رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اختبار ما بعد قمة عنتيبى

شارك الرئيس عبدالفتاح السيسى فى القمة التى دعا إليها الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى لدول حوض نهر النيل، والتى عقدت يومى 22 و23 يونيو الحالى، وفيها طرح السيسى رؤية مصر بشأن تعزيز التعاون بين دول الحوض بعد إزالة المعوقات والقيود التى تحول دون ذلك، والمُمثلة فى مبادئ وردت فى اتفاقية الاطار الخاصة بتعاون دول النهر تتحدث عن الاستخدام المنصف والمعقول لموارد النهر بين دوله، وهى صيغة تتجاوز المبادئ الواردة فى المعاهدات الدولية الخاصة بالأنهار التى تتشارك فيها أكثر من دولة، كما أنها تلغى عمليا حقوق مصر التاريخية فى حصتها المائية الراهنة والمقدرة بـ 55.5 مليار متر مكعب، والتى لم تعد تكفى احتياجاتنا المعيشية والتنموية، وتنذر بخطر جسيم على الشعب المصرى كله إذا ظلت عند هذا الحد بينما الاستهلاك السنوى لمصر يتزايد بمعدلات عالية. فضلا عن أن اتفاقية الاطار المعروفة إعلاميا باتفاقية عنتيبى تجب حقوق مصر فى الإخطار المسبق والموافقة بالنسبة للمشروعات التى قد تبدأ بها إحدى الدول ومن شأنها أن تؤثر على معدلات التدفق المائى لمصر باعتبارها دولة مصب، كما تلغى شرط الاجماع وتصر على شرط الأغلبية، بما يجعل اتخاذ القرارات فى مثل هذه القضايا المصيرية المتعلقة بإيرادات النهر مرهونة بأغلبيات ومحاور ومحاور مُضادة، ومن ثم طرف يكسب وآخر يخسر، وبما يجعل النهر فى هذه الحالة مجالا للحروب والصراعات.

حين أعلن قبل عدة أسابيع عن قبول مصر الدعوة الأوغندية للمشاركة فى القمة تبلورت وجهتا نظر؛ الأولى تخوفت أن تكون مشاركة الرئيس مُقدمة للتنازل عن حقوق مصر، وأن القاهرة قد تقبل باتفاقية الإطار بعد تعديل شكلى فى بعض بنودها لا يحافظ على الحقوق والمصالح المصرية الأصيلة، والبعض تطوع بالتحذير من هذه المشاركة، والبعض الآخر طالب بعدم المشاركة أصلا وأن يبقى الوضع على ما هو عليه. أما وجهة النظر الثانية فرأت أن المشاركة ليست سوى فرصة لفتح باب للنقاش على أعلى مستوى بين قادة دول حوض نهر النيل الإحدى عشرة، وطرح وجهة النظر المصرية مع تقديم اقتراحات مُصاغة بكل دقة ووفقا للقانون الدولى لإجراء تعديلات رئيسية فى الاتفاقية حتى يمكن لمصر أن توقع عليها.

هاتان الرؤيتان، تجسدان أسلوبين متضادين، أحدهما الاستمرار فى الانعزال وعدم الاشتباك السياسى مع قضية حيوية تفرض نفسها بكل قوة، مع الوضع فى الاعتبار أن هذه السياسة من شأنها أن تعمق الخلافات ولا تحمى الحقوق. والثانى هو أسلوب المبادرة والحوار وتقديم الأفكار وإقناع الدول الأخرى للسير جميعا فى طريق المنفعة المتبادلة، ومن ثم إنهاء التراث الذى قاد دولا افريقية عديدة لتبنى وجهات نظر ليست إيجابية تجاه مصر وتمسكها بحقوقها المائية. مع الأخذ فى الاعتبار أن أسلوب الاشتباك لا يحقق بالضرورة انتصارا بالضربة القاضية أو من المرة الأولى، فهو يتطلب استمرارية وجهودا متكررة ومشاورات لا تتوقف من أجل الاقناع وتبديل المواقف وإبداء المرونة من قبل الآخرين.

وفقا لهذه الاستراتيجية البعيدة المدى جاءت المشاركة الرئاسية، وهنا يُلاحظ المرء ثلاثة أمور؛ أن القمة لم تُصدر أى بيانات، وبالتالى لم يُفرض على مصر أى شيء لا يفيدها، وأن القمة رحلت ما وصف بالخلافات بشأن اتفاقية الإطار إلى القمة التالية التى ستقوم بوروندى بصفتها الرئيس الجديد لمبادرة حوض النيل بالتنسيق مع مصر لتحديد موعد القمة ومكانها، وثالثا أن الوفدين الدبلوماسى والفنى اللذين شاركا فى الاجتماعات التمهيدية للقمة، لم يكملا الاجتماعات وخرجا منها، وتمت إحالة الخلافات الى القمة.

هذه الأمور الثلاثة تعنى أن آلية القمة أصبحت تقريبا آلية مقبولة من كل دول نهر النيل لكى تُحسم فيها الخلافات، وهذا فى حد ذاته يمثل خطوة متقدمة فى منهجية التعاون بين دول النهر، ولكنه يعنى أيضا أن القمم التالية ستكون من الأهمية بمكان لكى يتم الإعداد لها قبل انعقادها بوقت كاف، بما يعنى الاستمرار فى الحوار مع كل الدول من أجل تبديل مواقف الرافضين لحقوق مصر، وتثبيت مواقف الدول التى تتفهم هذه الحقوق وتوافق عليها. وهذه مهمة ثقيلة ولا بديل عنها وتتطلب صبرا ومثابرة وقدرة على الإقناع. كما تتطلب أيضا مشاركة كل المؤسسات المصرية فى تلك المهمة. الإعلام المصرى بكل أنواعه مطالب أيضا بأن يكون شريكا فاعلا فى هذه الاستراتيجية، من خلال المعالجة العقلانية لمواقف الدول الإفريقية، والرد بحكمة على ما يُصر عليه البعض من أن مصر لديها مواقف مخالفة لما يتوافق عليه الأفارقة بشأن نهر النيل، كما قال بذلك سفير اثيوبيا لمجموعة من الصحفيين السودانيين بالخرطوم قبل عقد القمة بيوم واحد فقط. فمثل هذه التصريحات لا يُرد عليها إلا بالحقائق والمتابعة وإزالة آثارها، وتأكيد أن ما تطلبه مصر هو اتفاق عالمى تجسد فى معاهدات دولية لا يجوز بأى حال تجاهله. وفى النهاية فإن ما بعد قمة عنتيبى هو الاختبار الأكبر ولا مجال للهروب منه.


لمزيد من مقالات حسن أبوطالب

رابط دائم: