رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

من يُجدِّد الخطاب السِّيَاسِى العَرِبِي؟!

منذ عصر النهضة العربية ـ إن كان حقّاً كذلك ـ بُذِلت محاولات جادَّة من نُخَب سياسيَّة وثقافيَّة لأجل تغيير ما يعرف بالخطاب الديني، وقد بدأت بدعوات للإصلاح لتنتهى بعد عقود إلى العنف والإرهاب، على النحو الذى نعيشه اليوم، ما يعنى أن مسألة تجديد الخطاب الدينى تُمثَّل ضرباً من الوهم، ليس فقط لأنها تأتى من غير ذوى الاختصاص، ولا هى نابعة من قناعات هادفة وساعية للتغيير، ولكن لأن تجديد الخطاب الدينى يتحول ــ فى الغالب ـ إلى جمع بين الفولكلور والحماسة وتلهية الناس عن قضاياهم الأساسية من جهة، وتعلّقهم بمشاريع ورؤى فردية تنتهى بزوال الأفراد بالموت أوالإقصاء من جهة ثانية، ما يعنى وجود مشكلة حقيقية فى دعوة الحكام إلى تغيير الخطاب الديني.. فما خلفيتها يا ترى؟، وهل من حلٍّ لها؟.

تعود المشكلة ـ من وجهة نظرى إلى سببين رئيسيين، الأول: سياسي، إذ إن كل الدعوات والمشاريع التى قامت، بما فيها تلك المناهضة للاستعمار أو المعادية فى وقت لاحق لحكم النخب الوطنية بعد الاستقلال، هى إما موقف سياسى من الحكام وصنّاع القرار، أو رد فعل من المحكومين، ممثلين فى عناصر النخبة أو من يسمّيهم البعض بعلماء الدين، وبين الفعل ورد الفعل، لم يكن للدين حضور فاعل، بل مثّل تحصناً ودفاعاً ومواجهةً، ولا نزال أسْرى هذه الرؤية إلى وقتنا هذا، والحقيقة التى يحاول صنّاع القرار فى الوطن العربى تجاهلها، ويعمل العلماء على تجاوزها والتحايل عليها، أنهم ليسوا محل ثقة لدى الشعوب بخصوص جوانبهم الدنيوية، فكيف ينتظر منهم أن يكونوا سنداً أو مُساعداً فى تغيير نظرتهم للمواقف المترتبة عن البعد العقائدي، أو ذات صلة بالتدين بشكل عام؟.

والسبب الثاني، اجتهادى معرفي، حيث إن الدعوات لتغيير الخطاب الدينى لم تطرح قراءة جديدة لميراثنا العقائدي، إنما ظلت أسيرة قراءات السَّابقين، فاتَّبعت منهج أمة خَلَتْ مُحاوِلة اعتماده منهجاً وشِرْعة لأمة حلَّت من جهة، ومن جهة أخرى أن أهل الاختصاص لم يعمقوا فكرة التجديد، وفى الحالات القليلة ــ تتعلق بمجهودات فردية ـ التى تصارعت فيها قيادات الفكر مُقلِّدة فى ذلك الزعامات السياسية، ظلت جميع الأطروحات أسيرة التنظير، وخائفة من الدخول فى تغيير مباشر لما يعرف بالثوابت، وعاجزة عن الاعتراف بأن بعضا مما تراه يعتبر مُقدَّساً، هو فى حقيقته مُدنّس، وغياب ما نطلق عليه بالاجتهاد ـ المعرفى بشكل مؤسس، وبروح الفريق الجماعى المقتنع بالمواقف السياسية وما يصحبها من دعوات ومشاريع للتغيير، لم يعطل فقد تجديد الخطاب الديني، ولكن جعل قوى أخرى تفرض خطابا آخر، وهو السائد الآن، خطاب عنف وإرهاب ودماء وكراهية وغلو، ومع ذلك فإنه يَستند فى مرجعيته الفكرية إلى نفس المصادر والاجتهادات والقراءات والتراث، التى يؤسس عليها دعاة الحوار والتسامح، المتجاوبين مع أطروحات الحكام، والخاضعين ـ حُباًّ أو كُرْهاُ ـ للمؤسسات الرسمية فى الدول العربية، وخاصة وزارات الشئون الدينية والأوقاف.

هنا نصل إلى حقيقة دامغة لكل الأطروحات القائمة اليوم فى الدول العربية، والداعية على المستوى الرسمى إلى تغيير الخطاب الديني، وتتجلى هذه الحقيقة فى تزييف الوعى بشكل جماعي، فالقول بتجديد الخطاب الديني، يفترض وجود حالة أحادية غير متعددة الأبعاد، لكن الواقع يصرّح جهارا بغير هذا، حيث هناك عدة خطابات دينية، فمثلا هناك خطاب المؤسسة الدينية الرسمية، وخطاب المؤسسات الأكاديمية ـ الأزهر مثلا ـ وهناك خطاب الأحزاب الدينية، المرفوضة أو المعترفة بها، وخطاب رابع يخصُّ الجماعات الخيرية، وخامس: الجمعيات الروحية، الصوفية على سبيل المثال، وخطابات الجماعات الإرهابية، وخطب الأقطاب ـ لكل عالم على حدة ـ وخطب التديُّن الشعبى المتعدد والمتنوع.. فكيف ستتتم الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، وهو متعدد هذا أولا، وثانيا هو مختلف من دولة عربية إلى أخرى؟، والجماعات التى تُصنف إرهابية فى بعض الدول، تراها دول أخرى قوى سياسية وطنية ضرورية لإيجاد التوازن، ودول ثالثة سلمتها الحكم، ودعمتها حتى خارج حدودها؟.

غير أن تعدد أنواع الخطاب الديني، لا يقف حائلا دون الدعوة لتجديده، لكن لا ينتظر حدوث ذلك، إلا بتغير الخطاب السياسي.. إنه البداية والنهاية، فمشكلتنا فى الدول العربية اليوم، رغم استفحال الإرهاب، ليست دينية كما هو مروج له على نطاق واسع، وإنما سياسية بالأساس، وعلينا أن نصارح أنفسنا بأن هناك خلالاً بنائياً وآخر وظيفياًّ على المستوى السياسي، فالفساد المُسْتِشْرى اليوم فى كل مجالات الحياة بدءا من الاقتصاد وليس انتهاء بالرياضة، لا يُغيِّر بالخطاب الديني، وغياب سلطة الدولة الوطنية ليس نتاج الخطاب الديني، وكذلك الحال بالنسبة لتحالف بعض الدول العربية مع قوى دولية باطشة تعثو فى دولنا الفساد، وأيضا عدم المصارحة والمكاشفة بتواطؤ العرب ضد العرب على المستوى الدولي، ناهيك عن مسائل أخرى كثيرة ليس أقلها غياب الديمقراطية.

بعد هذا كله، ألم يحن الوقت بعد للمجاهرة بأن التجديد يبدأ من الخطاب السياسي، وما يترتب عنه من أفعال، وما تًسانده من خطابات أخرى، وخاصة الخطاب الإعلامي، وتلك لا شك ستكون بداية جادة لتجديد الخطاب الديني، فقوة صناعة القرار السياسى فى الدول ـ القائمة على الحق والعدل ـ هى التى تؤسس لمواجهة عملية للتخلف والإرهاب والظلام.. وتلك القوة فى مقدورها تحريك مسار التجديد، فقط تحتاج إلى من يملك جرأة تجديد الخطاب السياسى كونه البداية، وإذا صَلُح وشمل كل المواطنين، فإن كلَّ مجالات الحياة ستتغير وستتجدد، وعندها سيكون الخطاب الدينى جزءاً من حل شامل وليس جزءا من مشكلة عابرة، هى بالتأكيد نتيجة حتمية لما عاشته الأمة وتعيشه من هوان سياسي.

لمزيد من مقالات خالد بن عمر ققه

رابط دائم: