رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الفكر المتطرف .. وآليات المواجهة ( 12)..«مجلس مكافحة الإرهاب» .. خطوة على الطريق الصحيح

تحقيق ــ حسني كمال
شهدت التجربة المصرية فى تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر المتطرف، بروز العديد من المعوقات التى حالت دون القضاء على ظاهرة الإرهاب، فالتنسيق والتكامل فى الأدوار بين المؤسسات الدينية غائب، وتنازع الاختصاصات واختلاف الرؤى والتصورات حول مفهوم المواجهة وأولوياتها وآلياتها وأدواتها، قائم، ومتاهات البيروقراطية والترهل فى مؤسساتنا الدينية والثقافية والإعلامية التى تشكل عقل ووجدان المصريين هو سيد الموقف.

وعلى الرغم من النداءات المتكررة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مناسبات دينية على مدار عامين متصلين بتجديد الخطاب الديني، فان الحادثين الإرهابيين الأثيمين فى الإسكندرية وطنطا، وما تبعه من الإعلان عن تشكيل:«المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف فى مصر» ونحن بدورنا نتساءل: كيف ينجح المجلس المنتظر تشكيله فى مهمة تجديد الخطاب الديني؟! وما هى الآليات التى سيعمل من خلالها؟ وكيف تتم مناقشة القرارات التى ستصدر عنه بالتنسيق مع المؤسسات الدينية وما كيفية تنفيذها على أرض الواقع؟

علماء الدين يؤكدون أن تلك المبادرة تعد خطوة على الطريق الصحيح للتغلب على المعوقات التى حالت دون تحقيق الاستفادة القصوى من الجهود المبذولة فى مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب، وأهمها غياب التنسيق والتكامل فى الأدوار بين المؤسسات المختلفة، إضافةً إلى اختلاف الرؤى والتصورات حول مفهوم المواجهة وآلياتها وأدواتها. وأوضح العلماء أن مبادرة الرئيس ستسهم فى جمع وتكوين وحشد المؤسسات ذات العلاقة بهذا الأمر، الدينية والسياسية والاجتماعية والقانونية لتعمل فى منظومة واحدة متكاملة وفق إستراتيجية محددة، وان المجلس الأعلى للإرهاب خطوة ضرورية وملحة لمواجهة الجمود الذى نعيشه فى حياتنا الفكرية.

ويقول الدكتور إبراهيم نجم، مستشار المفتى والمشرف على مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء، إن أهمية المجلس تنبع من أدواره المنوطة به، التى حدد ملامحها الرئيس فى خطابه، حيث إنه مجلس يتمتع بكل الصلاحيات والسلطات التى تمكنه من مواجهة التطرف والإرهاب بشكل واقعى وتنفيذى ينقل فكر المواجهة من متاهات البيروقراطية إلى الخطوات الإجرائية والتنفيذية، ووضع مؤشرات التقييم والقياس اللازمة لمتابعة تلك البرامج. وأكد أن المجلس من شأنه تنسيق الجهود الحكومية ومنظمات المجتمع المدنى فى مشروعات وبرامج واقعية، وتحديد الأهداف العامة والمرحلية لكل برنامج، والجهات المنوط بها التنفيذ، والأطراف المشاركة، والأدوار المختلفة لكل جهة، وهو أمر غاب كثيرًا عن التجربة المصرية فى مواجهة التطرف والإرهاب.

من جانبه، طالب الدكتور علوى أمين خليل، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، تشكيل المجلس الجديد من قيادات قادرة على التغيير والتفكير خارج الصندوق، بحيث تستطيع أن تؤدى واجبها، بما يفرض عليها الوطن ولا تنظر إلى الخلف، بل تنظر إلى الأمام وما هو مطلوب من تجديد الخطاب الديني، والإعلامى والثقافي، لأننا فى حاجة إلى التجديد فى كل شىء، وهو بالطبع قادر على تقديم الكثير فى تجديد الخطاب الديني، والتركيز على القيم الدينية المشتركة، وأهم من كل ذلك هو أن يكون تشكيله من مجموعة لا تتقاضى رواتب أو مكافآت وتعمل لله ولمصر.

سيطرة جهة معينة

ويقترح الدكتور عبدالفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن، عددا من الآليات والخطوات الواجب اتباعها لتجديد الخطاب الديني، والتى من شأنها أن تساعد المجلس فى تحقيق أغراضه، ومن أهمها: أولا: تجديد البرامج التعليمية فى الأزهر جامعا وجامعة، تجديدا حقيقيا، لا إعلاميا، ثانيا: التخفف من تقرير كتب السلف على مراحل التعليم المختلفة بالأزهر، باعتبار أن فكر الذين دونوا هذه الكتب نبع من واقع عصرهم, الذى لم يعد لشيء منه وجود فى زماننا, باستثناء بعض الأبواب, التى يمكن عصرنة محتواها بصياغة المعاصرين المختصين فيها, ثالثا: ترسيخ مبدأ أن الذى كتبه السلف لا قدسية له، وإنما يؤخذ منه ويرد عليه، لأنه ليس وحيا، رابعا: إفساح المجال لكتابات المعاصرين فى جميع مجالات العلم فى الأزهر، لتناسبها مع الواقع الذى يعيشه الناس، وحتى لا يحدث انفصام فى شخصية الدارسين، بين ما يدرسونه فى الكتب التراثية بالأزهر، وبين الواقع الذى يصطدمون به عند تخرجهم، والذى أدى إلى انصراف الناس عن الدعاة، وزيادة ابتعاد الناس عن الالتزام بالدين، خلقا وسلوكا ومنهجا وعقيدة، خامسا: تقتصر الدراسة من بعض كتب التراث على مرحلة الدراسات العليا، بعد أن تتكون لدى الخريجين عقيدة وحصيلة علمية, يمكنهم بها تفنيد ما تقع أعينهم عليه فى هذه الكتب، سادسا: ألا يكون العمل فى مجال الدعوة مجرد وظيفة, بل ينبغى أن يختار لها الأكفاء، وأن يكون الترقى فى درجاتها بمقتضى بحوث محكمة، أو درجات علمية، بحيث يقصى عنها من لم تكن لديه همة لذلك، سابعا: أن يدخل ضمن برامج إعداد الدعاة بالأزهر، دراسة أفكار ومبادئ الجماعات المعاصرة، وتفنيدها فى ضوء العقيدة والشرع الإسلامي، وبيان مناهج الجماعات الضالة فى الاستقطاب لفكرها، ثامنا: التنبيه على ما فى بعض كتب التراث من مخالفة للشرع، تاسعا: عدم حصر برامج تجديد الخطاب الدينى فى مؤسسة بعينها، فإن مناهج التجديد ليست كهنوتا، ومن يحسن القيام بذلك ليس بالضرورة أن يكون من داخل مؤسسة بعينها، بحسبان أن الخطاب الدينى أمر بمعروف ونهى عن منكر، وهذا فرض على كل مسلم مكلف، وتجديده يستطيع أن يقوم به من يملك آلياته، ولو لم يدرس فى المؤسسة التى احتكرت لنفسها كل شيء فى هذا السبيل، وأحاطت نفسها بسياج من التشريعات، ساعدها على استصدارها ثلة ممن دفعت بهم إلى المجالس النيابية، وإلى لجان وضع الدستور المتعاقبة، حتى صار من يدلى بدلوه فى أى أمر من أمور الإسلام -ولو كان يحمل أعلى الدرجات العلمية فى مجاله، مستهزئا برموز علمائه، خائضا فيما ليس من اختصاصه، عاشرا: إعادة النظر فى اللائحة التليدة لتنظيم الأزهر، ومحو المواد التى أعطت سلطات مطلقة لقياداته، حادى عشر: تحقيق الفصل التام بين إدارة الجامع الأزهر، وإدارة جامعة الأزهر، وتحديد المهام المنوطة بما يمارسه من يتولى كل إدارة، ثانى عشر: أن يكون للدعوة جهة منفصلة عن الجهة التى تتولى الإشراف على أوقاف المسلمين، بحيث يكون ثمة تفرغ تام لجهة الدعوة بمهامها، سواء كانت توجه الدعوة من المساجد أو من وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة، بحيث تكون لجهة الرقابة، سلطة كاملة على ما يبث أو يلقى فى هذه الوسائل. وإذا كان الحديث من قبل المجلس عن غلق قنوات فضائية أو منع المتشددين من الخطابة، أو ترك أصحاب الفتاوى الضالة، بالطبع سيقوم المجلس بغلق (المحبس) على كل هؤلاء، لإيجاد محاولة جادة لتجفيف منابع الإرهاب والقضاء عليها، لأنه من الصعب أن يغلق منبع ويترك آخر، وهذا يجعلنا ندور فى حلقة مفرغة.

أهمية التشكيل سر نجاحه

وفى سياق متصل، أكد الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة بحقوق القاهرة، أن هذا الاقتراح يكون فعالا ومجديا شريطة أن يضم هذا المجلس قيادات السلطات الدينية فى بلادنا وشيخ الأزهر أو من يمثله، والمفتي، حيث لهما تعامل علمى وأكاديمى مباشر بالخطاب الديني، وكذلك القيادات الكنسية، لأن الخطاب الدينى يمثل التوجه الدينى عموما، ويكون من مهام هذا التشكيل أن المؤسسات الدينية والذى تضاف إليه جماعة من كبار المثقفين المحايدين الذين يتعاملون دون أى توجهات مذهبية أو عقائدية مدنية كانت أو دينية، وأساتذة الجامعات الذين يشهد لهم بالكفاءة فى فهم القضايا الدينية التى تمس المجتمع ككل. ويقوم هذا التشكيل بترقية الجانب الفكرى لمواجهة هذه الظاهرة المتطرفة عن طريق التأويل الصحيح للنصوص الدينية، وإصدار المطبوعات سهلة الصياغة الموجهة للناس كافة، وأن تدخل هذه الأعمال العلمية فى المقررات الدراسية لمراحل التعليم المختلفة لتوعية النشء بطريقة صحيحة تبعدهم وتحفظهم عن الميل للتطرف أو الارتماء فى أحضان هؤلاء المفسدين، ولا يلقى العبء بأكمله على الحلول الأمنية التى لا تجدى فى كثير من الحالات، وإن كان لا يمكن الاستغناء عنها، لأن تجفيف المنابع الفكرية على نحو صحيح، ربما يكون أسرع وأفضل من الحلول الأمنية كما حدث فى مراجعات التيارات الإسلامية المتطرفة والتى عاد الكثير منها إلى الوعى والفهم الصحيح للدين.

الجزر المنعزلة

من جانبه، يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية: إن الاقتراح المقدم من الرئيس، بإنشاء المركز القومى لمقاومة الإرهاب والتطرف، سيساعد فى جمع وتكوين وحشد المؤسسات ذات العلاقة بهذا الأمر، وتضم بينها: (الدينية والسياسية والاجتماعية والقانونية) لتعمل فى منظومة واحدة متكاملة وفق إستراتيجية محددة، لعمل المعالجات الاستباقية لهذا الأمر الذى يهدد البلاد والعباد، وبطبيعة الحال، فإن العلماء والخبراء فى هذا المركز سيقدمون تشخيصا للداء ووصفا للدواء، وهذا المركز لن يكون بديلا عن أى مؤسسة، ولكن يعتبر من باب المعاونة لتحقيق حسن فهم الدين وحسن عرضه، فيما يتصل بالخطاب الدينى مع ملاحظة أن المركز ليس معنيا بالقضايا الدينية فقط، ولكن بقضايا اجتماعية وسياسية وقانونية، لاتخاذ اللازم بتدابير وقائية مناسبة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق