رئيس مجلس الادارة
عبدالمحسن سلامة
رئيس التحرير
علاء ثابت
هل من الممكن أن يثور شباب قطر على نظام الحكم؟ سؤال وجهه مذيع إلى ضيفه. وكانت الاجابة أن هذا أمر مستبعد نظرا لعدم وجود مشكلات اجتماعية ومادية تواجه الشباب القطرى. واستشهد المحلل السياسى بالنهضة التعليمية التى جعلت قطر تحتل المراكز الأولى فى التصنيف العالمى. تطرح هذه الاجابة عدة تساؤلات، هل ارتفاع المستوى الاقتصادى يبرر دور الشباب السلبى فى المواقف الوطنية؟ وهل حقا التعليم فى قطر يحتل تلك المكانة العالمية؟ لقد كان نظام التعليم فى قطر حتى بداية عام 2000 نظام تعليم حكومى مجانى، حتى قرر ولى عهد الدولة «الأمير تميم وضع خطة لتطوير التعليم تحت شعار (التعليم لمرحلة جديدة) وتم الاتفاق من قبل الدولة مع مؤسسة «RAND» (مركز أبحاث مستقل، أُسس من أجل تقديم الأبحاث والتحليلات إلى القوات المسلحة فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1948) لتقديم مشروع متكامل لتطوير التعليم العام فى دولة قطر. وقدمت المؤسسة فى ذلك الوقت ثلاثة بدائل. البديل الأول يقوم على أساس إصلاح نظام العمل فى وزارة التربية والتعليم، وتم استبعاد هذا البديل، لأن وزارة التربية والتعليم حسب رأى مؤسسة «راند» غير مؤهلة لقيادة متطلبات الإصلاح التربوى المرغوب، لأنها تتصف بخبرات تاريخية يغلب عليها النظام الإدارى البيروقراطى ذو الطابع المركزى. أما البديل الثانى فهو يعتمد على نظام (Charter School مدارس تجريبية تم تطبيقها فى بعض الولايات الأمريكية 1996) والذى أطلق عليها اسم «المدارس المستقلة». والبديل الثالث كان تحويل المدارس الحكومية لمدارس خاصة وتم تأجيله، وقامت الدولة بتطبيق نظام المدارس المستقلة منذ عام 2004 وعلى أسسه منحت التراخيص لمجموعة من المهتمين بالعملية التعليمية لإدارة بعض المدارس الحكومية، وفق هذا النظام كل مدرسة مستقلة لها الحرية التامة فى اختيار خطتها التعليمية الخاصة بها. ووضعت هيئة التعليم إطاراً للمعارف والمهارات المطلوب تحقيقها فى المدارس المستقلة تتمثل فيما يعرف بمعايير المناهج، وتلتزم المدارس المستقلة إلى جانب تدريس المواد الأربع الرئيسية (الإنجليزية والعربية والرياضيات والعلوم) بتدريس المواد الأخرى المعهودة مثل التربية الإسلامية والحاسب الآلى إلى جانب المواد التى تتماشى مع فلسفة كل مدرسة. وصاحب الترخيص هو المسئول عن محتويات المصادر المستخدمة فى مدرسته بما يتفق مع معايير المناهج وخطته التربوية. من الملاحظ إهمال تدريس المواد الانسانية. ومنذ عام 2008 بدأت الدولة فى تعميم المدارس المستقلة، وتفعيل البديل الثالث وهو تحويل المدارس الحكومية إلى مدارس خاصة عن طريق تسليم المدارس الحكومية إلى أحد المهتمين بالعملية التعليمية لإدارتها واختيار نظام التعليم والمناهج المناسبة والمعلمين مقابل المبالغ المالية المخصصة لكل طفل حسب عدد الطلاب. كما تبنت الدولة التوسع فى المدارس الدولية وتسهيل الالتحاق بها من خلال صرف كوبونات لأولياء الأمور لتغطية مصاريف المدارس الدولية. وأشار مكتب الإعلام القطرى إلى أن الأهداف الوطنية العليا تتطلب مستوى راقيا من تعلم اللغة الانجليزية لدى الأجيال القادمة، وعلى المدارس أن تستجيب لهذه الاهداف العليا. لذلك أصبحت اللغة الانجليزية هى اللغة الأولى فى جميع المدارس. وكان من الطبيعى أن تجد هذه التجربة تأييدا من قبل خبراء التعليم الأمريكيين والمؤسسات الأمريكية، وكان من المتوقع أن يحتل التعليم مراكز متقدمة فى الترتيب الدولى الذى تشرف عليه هيئات أمريكية. لقد سنحت لى الفرصة فى أحد المؤتمرات بمقابلة مدير سابق لجامعة قطر وهو من هؤلاء الرجال الغيورين على هويتهم الثقافية العربية والإسلامية ويمثل معظم المثقفين فى قطر، ويحمل هموم مستقبل المجتمع القطرى، ويرى أنه مهدد فى هويته العربية والإسلامية، بسب نظام التعليم الجديد، لأن تطوير التعليم يجب ألا يأتى من شركات وخبراء من خارج الدائرة الثقافية والحضارية للمجتمع. كما أنه تم تطبيق مشروع المدارس المستقلة، ولم يخضع للتجريب على الرغم من فشله فى بعض الولايات الأمريكية. وأهدانى كتابه الذى يتناول نظام التعليم فى قطر والآثار السلبية للتوجهات الحديثة على الهوية الثقافية ووحدة المجتمع القطرى فى المستقبل، وجمع فيه آراء المعارضين، وهم أساتذة فى كافة المجالات، حيث يرفضون اعتماد الدولة على مؤسسة «راند» وما يدور حولها من لغط من حيث الخبرة والتجربة، ومن حيث اختلاف الرؤية والهدف. إن من أهم أهداف المؤسسة هو التركيز على القيم المتعلقة «بإدراك أنفسنا كأفراد وعلاقتنا بالآخر» وهو ما يراه البعض أنه تأصيل للقيم الفردية والأنانية. أما تنشئة المواطن الصالح المنتمى لوطنة المؤمن بقيمه الدينية والثقافية ،فهذه الأهداف أصبحت بالية ولاتصلح لأحداث نهضة حقيقية فى البلاد. ويرى الغيورون على مستقبل الوطن أن الدولة لاتدرك ضخامة المسئولية التاريخية التى يتحمل نتائجها المجتمع من حيث كم المخاطر فى تشكيل شخصية الأطفال وصباغة نمط تفكيرهم ونظرتهم للحياة من خلال تنشئتهم الاجتماعية والثقافية، التى يهدف النظام التربوى الجديد إلى تحقيقها، والذى يتعارض مع ثوابت الأمة الدينية والثقافية، أو سلخ النشء من هويتهم. ربما يكون ذلك ردا على السؤال الذى طرح فى بداية المقال لماذا لا يثور الشباب. لقد لعب نظام التعليم الذى وضع للقطريين وبلاد أخرى فى المنطقة دوراً اساسياً فى تحييد الأجيال القادمة واستبعادها من المشهد السياسى والوطنى والاعتماد على خلق جيل مبدع مبتكر يملك مهارات عالية ومتمكن من اللغة الإنجليزية، ويرفض ثقافة المجتمع المحيط التى تبدو أكثر تشددا وأقل جاذبية ويفقد معها انتماءه وذاتيته الثقافية. وعندما يفقد الفرد تلك الصلة الوثيقة بهويته الثقافية فإنه يشعر بالاغتراب عن هذا المجتمع، سواء كان ذلك بوعى أو دون وعى ويفقد هؤلاء الأفراد القدرة على التواصل الفكرى والسياسى بين أفراد مجتمعاتهم، وعادة ما يؤثرون عدم المشاركة. لمزيد من مقالات د. بثينة عبدالرؤوف