لم تكن القومية في يوم من الأيام ـ ولا ينبغي أن تكون ـ موضة.. تظهر علي السطح وتختفي بين الحين والحين، لكنها عقيدة متجذرة في التاريخ والجغرافيا صقلتها تجارب الأزمنة بقدر ما أضافت إليها التفاعلات الإنسانية من حيوية ومرونة.
وفي عالمنا المعاصر، فانه توجد شعوب تعتز بقوميتها ـ وهذا حقها ـ وتوجد شعوب أخري تنقب في ركام الزمان عن قومية تنتسب إليها.. بينما ـ وهنا المفارقة ـ توجد الشعوب العربية التي تنعم بقومية ذات جذور عميقة أصيلة ورغم هذا فانها لا تعطيها الاهتمام الواجب الدائم والاعتزاز المستمر المستمسك بها، وتكاد ـ تحت ضغوط الآخرين ـ تهملها.. ولكن الحمد لله فان الذاكرة العربية بأدبياتها وفنونها حافظت وتحافظ علي قوام ومقومات القومية وهذا ما يجعل شعوبنا تلجأ إلي هذه الذاكرة وتحتمي بالقومية في وقت المحن والأزمات، وتلك حقيقة تجعلني هنا وعلي الفور أناشد الوزراء العرب المسئولين عن التعليم والأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالمطالبة والتشديد علي ضرورة تدريس منهج التربية القومية في المدارس مع اعطاء نماذج لأهميتها علي مدي التاريخ..
ولقد كانت القومية مثار مناقشةخلال الأيام الماضية مع عدد من المثقفين العرب ـ بينهم من يمتهن العمل السياسي ـ وتنوعت الآراء بمناسبة الأزمة التي أوجدتها ممارسات النظام الحاكم في قطر. وانشطرت الآراء إلي قسمين رئيسيين، أحدهما يقول أن القومية قد صارت موضة قديمة وأن العبرة بالمصالح التي يتصورها كل طرف حتي ولو طلب الحماية من خارج الإطار العربي، وكان رأي القسم الثاني أن الأزمة التي نشبت ـ مع كل تداعياتها ـ أكدت أنه لا بديل عن »القومية العربية« وضرورة أن تكون هي العقيدة التي يتحتم علي كل العرب اعلاء شأنها والالتزام بها.. فان القومية بمفهومها الصحيح هي التي جمعت مصر والدول الخليجية الثلاث: السعودية والإمارات والبحرين، لاتخاذ موقف موحد.. احتشدت حوله ومعه دول أخري عربية وغير عربية. لأن موقف الدول الأربع كان ناتجا عن فهم صحيح لمفهوم العمل القومي ومسئوليته لصالح كل العرب وأيضا لصالح المجتمع الإنساني أي دخلت فيه المسئولية الدولية.
وإذا كان ذلك كذلك، ودون مناقشة تطورات الأزمة، فان ما يعنيني هنا هو العودة بفخر إلي رفع شعار القومية.. مبدأ وعقيدة ـ واقعا فعليا وممارسة ـ وأكاد أهتف: يا أيها القوميون.. اتحدوا.. ارفعوا أصواتكم.. تنادوا بما يحقق آمال الشعوب العربية ويعطي المواطن العربي ـ أيا كان وأينما كان ـ حقه في حياة حرة كريمة تضمن له حقوق الإنسان المعروفة.. وتضعه في مكانه اللائق بين العالمين.وبهذا المفهوم فاننا إذا كنا نؤيد وندعم التكامل والتلاقي بين دولتين عربيتين.. أو.. بين أكثر من دولتين ـ التعاون الخليجي مثلا ـ فهذا يجب أن يكون ـ وهو ما يحدث فعلا ـ في إطار العمل العربي المشترك وأهدافه الاستراتيجية وليس متصادما معه، لذلك فاننا ندعو إلي استمرار مجموعة الدول الأربع ـ أعني مصر والسعودية والإمارات والبحرين ـ وربما تضم إليها دول أخري ـ لتصبح قوة فاعلة عربية مؤثرة تتعمل لصالح شعوبها وفي نفس الوقت لصالح الشعوب العربية الأخري.. وأكثر من ذلك وبالتبعية للصالح المجتمع الإنساني الدولي.
والمشكلة ـ وما أكثر مشكلاتنا ـ أننا نتحدث كثيرا.. وأن منا يدعي انه «أبوالعريف» وهو وحده الذي يفهم في حين أن معلوماته محدودة وسطحية.. ولا أريد الاستطراد حتي لا أضع يدي في عش الدبابير.. إذ يكفي ما تلقاه القلم من لسعات ظالمة!! وأناشد أن نلتزم جميعا بأنه إذا كان الكلام من فضة فان السكوت من ذهب، وادعو إلي العمل الجاد، فان الآخر المتربص بنا يريد أن يستنزف كل جهدنا.. لأنه يدرك أن لدينا مقومات وإمكانات عديدة.. وان استثمار ثرواتنا الظاهرة والخفية كفيل بترقية الحياة في بلادنا.. والمهم استنفار كل الطاقات.. وأن نعرف جيدا حتي يتضح البيان جليا.. من نحن.. وماذا لدينا.. حتي نتبين صورة المستقبل ويسطع نور الأمل. ولعلي.. بعد هذا.. أقول: إن الصورة ليست قاتمة.. وعلينا أن نغتنم فرصة ظهور هلال العمل القومي لينطلق الفكر القومي.. ويلتقي القوميون.. وندعو إلي صياغة استراتيجية تتضمن من البيان ما يكشف حقيقة ما نواجهه وكيف نتعامل معه.. ولتبيين المعرفة وفي ضوئها تتحرك الخطي.
لمزيد من مقالات محمود مراد رابط دائم: