رئيس مجلس الادارة

هشام لطفي سلام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

«الأهرام» تحاور فريق الكتاب الأول عنه
«قصر البارون»..سر «حجرة الدم» وعبدة الشياطين..التحفة المعمارية التى يزيدها البحث غموضا!

هاجر صلاح ياسر الغول

القصة الحقيقية للثري البلجيكي «إمبان» منذ ولادته حتى مماته.. وحقيقة دفنه مرتين!

 

أكثر من ثلاث سنوات أمضاها د.رفيق جورج، متتبعا لكل ما كتب ونشر محليا وعالميا عن القصر وصاحبه «ادوارد لويس جوزيف امبان» ، ولجأ لكل من يمكنه مساعدته في بحثه، حتى أنه حاول الوصول إلى ادوارد امبان- حفيد البارون- وتمكن من ذلك فعلا ، بعد جهد كبير، وأصبح صديقه الشخصي هو وابنته في فرنسا.

بعد جهد دءوب ومتواصل، ينتظر د. رفيق وفريق عمله ثمرة البحث والاستقصاء، تتمثل في كتاب يصدر قريبا مترجما للغتين الانجليزية والفرنسية ، ليكون الأول من نوعه عن القصر على مستوى العالم، ويكشف - من بين ما يكشف -الحكاية الكاملة لذلك الثري البلجيكي الذي اشترى صحراء وأسس عليها «مصر الجديدة».. ذلك الرجل الذي وصفه بنو جلدته بأن» نظرة واحدة من عينيه الرمادية كافية لفهم الرجال، فذكاؤه كان مرعبا يخيف كل من لا يعرفه».

...................................................................

البداية

« أنفق البارون امبان أرباحه من شركة الترام في بناء قصر له علي الطراز الهندي, يعد من أغرب الأبنية في مصر.. زوده من الداخل بمقاعد و أرائك من ذوق الطبقة الوسطي في بلجيكا». سطور جاءت في كتاب»القاهرة» للإنجليزي «ديزموند ستيوارت»، فاستوقفت الباحث الشاب واستفزته، وتساءل: كيف لرجل في مكانته؛ صديق النبلاء والملوك ، والمعروف على مستوى العالم ليس فقط في مجال المال والأعمال ، أن يضم قصره أثاث الطبقة المتوسطة؟! ومن هنا بدأ مشواره في البحث عن أثاث القصر، مع رفيقته في الرحلة، الباحثة الأثرية بسمة سليم مفتشة القصر الدائمة، ليصبح هذا الجزء من أبرز ما يضمه الكتاب.

يحكي د. رفيق بحماس الباحث العاشق: «بدأت اتلمس أي خيط يقودني للعثور على أي قطعة من أثاث القصر، وبالفعل دلني أحدهم على سيدة تقطن مصر الجديدة، يحوي منزلها ما هو نادر وثمين من التحف، وجدت لديها «برافان» مذهبا، قالت إن والدها اشتراه من أحد المزادات في الخمسينيات، لكنها للأسف لا تملك أي أوراق للمزاد. في الوقت ذاته بدأت أتواصل مع حفيد البارون - 83 عاما- وقد ترك مصر منذ أن كان في الخامسة من عمره لكنه يعشقها، وللأسف لم تكن لديه أية صور للقصر من الداخل ، فقررت حينها البحث عن كل المصورين الذين وثقوا القصر بعدستهم، لكنها كانت كلها من الخارج، حاولت أيضا البحث في أرشيف بعض المكتبات العالمية، لكن لم يحالفني الحظ».




يتابع د.رفيق مسترجعا محطات الرحلة الطويلة والمستمرة حتى الان: «تمكنت أنا وزميلتي بسمة ، من مقابلة المصور الصحفي الفنان سمير الغزولي الذي أطلعنا علي أرشيف صوره الهائل،ووجدنا لديه صورتين من داخل القصر، وبالصدفة البحتة التقينا الباحث رامي جمال وهو أحد المهتمين بتراث هليوبوليس، و أطلعنا هو الاخر علي أرشيفه ليزودنا بصور عديدة للقصر من الداخل، ليتبين لنا أن محتوياته كانت تضم أطقم صالون و دواليب وساعات وتابلوهات و نجفا وتحفا فنية و سجادا ، وغرف نوم استيل، ودولاب فضية وبارا وكريستالات وبيانو. أما اللحظة التي اكتشفت حينها أني عثرت بالفعل على قطعة من أثاث القصر، فكانت عقب عثوري على وثيقة تعود لعام 1954 ، سنكشف عنها في الكتاب، وتأكدت حينها أن « البرافان المذهب» في منزل سيدة مصر الجديدة، قد سكن جنبات قصر البارون يوما ما ! «.

ذوق البارون

بعد أن تجمعت لديه مادة كافية من الصور لأركان القصر الداخلية وتفصيلات قاعاتها على حالتها في أوائل الخمسينيات ، قام د. رفيق بعرضها على الفنان التشكيلي د. ياسر منجي الذي يصفه بالأب الروحي لفريق العمل، وقد قام بتأصيلها فنيا، وقدم لها توصيفا دقيقا ، حيث يصف طابع الذوق الشخصي للبارون، و الطابع الجمالي للقصر، ويتألف من تداخل عدة طرز فنية في انسجام تام، فمثلا؛ اللوحات الجدارية محدودة المساحة، غير أنها تتميز بدقة التنفيذ على مستوى الرسم والتلوين، وهو ما تعكسه على سبيل المثال صورة ركن المدفأة. هناك أيضا لوحات زيتية يتضمن بعضها مشاهد لربة الجمال والحب لدى الإغريق، أفروديت، يصاحبها تشخيصات للطفل كيوبيد في أوضاع مختلفة، وتتماثل مع العديد من النماذج الجصية التي لا تزال موجودة بحالات متفاوتة من الجودة، في أنحاء متعددة من أسقف قاعات القصر وحجراته. كما كانت توجد لوحة متوسطة المساحة، تتضمن مشاهد السيدة العذراء بصحبة السيد المسيح عليه السلام، والتي كانت من المشاهد الرائجة في إنتاج رسامي أوروبا.

لم تقتصر لوحات القصر على الرسوم الجدارية واللوحات الزيتية، بل تضمنت أيضاً نماذج شديدة الإتقان من اللوحات المنسوجة، من نمط الجوبلان والأوبيسون، وهي أنماط كان اقتناؤها يلقى رواجاً شديداً من قبل النبلاء والعائلات الميسورة في الغرب. وقد استشف د. ياسر أن نمط الذوق الفني الشخصي لعميد عائلة إمبان، يميل للطرز الفنية التقليدية الرائجة في عصره، ولا يعنيه أمر الاتجاهات الفنية التحديثية، التي كانت آخذة في الانتشار في أوروبا خلال النصف الأول من القرن العشرين، مثل التعبيرية والتجريدية. أما أكثر مقتنيات القصر تفردا، فمنها ساعة أعلى المدفأة التي توجد علي جدار الشمال الشرقي في القاعة اليسري بالبهو الرئيسي بالطابق الارضي، وهي علي شكل دائري موضوعة في إطار مقسوم إلى نصفين ،النصف الأبيض يرمز إلي ساعات النهار، بينما يرمز النصف الأسود إلي ساعات الليل، وهي ساعة فريدة من نوعها كانت تصنع خصيصا لعلية القوم في أوروبا، وأغلب الظن أنها مصنوعة في سويسرا ، أما سجاد القصر فمن الأرجح أنه كان مصنوعا في تركيا. بينما تعتبر بعض تماثيل القصر أصلية تماما، والبعض الآخر نسخ لتماثيل موجودة حتى الان بمتحف اللوفر.

وهنا يعود د. رفيق والباحثة بسمة سليم لنقطة البداية، وهو قول العالم الانجليزي « ديزموند» بأن أثاث القصر يمثل الطبقة المتوسطة في بلجيكا، ليؤكدا أنه بالفعل أثاث بسيط في زخارفه ، لكن هذا لا ينفي قيمته الفنية الثمينة التي لا تليق إلا بلقب بارون».

غموض بلا نهاية

المثير للدهشة هو مأ أقره د. رفيق من أن الكتاب لن يزيح الغموض الذي يكتنف القصر بالكامل، بل لا تزال هناك بعض الجوانب التي تحتاج المزيد من البحث والدراسة، كمسألة إنجاب البارون لفتاة من سيدة أخرى غير زوجته، فمن الثابت أن لديه ولدين فقط. هناك أيضا بعض «الطلاسم» بشإن زخرفة القصر، وما ترمز إليه من معان حيث تم التوصل لبعضها فقط دون الآخر».

يتابع د. رفيق: «بالنسبة لحجرة الدم، وهي غرفة نوم البارون، فقد تم ترجيح أنه دم الحيض لإناث الوطاويط، لكن الغريب أن لون الدم يبدو حديثا ، كما أنه لا يتغير مهما مر من الوقت، ويزيد من غرابة الأمر أنه لم يعد هناك وطاويط بالقصر منذ مدة طويلة. الأمر الثاني هو أن البارون أقام قصره على هذا الطراز فقط ليكون عنصر جذب للمنطقة الناشئة على أطراف العاصمة ، والتي يسعي لجذب السكان للاقامة بها لإعمارها . ومن بين ما ينفيه الكتاب عن البارون امبان هو انخراطه في أعمال السحر، واستحضار أرواح الأموات، بل يثبت أنه كان كاثوليكيا متدينا».

وتؤمن بسمة التي عكفت على دراسة تفاصيل الطراز الهندي للقصر، على كلام د. رفيق، مضيفة أن اختيار البارون لهذا الطراز جاء كونه جذابا لغرابته ، وليس كما قيل بسبب زيارة البارون للهند من أجل علاج مرض أصابه. أما بشأن وجود نفق أو أكثر يربط القصر بكنيسة البازيليك التي دفن بها البارون، فتشير بسمة إلى أن بعثة بلجيكية أجرت دراسات هندسية مستفيضة على القصر في عامي 2009 و 2010 ، لكنها لم تتمكن من إثبات ذلك، وقد تكون الأنفاق قد ردمت بفعل عوامل الزمن، والطريقة الوحيدة لإثبات وجودها من عدمه هي عمل مسح راداري للقصر. وتكشف بسمة عن أن القصر ظل مهجورا من بعد وفاة ابن البارون في منتصف أربعينيات القرن الماضي، إلا أن هناك معلومات عن استغلاله كمقر للجيش المصري في حرب 1956، ثم انتقلت ملكيته بعد بيعه ، إلى أن حصل عليه المجلس الاعلى للاثار وتم تسجيله كأثر.

وترد مفتشة القصر على ما يشيعه سكان مصر الجديدة القدامي بأن القصر يدور ، فقالت:» لا يوجد ما يثبت ذلك، فمن الناحية الإنشائية لابد أن يكون مبنيا على ترس، وهو ما لم يتم العثور عليه، كما أنه لم يتم العثور على صور للقصر في غير وضعه الحالي.

فسيفساء السطح

على جانب آخر يكشف محمد غريب- المعيد بهندسة الزقازيق، والمشارك في فريق العمل ، عن أن مسارات التدفئة في القصر غير تقليدية، خاصة بالنسبة لزمن بنائه، حيث تمر عبر الأرضيات والحوائط وليس بشكل رأسي عمودي كما هو معروف، ، أما السلم الخشبي الحلزوني الذي يتجاوز عمره المائة عام فلايزال بحالة جيدة جدا، وهو ما يشكك في أنه مصنوع من الخشب الخالص ، وإنما قد يكون هيكله من الحديد، لكن لم يتم التأكد بعد من الأمر. يضيف غريب:» سطح القصر مساحته ٦×١٥ مترا، كانت أرضيته كلها من الفسيفساء، ولولا العوامل الجوية لبقيت على حالتها».

الكتاب المنتظر صدروه والذي يشارك فيه أيضا محمود موسي -مدير منطقة أثار برقوق و مصر الجديدة- يضم بين دفتيه كما يخبرنا د. رفيق- أربعة فصول؛ تكشف القصة الحقيقية للبارون امبان منذ ولادته في بلجيكا، حتى وفاته ودفنه في بلجيكا ثم إعادة دفنه في مصر بعد الاطلاع على وصيته، وحقيقة وجود أخت له تدعى «هيلانة»، ووفاتها بالقصر، ويضيف:» نرد على ما تردد عن وقوع حالات انتحار بالقصر، كما يوجد فصل يشرح طريقة بنائه ، وهي غاية في التعقيد ، كما يحوي الكتاب شرحا مفصلا للتماثيل والأثاث والتحف واللوحات الفنية، وممرات الطاقة به، ووظيفة القباب ورمزيتها. هناك جزء آخر يتحدث عن المعمار الغامض للقصر وعلاقة المبنى بما عرف بـ«عبدة الشيطان» التى ظهرت نتيجة هجره لفترة طويلة واستغلال أصحاب البدع والأفكار الضالة له دون وازع أو رقيب ، أما الجزء الاخير فيتحدث عن المدينة المفقودة تحت الأرض، وهي مدينة «أون» ، التي كان البارون متيما بتاريخها وأسرارها، وحاول التنقيب عن آثارها ونكشف عن نتيجة بحثه، وكله مدعم بالوثائق ، ليكون الكتاب مرجعا حقيقيا لكل ما يتعلق بالقصر المحير وصاحبه الغامض.. ويكون بمنزلة «هدية» للأجيال القادمة..

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق