رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رؤيتى لـ «القرن الحادى والعشرين» (173) ثلاث رؤى للدين

مغزى العنوان أن الرؤية للدين رؤية انسانية فى حدود ثلاث رؤى. وفى هذا المعنى تكون الرؤية نسبية بحكم النسبية التى تتسم بها أحكام العقل عند الانسان. ومن هنا تأتى إشكالية المعتقد الدينى من حيث هو مطلق.

والسؤال اذن: إذا كانت الاشكالية تنطوى على تناقض فهل فى الامكان رفع هذا التناقض بين النسبى والمطلق؟ أظن أن الرفع يكون ممكناً إذا كنا نقصد بالدين الايمان، ذلك أن الايمان برسالة دينية مسألة خاصة بالانسان وتقف عند حد القلب ولا تتجاوزه إلى حد العقل لأن للقلب حججاً يجهلها العقل لأن حجج العقل لا تكون صادقة إلا فى البراهين الهندسية. والايمان برسالة دينية لا علاقة له بمثل هذه البراهين. وإذا طلبها يكون بذلك قد خرج من مجاله إلى مجال آخر. ومن هنا ينشأ ما يسمى بــــ « علم اللاهوت» كما فى المسيحية أو علم الكلام كما فى الاسلام. وقد ارتأى اللاهوتى الكندى ألفريد كنتول سميث (1916-2000) الذى كان مديراً لمركز دراسة الأديان العالمية بجامعة هارفارد. وأظن أن تعيينه فى هذا المنصب كان مردوداً إلى كتابه المعنون «معنى الدين ونهايته» الذى أصدره فى عام 1962. وقيل فى حينها إنه من أعظم الشخصيات المؤثرة فى القرن العشرين. ومن رأيه أن لفظ الدين لفظ أوروبى لأن مؤسسى الأديان الكبرى لم يكن لديهم هذا القصد فى تأسيس ما أسسوه. وحتى لفظ الدين فى الاسلام مباين لمفهومه فى أوروبا. ولا أدل على ذلك، فى رأيه، من أن الممارسين للايمان لا يصلون إلى استخدام لفظ الدين إلا عندما يمتزج الايمان بالثقافة، بل إن كانتول يذهب إلى أبعد من ذلك إذ يرى أن الدين بالمعنى المعاصر هو نتاج هوية سياسية ممتزجة بعقيدة مهمتها الدفاع عن ذاتها فى مواجهة الملحدين. وفى هذا المعنى الأخير كان الفيلسوف الاسلامى أبو ريده (1909-1991) يذهب إلى شئ من هذا القبيل عندما قال إن علم الكلام نشأ مع نشأة الالحاد وبالتالى فإن نهايته مرهونة بنهاية الالحاد. إلا أن كانتول كان يرى على غير ما يرى أبو ريده. ففى كتابه المعنون «الايمان والمعتقد والخلاف بينهما» (1979) يقول بأن الايمان يأتى فى الصدارة منذ نشأة الحضارة الانسانية، وهو متعدد ومتباين إلا أن هذا التباين لم يكن موضع اهتمام. وهذا على الضد من المعتقدات التى دخلت فى صراع. وعندما نصبح على وعى بهذا التباين بين الايمان والمعتقد لن ندين أحداً أو ننكر ايمانه بدعوى أنه مباين لمعتقدنا، والسؤال لماذا؟ لأن المعتقدات فى حالة تغير متواصل، ولهذا فإنها لا تدخل فى تشكيل الايمان.

والسؤال اذن: ما الايمان؟ الايمان، فى رأى كانتول، سمة أساسية فى الانسان، إذ هو فى بنيته. ومن هنا فإن الايمان يلزم أن يكون كوكبياً، ومن غير هذا اللزوم لا يكون الايمان ايماناً. ولكن الايمان يلزم أيضاً أن تكون له طقوس وممارسات مناسباتية وقواعد للسلوك.

والسؤال بعد ذلك: ماذا يحدث لو انفصلت هذه كلها عن الايمان وعن المعتقد؟

الجواب عن هذا السؤال يستلزم أن يكون العقل جريئاً فى مواجهتها، وقد كانت هذه الجرأة لدى لاهوتى أمريكى ملحق بالأكاديمية الأمريكية للدين اسمه ستيفن بوش أصدر كتاباً عنوانه «رؤى للدين» (2014). وهذه الرؤى ثلاث: الخبرة والمعنى والقوة. الخبرة صوفية بالضرورة والمعنى جملة رموز تشير إلى مشروعات وآلام وطموحات وكلها ملفوفة فى القوة. ومن هنا يكون الدين قاهراً ومحرراً فى آن واحد، وتكون القوة بهذا المعنى هى ايديولوجية الدين. وهذه الثلاثية، فى نهاية المطاف، هى موجز للممارسات الدينية، ومن ثم تكون معبرة عن الدين، ولكنها فى الوقت ذاته، معبرة عن اطار مرجعى اسمه « الممارسات الاجتماعية». واللافت للانتباه هنا أن المعتقد الدينى ليس وارداً عند ستيفن بوش، بل إن الايمان ذاته قد أصبح مكتفياً بأنه ليس إلا خبرة صوفية. وفى هذا السياق هل ثمة تأثير من كانتول على بوش؟ إن بوش يذكر كانتول فى كتابه عندما يقول إن كانتول قد أحل لفظ الايمان محل لفظ الدين. وأظن أن بوش قد اتخذ من هذا الاحلال مدخلاً لتحويل الايمان إلى مجموعة ممارسات اجتماعية ثم اختتم كتابه تحت عنوان: الدين من حيث هو ممارسة اجتماعية أو بالأدق من حيث هو أنماط من السلوك. وفى هذا المعنى يكون التركيز على ما يفعله المتدينون وليس على ما يفكرون فيه. ومن هذه الزاوية تدخل أفعالهم فى علاقة عضوية مع أنماط أخرى من السلوك الاجتماعى.

والرأى عندى أن كتاب بوش يخلو من تناول ظاهرة محورية فى القرن الحادى والعشرين وهى ظاهرة الكوكبية التى تعنى التعامل مع كوكب الأرض على أنه وحدة بلا تقسيمات. ومن شأن هذا النوع من الوحدة أن تنتفى معه المطلقات أو العقائد المطلقة التى تدخل فى صراع بحكم تعدديتها التى تتناقض مع مفهوم العقيدة المطلقة التى ترفض ما عداها. ومع ذلك فالكوكبية لازمة من ظاهرة أخرى أشمل منها وهى الكونية التى تعنى إمكان السباحة فى الفضاء بفضل الثورة العلمية والتكنولوجية من أجل تكوين رؤية علمية عن الكون يكون من شأنها الكشف عن المجاز الكامن فى الألفاظ الدينية أيا كانت ملتها، ويترك للمؤمن مهمة هذا الكشف دون الاستعانة بالسلطة الدينية المكلفة تراثياً بالدفاع عن مطلقها فى مواجهة المطلقات الأخرى لأنها لم تعد صالحة للتعامل مع الكوكبية أو الكونية. وإذا كان ذلك كذلك فهل يمكن اعتبار هذه الرؤية بديلاً عن الرؤى الثلاث؟ وإذا جاء الجواب بالايجاب فهل تكون هذه الرؤية المضاد الحيوى للقضاء على جرثومة الارهاب؟

لمزيد من مقالات مراد وهبة;

رابط دائم: