رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

8 يونيو 2014.. تحول تاريخى نحو المستقبل
أول عملية تسليم وتسلم للسلطة فى مصر بشكل سلمى

محمد شعير
بعد كل ما جرى فى مصر.. أصبحت تهل علينا نسمات يونيو كل عام.. فتأتينا حاملة رسائل الخير.. لم يعد يونيو مجرد شهر للهزيمة عام 67 والانكسار.. يونيو هو شهر الثورة فى 2013 واستعادة المسار.. وهو ذكرى أرقى مشاهد التحضر فى 2014.. حيث مشهد أول عملية انتقال سلمى للسلطة فى مصر.. ذكريات وصور ورسائل تتداعى فى الخيال.. فتتوالى أمام العيون وفى العقول.. بمجرد أن تهل نسمات يونيو.. شهر الخير.

يوم الأحد 8 يونيو 2014، كانت مصر على موعد مع يوم مختلف؛ يوم للتاريخ، وللمستقبل. يوم بدا فيه أن الوطن يتغير بالفعل. وأن الشعب يقطع خطوة جديدة نحو الأمام. لم يعد الموت أو الثورة فقط هما ما يمكن أن يضعا حدا لفترة حكم الحاكم فى مصر.. بل أصبح لدينا يومها - بكل هدوء وسلمية وسلاسة- «رئيس سابق»، هو الرئيس عدلى منصور، يقوم - بكل تحضر ورقى وفخر- بتسليم السلطة إلى «الرئيس المنتخب»، وهو الرئيس عبدالفتاح السيسى.. ويوقع الرئيسان - لأول مرة فى مصر- وثيقة تسليم السلطة.




والآن عندما نستعيد ذكرى ذلك اليوم التاريخى، فإننا نتلقى رسائل عديدة للمناسبة، هى رسائل لأجل المستقبل، تهدف إلى البناء على الحدث كتحول تاريخى فى حياة المصريين، بدأ يوم 8 يونيو منذ 3 سنوات ليبقى أبد الدهر.. ففى اللحظة التى أطلقت فيها المدفعية طلقاتها الـ 21 يومها، إيذانا ببدء مراسم التسليم والتسلم في قصر الاتحادية، كان ذلك إعلانا عن بدء حقبة تاريخية، وليس مجرد إحتفال بحدث عابر قد لا يتكرر، بل تدشينا لصيغة جديدة ومتجددة لتداول الحكم، وإطلاقا لعملية سياسية مستمرة ومتواصلة، وبينما كانت رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى هى أولى مراحل تلك العملية، فإن المؤكد أنها لن تكون آخر فصولها، وأنه أصبح أمرا طبيعيا أن يشهد المصريون مستقبلا - بشكل اعتيادى- المزيد من عمليات التسليم السلمى للسلطة والتداول الراقى للحكم بين رؤساء سابقين ورؤساء جدد منتخبين.. فالأوطان تبقى أبد الدهر وكلنا زائلون.

كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى، التى ألقاها فى المناسبة، عكست تلك المعانى أيضا، لا سيما عندما تطرق إلى الحديث عن قيمة مصر ومكانتها، ولم تقتصر كلمته على رؤيته السياسية أو خطته خلال فترة حكمه وحسب.. قائلا إن «مصر التاريخ والحضارة العظيمة مهد الأديان ومعبر الأنبياء.. منبع الفنون والآداب والعلوم.. ومسئولية كبيرة أن أكون مسئولا عن بلد بقيمة وخصوصية مصر.. بكل ما يمتلكه من عناصر قوة الدولة».

وفى الوقت ذاته، فقد أكد قائلا: «إنها لحظة تاريخية فريدة وفارقة فى عمر هذا الوطن.. فعلى مدار تاريخه الممتد إلى آلاف السنين لم يشهد وطننا تسليما ديمقراطيا سلميا للسلطة.. فللمرة الأولى يصافح الرئيس المنتخب الرئيس المنتهية ولايته.. ويوقعان معا وثيقة تسليم السلطة فى البلاد.. فى مناسبة غير مسبوقة.. وتقليد غير معهود.. يوثق بداية حقبة تاريخية جديدة من مصير أمتنا».

ولعل من المناسب اليوم أيضا، أن نستعيد نص وثيقة تسليم السلطة التى تم توقيعها يومها، حتى نستلهم اليوم رسائلها.. حيث نصت على:

«باسم الشعب.. صاحب السيادة ومصدر السلطات.. ومفجر الثورة.. ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة 2011.. وما حملته من طموحات وآمال وتطلعات.. وثورة الثلاثين من يونيو سنة 2013.. المكملة، التى صوبت المسار، واستعادت الوطن.. وتنفيذا للاستحقاق الثانى لخارطة مستقبل الشعب المصرى، وبناء على قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية رقم 36 لسنة 2014، بإعلان فوز السيد/ عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسى فى الانتخابات الرئاسية التى عقدت خارج البلاد خلال الفترة من 15 إلى 19 مايو سنة 2014، وداخل البلاد خلال الفترة من 26 إلى 28 مايو سنة 2014. وعقب أداء سيادته اليمين الدستورية أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا.. تسلم السيد/ عبد الفتاح السيسى، رئيس جمهورية مصر العربية، مقاليد السلطة فى البلاد، من السيد المستشار/ عدلى منصور رئيس الجمهورية المؤقت.. حررت هذه الوثيقة برئاسة الجمهورية فى العاشر من شعبان سنة 1435 هجرية الموافق الثامن من يونيو سنة 2014 ميلادية».

وهكذا.. جاء نص وثيقة تسليم السلطة ليحدد المعنى والفلسفة والهدف، فيما يتعلق بالمسار السياسى الجديد فى مصر، فلم تقتصر الوثيقة على أن تكون مجرد نص بروتوكولي، يوضح انتقال السلطة من الرئيس المؤقت إلى الرئيس المنتخب، بل أصرت الوثيقة بوضوح على الإشارة إلى ثورة 25 يناير، معترفة - ومؤيدة- بما حملته من طموحات وآمال وتطلعات، والإشارة إلى ثورة 30 يونيو، واصفة إياها بأنها الثورة المكملة، التى صوبت المسار واستعادت الوطن.. لتحدد الوثيقة بذلك الرؤية السياسية التى تمثل القاعدة الأساسية، التى تنطلق منها هذه الحقبة التاريخية الجديدة.. وتضع اكتمال تحقيقها - بشكل مثالى- هدفا نصب عينيها.. تلك الرؤية إنما تتمثل فى «الدولة» و«الحرية» معا.. وصولا إلى حلم «الدولة الحرة».

تلك إذن هى الرؤية السياسية النظرية التى تحكمنا وفقا للوثيقة التاريخية ورسائلها.. يناير ويونيو معا.. الحرية بلا إسقاط للدولة.. والدولة القوية المستقرة.. وفى بدايات التحولات التاريخية قد يحدث الخلل فى التطبيق.. فتميل الكفة هنا أو هناك.. وقد ينحرف المسار يمينا أو يسارا.. ولكن يظل من أوجب الواجبات أن نتذكر دوما الأسس النظرية والبدايات.. وأن نبنى على ما تحقق فى المسار.. بلا هدم لمجرد عدم إدراك الكمال.. ودون تراشق يقصى بين أصحاب الرؤى المختلفة والتيارات.

ولأجل السير فى ذات السبيل؛ سبيل استعادة أفكار البدايات، فإن لنا هنا أن نستعيد ملامح ورسائل شخصية مهمة، شديدة التفرد والخصوصية، بأدائها العبقرى فى سلاسته.. هى شخصية طلّت علينا فى منعطف تاريخى فظلت معنا.. دخلت التاريخ من باب «الرئيس المؤقت» لكنها بقيت على عرش قلوب المصريين وتربعت.. واستقرت.. إنه الرئيس السابق المستشار الجليل عدلى منصور.

والحق أن الرجل وإن كان قد غادر المنصب الرسمى إلا أن مواقفه السابقة وكلماته الماضية، ووصاياه لنا بدموعه، تبقى وثائق تاريخية وإنسانية مهمة، نرجع لها لنستخلص العبر ونستلهم المثل. كما أنه يظل حتى الآن رمزا حيا مستمرا للعطاء لأجل الوطن، عبر مشاركته الفاعلة دوما ودون إبطاء، مستثمرا محبة المصريين له كما يعرفها ونعرفها، لأجل الخير والبناء، فى الدعوة إلى تبرع لمستشفى أو المشاركة فى افتتاح مشروع أو غيرها من سبل العطاء؛ ذلك العطاء الذى لا يرتبط - عند الصادقين- بمنصب رسمى.

ولعل واحدة من أهم الرسائل «الإنسانية» الدالّة، قد جاءت يوم تسليم السلطة فى 8 يونيو، ففى حين كانت مشاعر الفخار بتفاصيل المشهد ككل هى صاحبة البطولة وفى موضع الصدارة، لكن ما لفت الأنظار بوضوح كانت مشاعر الفرحة الحقيقية البادية على وجه المستشار الجليل عدلى منصور.. هى ملامح رجل سعيد بحق؛ ملامح يعرفها المصريون جيدا فى وجه كل من أنجز المهمة وأرضى ضميره، فأراح واستراح.. لم ترتسم على وجهه يومها تلك الابتسامات البروتوكولية المعتادة فى مثل هذه المواقف فى دول العالم؛ تلك الإبتسامات التى تخفى - بل ربما تفضح- مشاعر الحزن الإنسانى الطبيعى لمن فقد بريق السلطة وأبهة الحكم.. لكن مشاعر الرئيس عدلى منصور الذى أصبح رئيسا سابقا، بدا أنها مشاعر فرحة قاض أنهى للتو النطق بـ «حكم» فى «قضية»، قضى عاما كاملا من البحث فيها، لأجل إرضاء ضميره، وقد فعل.. إنها قضية وطن.

قبل ذلك المشهد بأربعة أيام.. فى يوم الأربعاء 4 يونيو 2014.. كان الرئيس السابق عدلى منصور يقف ليلقى كلمة تاريخية، كانت بمثابة «خطاب وداع» للمصريين، جاء محملا برسائل ووصايا، نحتاج اليوم وفى كل حين إلى استعادتها، فها هو الرجل الذى سعى المنصب إليه دون أن يسعى هو، يكشف - بصدق مواطن موقعه الأصيل منصات القضاء لا قصور الحكم- حجم صعوبة المهمة فيقول للمصريين: «أوجه حديثى إليكم اليوم مودعاً.. بعد أن شرفت برئاسة جمهورية مصر العربية ما يناهز العام.. عامٌ من المسئولية الجسيمة.. والأمانة الكبيرة.. لم أكن أتصور يوماً وأنا فى صفوف الجماهير وطأة العبء.. وحجم التحديات.. وصعوبة الـمهمة.. أن تكون مسئولاً عن بلد بحجم مصر.. التى كما تتطلب أداءً رئاسياً.. يتناغم مع عظمة تاريخها ويتفاعل مع واقع حاضرها ويخطط لقادم مستقبلها.. فإنها تفرض أيضاً أن يكون جاداً ودؤوباً.. مخلصاً وأميناً.. يواجه مشكلات الواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعي.. ويدبر الموارد اللازمة للتغلب عليها.. ويحشد الطاقات.. التى تعمل على تأمين مستقبل هذا الوطن وأبنائه».

ولأنها كانت كلمات للتاريخ، فقد جاءت لتؤكد - كما قال بحسم- إن التاريخ سيكشف يوماً الحقيقة... «وستعلمون حينها حجم ما خطط ودبر لمصر.. صعوبة المرحلة.. ودقة الظرف التاريخي».. وأن عودة مصر إلى مكانها الرائد إقليمياً واللائق دولياً لن تتأتى إلا بإصلاح الداخل أولاً.. من خلال إعلاء المصالح الوطنية والابتعاد عن ضيق الأفق.. ونبذ التركيز على المصالح الشخصية أو التوجهات الحزبية. قائلا: «ربما تكون هذه المرة الأولى فى تاريخنا التى يشتعل فيها محيطنا الإقليمى بكافة جهاته.. فاعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا.. وكونوا على قدر المسئولية».

ما أشبه اليوم بالبارحة، ليس فقط على مستوى السياسة، والحاجة إلى أن يكون المصريون على قدر مسئولية التحدى، رغم ما استجد من ضغوط وصعوبات، بل حتى على صعيد المجتمع وحاله وأفكاره، فها هو المستشار الجليل يصارحنا قائلا: «لا أخفيكم أنه تحزننى حالةٌ من الانفلات الأخلاقى والقيمي.. بدأت إرهاصاتها تلوح فى مجتمعنا المصري بالمخالفة لتعاليم الإسلام والمسيحية.. وبمجافاة لمنظومتنا القيمية».. لذا فقد دعا إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني.. على أن يكون جزءاً من حركة تنويرية شاملة تستهدف الارتقاء بالذوق العام.. وتشارك فيها مختلف المرافق الثقافية وكتاب مصر وأدباؤها وشعراؤها وصحفيوها وإعلاميوها وفنانوها ومبدعوها.. لإعادة إحياء الهوية الثقافية المصرية برفضها الفطرى للتعصب وحبها للتسامح.. وبقبولها للآخر.

ويبقى حديث الأمل، فى الوثيقة التى تركها لنا الرجل، فنجده فى الختام يقول شاحذا العزائم ودافعا الهمم: «إننى لعلى ثقة بأن المستقبل يحمل لهذا الوطن غداً مشرقاً.. وإن كانت أرضه مخضبةً بدماء الأبرياء.. وسماؤه تشوبها بعض الغيوم.. لكن أرض بلادى ستعود.. سمراء بلون النيل.. خضــراء بلون أغصان الزيتـون.. سماؤها صافيةً.. تبعث برياح النجاح والأمل.. دوماً كما كانت».

وأخيرا نقول.. نحن أيضا على ثقة فى المستقبل.. ذلك الذى لن تتشكل ملامحه إلا بالصبر والعمل.. بالمصارحة والمصالحة.. بالبناء دون إقصاء.. واستيعاب مختلف الآراء.. واستكمال المسار بإصرار.. مهما كان التعثر.. فالحركة خير من السكون.. وبالدأب يكون إدراك الأمل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق