رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رجل هذا العيد وكل الأعياد

نستقبل العيد ولو لم يكن ذاك الرجل بيننا وحوالينا لما كان بمقدورنا الشعور بفرحة وأن تسير أيامنا على وقعها المعتاد، رجل الأمن ورجل الجيش ورجل الشارع البسيط الذى رضى وتحمل بجلد تحديات وصعوبات المرحلة.

رجال هذا العيد وكل الأعياد ومن يستحقون الثناء بعد الله هم من ضحوا وتحملوا وبذلوا كى تتاح لنا الفرحة والإحساس بالأمان فى وطن حقيقى خُطط له أن يتحول لأشلاء وطن محطم، فلا وزن لتيارات سياسية وفكرية ونضال قديم عريض، ولا وزن لمؤسسات وطنية ولرموز سياسية وفكرية وعسكرية ودينية، ولا احترام وتقدير لمصائر الناس والشعوب والعائلات والنساء والأطفال، الذين إذا لم يقتلوا بمتفجرة أو برصاص غادر أو بقصف جوي، قتلوا غرقًا حال هربهم من الجحيم، وإن نجوا قتلوا ملايين المرات بذل الهجرة ومهانة اللجوء والاغتراب.. وهذا ما أرادوه بنا.

العراق كانت نقطة الانطلاق لاستهداف سوريا وتفكيك أوصالها وشل أركانها ونزع مصادر القوة من جسدها لتسقط منهكة شبه مدمرة غير قادرة على النهوض ـ فضلًا عن الصمود ـ على مدى عقود قادمة، وما تم التخطيط له وتنفيذه فى العراق منذ الغزو عام 2003م سعوا لاستنساخه بأدوات أخرى فى سوريا، لكن تبقى الأهداف واحدة، بـ« بتفكيك الجيش وإقالة أعضائه ممن يمتلكون معلومات وأسرارا عسكرية متعلقة بنوعيات الأسلحة وأماكن تخزينها».

شعوب عربية حولنا تعرضت لأكبر خدعة فى تاريخها، عندما يتم توريطها فى مؤامرة لتدمير بلادها بأيديها، وقتل مئات الآلاف من أشقائهم على جانبى الخط السياسي، ومن ورطوهم هم آخر من يحق لهم الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، ودأبهم التدخل السافر الغادر فى شؤون الدول العربية، وإشعال نار الحرب فيها، وهم الذين كانوا وما زالوا، يرفضون تدخل أى أحد فى شؤونهم.

بعد التفكيك وشل أركان الدولة تأتى خطوة صناعة نظام حكم طائفى أو أيدلوجي، لتظل الدولة فى حالة صراع دائم بين مكوناتها وتياراتها وطوائفها، عاجزة عن أداء وظائفها، ولتظل قابلة للانشطار والانقسام الدائم بحيث لا تجد فكرة ولا هدفًا ولا قضية جامعة تجتمع عليها وتحشد أبناءها للدفاع عنها، ولضمان بقاء عمق الدولة يغلى وفى حالة اشتعال دائم، فلا يهدأ الشعب ليبنى ويفكر ويبدع وينهض ويبتكر وليفيق لقضايا أمته وليتصدى للأخطار والتحديات التى تواجهها.

هذا ما سعوا لتكراره فى سوريا بإضعاف الدولة وإنهاك مؤسساتها العسكرية والمدنية، وبضرب الولاء للدولة فى مقتل ليتقدم عليه الولاء للطائفة والمذهب والتنظيم، وانتهاءً بالتوالد التلقائى للصراعات حتى داخل الطائفة نفسها وداخل التيار الواحد.

عندما وقع الاقتتال بين «المجاهدين» الأفغان إثر الاختلاف على السلطة كتب عبد الحميد البلالى مقالًا عام 93م وسأل «إذا كان الخلاف بين فصائل المجاهدين قبل تحرير أفغانستان هو السبب الرئيسى فى القتال الدائر بينهم الآن، فهل وجود نفس هذا السبب بين الجماعات الإسلامية فى كل قطر من أقطار العالم سيسبب القتال بينهم إذا تمكنوا من الحكم فى قطر من الأقطار؟».

كانوا سيتقاتلون فيما بينهم لا محالة؛ أتباع مرسى وأتباع أبو إسماعيل وأتباع الظواهرى والعشماوى والبغدادى فلم تسلم أية تجربة للإسلام السياسى صعدت بهذا الأسلوب الصدامى مع أطياف المجتمع ومع مؤسسات الدولة، وجميعها أنتج نظامًا سلطويًا بعد تصفية الفصيل الأقوى لباقى الفصائل المشاركة من إيران لأفغانستان والسودان حتى سوريا وليبيا.

علاوة على كونهم لا يحمون الأمة بل يضربون فى عمقها، وما اتصل تنظيم أو جماعة بالاستخبارات الأجنبية سواء إقليمية أو دولية إلا صار بعد هذا الاتصال مباشرة حربًا على البلاد العربية، ولا يُستثنى تنظيم واحد على مدى العقود الماضية واللافت أن جميعها حتى من كان يزعم حمل السلاح ضد القوات الغازية المحتلة صاروا بعد التعاون مع أجهزة الاستخبارات يضربون فى العمق العربى بسوريا ومصر وليبيا والعراق.

ولأن المقاومة الوطنية حزمة سياسية واحدة متضافرة فى نهج استراتيجى واحد عماده الدولة المصرية، فلقد حمتنا المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن من مصائر هزيمة أنفسنا أمام العدو بدون رصاصة واحدة يطلقها، وحالت دون وقوعنا فى فخ الحالة الميليشياوية الفوضوية.

وباستقراء مراحل الفترة الماضية نكتشف أن الجيش كان هو الطرف الأكثر وعيًا بفلسفة التغيير والإصلاح المأمون، وربما استطاعَ قادته إقناع قطاع واسع من الشعب بأنه مع ما كان تبناه فى بيانه الثالث بعد تنحى حسنى مبارك من «مطالب الشعب المشروعة»، ومشروعية تلك المطالب بحسب رؤية الجيش لا تتعدى إصلاح النظام السياسي، والقضاء على خطط التوريث، وإصلاح الوضع الاقتصادى والاجتماعي، دون القفز قفزات غير مسموح بها لتغيير كامل لهيكل السلطة وبنية الدولة وهويتها ونزعتها التعددية ومنهج وفلسفة الحكم فيها علاوة على تحالفاتها الخارجية المؤسسة لأركان أمنها القومي.

خليفتهم وزعيمهم الذى يدينون له بالولاء والذى يحرك مجمل خيوط اللعبة من تركيا أعطاهم دروسًا عملية فى كيفية التصدى لمؤسسة الجيش وكيفية إذلال قادته وضباطه، وكيفية معاقبتها من خلال جهاز أمن مواز ومؤدلج، فى مسار صناعة جيش تابع لشخص وليس حاميًا لأمة ودولة، وهكذا يفعل مع كافة مؤسسات الدولة من قضاء وإعلام وبرلمان.

رجالنا العظام الأماجد حموا مصر من تلك السيناريوهات الكارثية العبثية جميعها؛ فلا ميليشيات عقائدية تكفيرية تتقاتل وتقتسم البلاد وينفصل كل تيار بمنطقة يمارس سلطته ونفوذه الأعمى عليها، ولا سقوط فى هاوية الديكتاتورية الدينية، ولا سماح بتمزيق وإضعاف مقاومة الدولة وتفريغها فى الصراعات المسلحة الدائمة بين من يزايدون على بعضهم البعض أيهم يحمل الحق الإلهى وسلطة الحديث باسم الرب وأحقية اعتلاء كرسى الحكم الدين»، ولا تهاون مع من تم توظيفهم لتدمير الذات العربية وتلويث سمعة العرب والمسلمين وتخريب معالم العمران والحضارة فى أوطاننا.

هل رأيتم بوتين يرفض المظلة لتقيه من المطر وهو بين يدى قبر الجندى المجهول، وهل تأتيكم أخبار اعتزاز الأمم والشعوب بجيوشها ورجال أمنها وحفاوتهم بتضحياتهم؟ فإن لم نفعل فلا أحقية لنا بعيد وبفرحة هم صانعوها بدمائهم.

لمزيد من مقالات هشام النجار

رابط دائم: