رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

البيروقراطية تقصم ظهر الأحلام البريئة

سأظل اذكر هذا اليوم ولا أنساه من عام 1966 يوم عدت مع صديقى مدير الإدارة المالية لمجلات وزارة الثقافة من مخازن هيئة دار الكاتب العربى فى الهرم. عدنا من ذلك المشوار الثقيل الذى كلف به زميلى لإعادة ترتيب مخازن الهيئة لتتسع لذلك السيل الوافد الجديد من الكتب إلى دار المجلة فى عبدالخالق ثروت ليستقبلنا الأستاذ يحيى حقى ويسألنا عن سبب تأخيرنا. حكى له زميلى عن طبيعة المهمة التى كان قد كلف بها وطلب منى أن أحكى للأستاذ يحيى حقى ما رأيته. وما رأيته كان مخيفا. جبال من الكتب قدرتها بعشرات الآلاف ملقاة هكذا كيفما اتفق وهى مرتجعات الهيئة من الأسواق.

سكت الأستاذ يحيى حقى ولم يتكلم لكنه بعد يومين فاجأنى بطلب أن أحدد له موعدا مع وزير الثقافة فى ذلك الوقت الدكتور ثروت عكاشة للقائه اليوم طلبت وزير الثقافة لكنه اعتذر عن عدم لقاء الأستاذ يحيى حقى اليوم, وأجله إلى الغد وفى الغد كنا عنده فى مكتبه بقصر عائشة فهمى على نيل الزمالك وبعد الاستقبال والترحيب سألنى الأستاذ يحيى حقى أن أحكى للوزير عما رأيته فى مخازن دار الكاتب العربى فحكيت له تفاصيل المشهد المخيف.. سأله الأستاذ يحى حقى إن كنا نطبع كل هذه الآلاف من الكتب بغرض الكسب المادى الأمر الذى نفاه الوزير فعرض الأستاذ يحيى حقى أن يسمح بأن تئول هذه الكتب إلى مكتبات وزارة التعليم فى مدارسها المختلفة على طول امتداد القطر. وسعد وزير الثقافة بالاقتراح فاستأذنه الأستاذ يحيى حقى بعد موافقته فى أن يذهب ليتم الاتفاق مع وزير التعليم الدكتور عبدالعزيز السيد وكانت تربطه بالمجلة علاقات ودية منذ كان رئيسا لجمعية العلوم السياسية فى شارع رمسيس واتصلت بوزير التعليم وحددت موعد لقائه بالأستاذ يحيى حقي. ذهبنا إلى اللقاء وكان لقاء الوزير بنا كريما ومريحا ثم سأل الأستاذ يحيى حقى عن سبب الزيارة فحكى له ما سبق وأن حكاه لوزير الثقافة وسأله إن كانت وزارة التعليم لا تمانع فى استقبال هذه الكتب بالمجان لتوزيعها على مكتبات مدارسها وهى كتب كلها عظيمة القيمة مترجمة ومؤلفة تبدأ من التدبير المنزلى إلى كتب التراث والترجمة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والتراث والروايات والقصص أى أنها تغطى كل فروع الثقافة. قال الوزير سعيدا إن الأستاذ يحيى حقى يحمل إليهم هدية عظيمة وهو يرجو من السيد الوكيل أن يجلس مع الأستاذ يحيى حقى ليبحث فى ترتيبات تنفيذها وفورا دون إبطاء.

ذهبنا إلى مكتب السيد وكيل الوزارة الذى استمع إلى الأستاذ يحيى حقى بكل الاهتمام حتى انتهى من كلامه ثم بدأت أسئلته ليجيب عنها الأستاذ يحيى حقي. سأل السيد وكيل الوزارة عن تشكيل هذه اللجان التى ستذهب لفحص عشرات الآلاف من الكتب وهى لجان بالطبع ستكون مكافأتها من وزارة التعليم. ورد الأستاذ يحيى حقى قائلا.. أظن ذلك. أضاف السيد وكيل الوزارة: ثم هذه اللجان التى ستشكل لاستلام الكتب من اللجان الأولى لإعدادها وإرسالها للمناطق التعليمية المختلفة على امتداد القطر المصرى من أسوان إلى رشيد وبورسعيد والوجه البحري. سأل السيد الوكيل: طبعا سيكون تشكيل هذه اللجان من وزارة التعليم. هز يحيى حقى رأسه موافقا. أضاف السيد الوكيل: ثم تكاليف نقل هذه العشرات من الآلاف من الكتب سيكون على نفقة وزارة التعليم أليس كذلك؟ رد الأستاذ يحيى حقى بالإيجاب.

جلس الأستاذ يحيى حقى مهموما وهو يرى حلمه البرىء يتهشم أمامه أما السيد الوكيل فقد بادره بأن هذا المشروع على ما يبدو عليه من حسن المقصد والنبل لكنه أمر مستحيل التنفيذ لكل ما ذكرت وما لم اذكره من تفصيلات تظهر عند التنفيذ ثم ختم السيد وكيل الوزارة كلامه قائلا ومازال صوته يرن فى أذنى حتى الآن: يا يحيى بك..ارحمنا..

لكن يحيى حقى لم يكن قد يئس بعد فألقى بآخر سهم من سهام الأمل فى جعبته فقال: لكن الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة قد وافق وأضاف السيد وكيل وزارة التعليم كأنه ينبه الأستاذ يحيى حقى إلى ما فاته: والسيد وزير التعليم أيضا. ثم قال: يا يحيى بك تأكد أنك بعد خروجك من مكتب الدكتور ثروت عكاشة كان هو قد نسى كل شيء مما قلت واعتبر أن حملا قد انزاح عن كاهله.

قلت للأستاذ يحيى حقى مهونا عليه ما حدث إننا ربما نكون مدينين لوكيل الوزارة هذا بالشكر لأنه كفانا دعاء من كانوا سيعملون على هذا المشروع بسبب ما ألقيناه عليهم من العبء.. لكن الأستاذ يحيى حقى لم يبتسم!

لمزيد من مقالات > سامى فريد

رابط دائم: