رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

المفكر وعالم الاقتصاد

رحل عن عالمنا أخرا وفى ظرف أيام معدودة مفكر كبير يتصف بالموسوعية وعالم اقتصاد وأستاذ جامعى جليل، كلاهما مصرى عربى، أخيرا ولكن أيضاً لكل منهما عطاء عالمى حاز الاحترام والتقدير داخل حدود وطننا المصرى وأمتنا العربية ولكنهما تخطيا فى شهرتيهما تلك الحدود لتصل بهما الشهرة إلى آفاق عالمية رحبة.

أما المفكر فهو الراحل الكبير الأستاذ السيد يسين، والذى تولى لسنوات طوال مسئولية مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، وذلك ضمن مناصب أخرى عديدة ومراكز مرموقة فى ساحة الفكر والثقافة تولاها على مدى عمره المديد. وتتلمذت على يديه أجيال متعاقبة من شباب الباحثين والكتاب والمثقفين، سواء ممن عملوا داخل جدران المركز أو خارجه. وقد تشرفت بأن أكون واحداً من هؤلاء، وهم كثر، حيث كانت بداية معرفتى الشخصية بالأستاذ السيد يسين، بعد سنوات من بدء القراءة له دون التشرف بمعرفته شخصياً، هو فى عام 1981، ذلك العام المحورى والمهم فى تاريخ مصر المعاصرة، فقد حصلت على فرصة فى صيف ذلك العام للتدريب بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، على مدى أشهر الصيف، وذلك ضمن مجموعة بحثية من شباب الباحثين فى المركز فى ذلك الوقت. وقد خصص الراحل الكريم هذه المجموعة لتناول علم، أو بمعنى أدق تخصص، كان قد اتسع فى العالم آنذاك وهو «الدراسات المستقبلية». وقد سعى الأستاذ السيد يسين رحمه الله من وراء تلك المجموعة التى أسسها وقادها إلى أمرين، أولهما فهم منطق الدراسات المستقبلية فى البلدان المتقدمة شرقاً وغرباً فى ذلك الوقت، حيث كانت الحرب الباردة لا تزال قائمة، وكذلك فى بعض بلدان العالم الثالث التى كانت هذه الدراسات قد ظهرت فى بعضها فى ذلك الوقت، وثانيهما محاولة بناء معالم دراسات مستقبلية عربية تعكس خصائص الوطن العربى وسياق تطوره التاريخى وأوضاعه الاجتماعية والسياسية. وقد شعرت لحظة علمى بخبر غياب الأستاذ السيد يسين عن عالمنا بحجم الخسارة التى عاناها الفكر والثقافة على الصعيدين المصرى والعربي.فإذا أردنا مجرد التنويه بسبقه وفضله على العلوم الاجتماعية والإنسانية مصرياً وعربياً، وبالإضافة إلى ما ذكرناه فيما سبق من ريادة فى الدراسات المستقبلية، فهو صاحب ريادة فى البحث فى موضوع «الطريق الثالث» وإصدار كتاب متكامل عن الموضوع، كما أنه صاحب إسهامات لا تنسى فى الدراسات المقارنة المعنية بحوار الحضارات والثقافات والأديان، وينطبق الأمر نفسه من حيث الريادة والتعمق والجدية على تناوله ومعالجاته لموضوع العولمة بتفريعاته المختلفة، خاصة ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتداعياتها، وكيفية التعامل معها مصرياً وعربياً.

أما عالم الاقتصاد الذى أتناوله هنا بالرثاء فهو الراحل الكبير الأستاذ الدكتور محمود عبد الفضيل رحمه الله. وقد تتلمذت على يدى هذا العالم الجليل خلال فترة دراستى الجامعية فى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وكان الدكتور محمود عبد الفضيل من أوائل من تناولوا التأثير السلبى لانتشار ظاهرة الفساد على اقتصاديات الدول، خاصة الدول النامية، ومنها الاقتصاديات العربية، والاقتصاد المصرى على وجه الخصوص. كما كان الراحل الكريم هو من أوائل من اكتشفوا وحذروا من مخاطر اتساع حجم ما يسمى «الاقتصاد غير الرسمي» فى مصر، وذلك منذ وقت مبكر فى سبعينيات القرن العشرين، ويجب ألا ننسى هنا أن الدكتور محمود عبد الفضيل هو واحد من أفضل من حاولوا التأريخ لمسار الاقتصاد المصرى فى الأزمنة الحديثة والمعاصرة، ونذكر هنا كتابه الشهير باللغة الإنجليزية «الاقتصاد السياسى للناصرية: 1952 - 1972». وبالإضافة إلى حضور المحاضرات التى كان يلقيها الدكتور محمود عبد الفضيل رحمه الله داخل الجامعة، فقد كنت أسعى أيضاً للاستماع إلى كلماته وتدخلاته وقراءة الأوراق أو التعليقات المقدمة منه فى ندوات أو مؤتمرات أو ورش عمل تنعقد خارج أسوار الحرم الجامعي، خاصة خلال المؤتمرات السنوية للجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع، وكذلك إنتاجه الغزير نوعاً وكماً من الكتب والمقالات. وكانت كل من هذه المناسبات مصدر إثراء لى من جهة علم الاقتصاد بشكل عام والاقتصاد السياسى على وجه أخص، كما كانت تلقى أضواء على ما كنا نشاهده ونعايشه فى مصر والوطن العربى بأسره من تحولات اقتصادية واجتماعية، ارتبطت بدورها بتغييرات فكرية وسياسية وثقافية خلال تلك الفترة.

وتواصلت العلاقة مع الأستاذ الكبير الدكتور محمود عبد الفضيل، وكان آخر لقاء معه رحمه الله ومع زوجته السفيرة الدكتورة ماجدة بركة خلال أحد المؤتمرات العلمية العربية المتخصصة فى منتصف عام 2013، وكانت فرصة رائعة لى للنهل من خبرات ودروس هذا العالم الاقتصادى الجليل، صاحب الالتزام الوطنى والقومي، وصاحب الانحياز للفقراء والكادحين، والذى لم يهادن على مدى حياته ولم يفرط فيما يعتقد أنه النهج الصحيح فى التعامل مع الاقتصاد، وذلك مقابل منصب أو جاه.

لمزيد من مقالات د.وليد محمود عبد الناصر;

رابط دائم: