بعض الأعمال المسرحية البسيطة المختزلة من أعمال كبار مؤلفيها السابقة أو من التأليف الجديد من واقع سمات المكان ومشكلاته وهمومه للجيلين الثاني والثالث وربما أيضا من جيل جديد من الكتاب قد تكشف عنه اللحظة من أبناء هذه المحافظات.
من هنا يلوح لى أننا قد نبدأ فكرة هذا المشروع بما سبق ونبه إليه الدكتور على الراعى رائد نهضتنا المسرحية في الستينيات في كتابه «الكوميديا المرتجلة في المسرح المصرى» (دار الهلال) وفيه يحكى عن جيل الهواة الذين كانوا يقدمون أعمالهم في المقاهي أو الموالد أو حفلات الأعراس. سنتقدم خطوة ليكون المشروع أكثر جدية فيذهب المسرح إلى الريف الذى لا يستطيع الحضور إليه بمجموعتين احداهما الوجه البحري والثانية الوجه القبلي.
سيحتاج الأمر بالطبع إلى البدء بمخاطبة محافظى مصر الـ 27 لتجهيز الخرائط للحركة مع أتوبيس واحد ليحمل كل فرقة مسرحية طوال فترة رحلتها بين مدن ومراكز المحافظة. قد تلحق بهذين الأتوبيسين بعض السيارات من وزارة الثقافة وفيها الكتب من مخازن هيئة الكتاب لتقديمها إلى أبناء هذه المدن والمراكز التي تعمل فيها الفرق المسرحية الجديدة على سبيل الهدية أو حتى البيع بالسعر الرمزى المخفض. لابد أخيرا أن نختار قيادات هذه القوافل الثقافية الجديدة أو أيا ما كان اسمها الذى ستحمله. سيكون قادة هذه الفرق المسرحية أو هذا المشروع الثقافي من المتمرسين في فن المسرح الذين سيقبلون ولا شك فكرة التطوع في هذا المشروع الوطنى الكبير.. وقد أضيف في النهاية فأقول قد نتفق على أن دور أجهزة الثقافة في البلد النامى لابد أن تختلف كل الاختلاف عن دورها في الدول المتقدمة التي تزدحم فيها المسارح بتقنياتها الفنية المتطورة في الدراما والاستعراض والباليه والريستال الموسيقى والتي يحتشد فيها الملايين من أجل بضع ساعات من المتعة الراقية، أما في الدول النامية فإننا بكل تأكيد لابد أن نبدأ مشروعنا من هنا من عمق الريف المصرى في الأقاليم حيث الملايين من أبناء هذا الشعب..
فهل يمكن في النهاية أن ينجح هذا المشروع أم أنه سيلقى نفس مصير مشروع أستاذنا يحيى حتى في ستينيات القرن الماضى الذى لم يستطع فيه أن يزحزح كتب هيئة دار الكاتب العربي من مخازنها في الهرم الى مدارس وزارة التعليم؟!
أرجو الله أن ينجح هذا المشروع هذه المرة..
لمزيد من مقالات سامى فريد رابط دائم: