رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

لينين وبلفور والهامبورجر!

نركز فى قراءة تاريخ العالم على السنوات الفاصلة ومن الأعوام التى تحمل كثير من التناقضات والذكريات المؤلمة عام 1917 بإعتبارها عام الثورة الشيوعية بقيادة فلاديمير لينين وعام «وعد بلفور».. فمناسبة مرور مائة عام تمنح الفرصة لمزيد من القراءة العميقة فى أحداث غيرت العالم ومازالت البشرية تجنى ثمارا حلوة أو مرة لها ..

لو عدنا إلى العام المذكور سنجد شارل شابلن يفتتح العام بفيلم «الشارع السهل» ويجسد فيه شخصية المتشرد الذى تستعين به الشرطة لحفظ النظام والتخلص من الفتوات فى شارع تعمه الفوضى وبعد شهور قليلة يعلن الرئيس الأمريكى ودرو وولسن الحرب على المانيا فى خطاب الى الكونجرس وتمضى الشهور حتى تقع الواقعة التى قلبت كيان الشرق الاوسط عندما قدم وزير الشئون الخارجية البريطانية خطابا للملياردير الشهير روتشيلد بإنشاء وطن قومى لليهود على أرض فلسطين ولم يكشف عن مضمون الخطاب إلا بعد أسبوع فى 9 نوفمبر وتم ايداع الخطاب ضمن وثائق مؤتمر فرساى للسلام حيث بدأت متاعب لا تنتهى من الصراع العربي-الاسرائيلي.

ولكن ماذا عن التاريخ الإجتماعى للعالم قبل مائة عام؟!

فى مقال طريف للصحفى بيتر ديامانديس عن حجم التغيير على مدى المائة عام الماضية وما كان عليه حال العالم فى 1917 وهو عام خطير فى تاريخ البشرية بكل المقاييس مقارنة بأحوال عام 2017. فقد غاص الكاتب فى الماضى وقارنه بالحاضر وخرج بنتائج تعطى ملمحا عن عالم يتغير بسرعة فائقة حتى ولو لم نلاحظها بأعيننا فى الحقبة التى نعيش فيها. فى 1917، بلغ معدل محو الأمية فى العالم 23 فى المائة فقط، بينما اليوم تقول التقديرات أن معدل الإلمام بالقراءة والكتابة هو 86.1 فى المائة. عن وقت السفر، استغرق الأمر قبل 100 سنة (5 أيام) للوصول من لندن إلى نيويورك، و3.5 شهر للسفر من لندن إلى أستراليا، والأن الرحلة بدون توقف تحصل من لندن إلى نيويورك فى 8 ساعات أو أكثر قليلا، ويمكنك أن تطير من لندن إلى أستراليا فى حوالى يوم واحد، مع محطة واحدة فقط. فى عام 1917، اخترع طباخ هاو يدعى والتر أندرسون «سندوتش الهامبورجر» الشهير واليوم يأكل المواطن الأمريكى ثلاثة سندوتشات هامبورجر أسبوعيا فى المتوسط، بمجموع يقترب من 50 مليار سندويتش سنويا على مستوى الخمسين ولاية. بالنسبة لمتوسط سعر السيارة، بلغ 400 دولار قبل 100 عام واليوم المتوسط 34 ألف دولار. أما الطائرات فقد ظهرت أول طائرة بوينج عام 1917 وحلقت للمرة الأولى فى 15 يونيو من العام نفسه، فى الوقت الراهن يوجد ما يقرب من 24 ألف طائرة من كل المقاسات تخدم فى اساطيل الطيران فى جميع أنحاء العالم. فى الأول من يوليو 1916، ظهر مشروب «كوكا كولا«واليوم يتناول 1.9 مليار نسمة المياه الغازية فى أكثر من 200 دولة. وكان متوسط الأجور 22 سنتا فى الساعة واليوم يبلغ متوسط الأجر حوالى 26 دولارا فى الساعة. وأول سوق «سوبر ماركت»، بيجليويجلي، تم افتتاحه فى 6 سبتمبر 1916 فى مدينة ممفيس، اليوم، بلغ عدد محلات السوبر ماركت أكثر من 38 ألف متجر وتوظف 3.5 مليون شخص، وبلغت مبيعاتها حوالى 650 مليار دولار فى الولايات المتحدة وحدها. وعن الهواتف «الخطوط الأرضية مقابل الهواتف المحمولة»، كان 8 % فقط من المنازل لديها هواتف أرضية، والمفارقة أن الهاتف الأرضى ينقرض اليوم و80 من سكان العالم لديهم هواتف ذكية ونصف الأسر الأمريكية تستخدم الآن الهواتف المحمولة فقط بدلا من الهواتف الأرضية القديمة. وبشأن حركة المرور (من الخيول إلى السيارات)، فقد كان عام 1912 هو عام فاصل فقد تفوق فيه عدد السيارات فى نيويورك على عدد عربات الخيول للمرة الأولى، بينما اليوم هناك ما يقرب من 253 مليون سيارة وشاحنة على الطرق الأمريكية. والحد الأقصى للسرعة القصوى فى معظم المدن كان 10 أميال فى الساعة، اليوم الحد الأقصى فى معظم المدن نحو 70 ميلا فى الساعة.

فى عام 1917 كان إختراع «مفتاح الإنارة» هو الأهم، فيما نجد اليوم أن التكنولوجيا الرئيسية تستهدف إعادة برمجة الحياة البشرية من خلال استخدام الحلول «الجينية»!

أما ثروات المليارديرات، فقد أصبح جون روكفلر أول الملياردير فى العالم فى 29 سبتمبر من عام 1917، فيما يبلغ العدد اليوم 1810 مليارديرات ويبلغ صافى قيمة ثرواتهم الإجمالية 6.5 تريليون دولارا. وقيمة ثروة روكفلر الصافية بدولارات اليوم ستبلغ حوالى 340 مليار دولار، بينما ثروة بيل جيتس، أغنى رجل فى العالم اليوم تبلغ 84 مليار دولار. وتكلفة رغيف الخبز كانت 0,07 دولار إلا أنه وصل اليوم إلى 2.37 دولار !

فى كل ماسبق، وبعيدا عن تراجيديا السياسة، ثمة تطور فى التاريخ الاجتماعى والعلمى والاقتصادى على مستوى العالم وكلما ازداد التقدم كلما ارتفع مستوى الدخل وسهولة الحياة إلا أن الأعباء تبدو واضحة فى سعر رغيف الخبز حتى لو كان فى الولايات المتحدة نفسها .. فقد ارتفع عدد المليارديرات بشكل مذهل إلا أن دخول المواطنين لم تقفز بالمثل .. وأصبح ساندوتش الهامبورجر اكثر شعبية فى كل شبر إلا أنه لم يحل أزمات نقص الغذاء فى مناطق متفرقة من العالم ..

قراءة التاريخ الاجتماعى للشعوب متعة كبيرة وفيها كثير من العبر والاسى لما وصلنا إليه من تناقضات!


[email protected]

لمزيد من مقالات عزت ابراهيم;

رابط دائم: