رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
مع تزايد الموجات الشعبوية فى الغرب الأوروبى وأمريكا الشمالية، وتزايد قدرة هذه التيارات على المنافسة على السلطة، بل والوصول إليها؛ تتزايد أهمية تغيير إستراتيجيات تعامل العالم العربى مع الغرب؛ خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية التى أصبحت ترتبط مصالح العديد من الدول العربية بها إن لم يكن كلها، ويزيد أهمية هذا التغيير أن مقارباتنا التاريخية مع الولايات المتحدة حققت مصالحها كما تريد هي، وفى المقابل حافظت على الحد الأدنى من مصالح الدول العربية، وأحيانا تمت التضحية بهذا الحد الأدنى كما فى حالة الاتفاق النووى مع إيران الذى مكن إيران من الحصول على أرصدة كانت مجمدة بمقدار ١٥٠ مليار دولار، أنقذت إيران من شفير الانهيار على حد تعبير الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. اللحظة التاريخية التى يمر بها العالم اليوم تحتاج إلى الحوار الفكرى قبل الحوار الإستراتيجى الذى لم يحقق إلا مصالح طرف واحد. لقد انخرطت مصر فى حوار إستراتيجى مع أمريكا لفترة طويلة، والنتائج لم تخرج بتحقيق أى من الأهداف الإستراتيجية لمصر، ويكفى أن نلاحظ أنه بعد عقود من الحوار الإستراتيجى انحازت إدارة أوباما لتنظيم الإخوان على حساب الدولة المصرية، لأن ذلك يحقق أهدافها، وتم تجاهل كل مخرجات الحوار الإستراتيجى الذى ظل مستمراً لعقود. وبديهيات الواقع تقول لنا إن الحوارالإستراتيجى يكون بين أطراف متكافئة إستراتيجياً، وليس بين طرف يملك ٩٩٪ من أوراق اللعبة وآخر يملك ١٪ منها؛ على حد تعبير الرئيس الراحل أنور السادات. الحوار الإستراتيجى بين القوة العظمى ومن يسعى للدخول فى دائرة صداقاتها ليس حواراً إستراتيجياً، بل هو من قبيل المواءمة، وإظهار حسن النية، وتأكيد الصداقة، والمحافظة على مصالح الطرف الأقوى. فى أكثر اللحظات التاريخية تعاونا بين العرب والإدارة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر ٢٠٠١، وضرب أفغانسان ٢٠٠٢، وغزو العراق ٢٠٠٣، كانت مراكز التفكير أوبيوت الخبرة think-tanksفى الولايات المتحدة تسعيد إستراتيجية هنرى كيسنجر التى طبقها مع الكتلة الشيوعية فى سبعينيات القرن الماضي، والتى تقوم على فكرة «دع الشيوعى الجيد يخلصنا من الشيوعى الردئ»، وتبنت هذه المراكز نفس المنهج ورفعت شعار «دع المسلم الجيد يخلصنا من المسلم الردئ»، لذلك ركزت على تنظيم الإخوان المسلمين فى كل أنحاء العالم، وسخرت له كل التسهيلات والإمكانيات، وضغطت على النظم العربية لقبوله وإدماجه فى العملية السياسية، وحدث هذا فى مصر وغيرها، وتم توظيف هذا التنظيم تحت شعار أن التيارات المعتدلة هى الوحيدة القادرة على التخلص من التيارات المتطرفة، وظل الإخوان يرددون هذه الاطروحة إلى اليوم، وفى الحقيقة هى اطروحة هنرى كيسنجر، ولمن أراد معرفة المزيد فليراجع مقال ديفيد كابلان «العقول والقلوب والدولارات» المنشور ٢٠٠٥. حدث هذا لانعدام وجود حوار فكرى بين أمريكا والعرب، والاعتماد فقط على أنواع أخرى من التواصل؛ قادت إلى أن يصبح العرب موضوعاً للإدارة الأمريكية، تقلبه كيفما تشاء طبقاً لمصالحها، وتضغط على النظم العربية لتمرير اختياراتها التى تحقق مصالحها، وقد لا تحقق مصالح الدول العربية خصوصاً مصر على المدى البعيد. تكرر نفس الأمر فى عهد إدارة أوباما، حيث تم تشكيل لجنة من كبار جنرالات وزارة الدفاع العاملين والمتقاعدين، مع مجموعة من رجال الاستخبارات، والدبلوماسيين حملت اسم اللجنة B2، وللاسم دلالة خطيرة جدا…لأن اللجنة الأولى B1، شكلها مدير المخابرات المركزية الأمريكية CIA، جورج بوش الأب ١٩٧٦؛ لتقوم بتقييم السياسة التى اتبعها هنرى كيسنجر فى أوائل السبعينيات لاحتواء الاتحاد السوفيتي، والكتلة الشيوعية، على أساس أن هذا النوع من العلاقة السلمية سيقود فى النهاية إلى إنهاء الحرب الباردة، وخلصت لجنة B1 إلى نتيجة تقول العكس، فلابد من تفكيك الاتحاد السوفيتى ذاته، ومواجهته من الداخل، والقيام بكل ما من شأنه القضاء عليه، وقد تم تطبيق هذه الخلاصات فى فترة رئاسة كل من رونالد ريجان، وجورج بوش فى أواخر الثمانينيات واوائل التسعينيات. وجاءت لجنة B2 التى تشكلت ٢٠١٠ لتقوم بنفس الدور، ولكن مع العالم الإسلامي، الذى حل محل الاتحاد السوفيتى فى مقعد العداء؛ كما خلص صموئيل هانتنجتون فى كتابه صدام الحضارات، وخلصت اللجنة إلى أن الإسلام كشريعة معادية لمبادئ الدستور الأمريكي، وللعلمانية، وللحضارة الغربية، ولذلك يجب مواجهتها بصور مباشرة، وليس باحتوائها، وتم نشر ذلك فى تقرير ضخم عنوانه «Sharia: The Threat to America»، وفيه تم حشد كل التيارات المعتدلة بما فيها الأزهر الشريف ضمن مكامن الخطر على الحضارة الغربية، وعلى أمريكا. وهذه الرؤية لم تبق حبيسة الأدراج، بل خرجت فى تصريحات العديد من القيادات: ابتداء من الرئيس ترامب إلى معظم الفاعلين فى إدارته، وتحولت إلى إسلاموفوبيا فى الغرب عموماً، وسوف تتزايد فى المستقبل. وفى ظل ذلك لابد من إطلاق حوار فكرى مع الإدارة الأمريكية خصوصاً والغرب عموماً، يقوده المفكرون الحقيقيون الذين يفهمون العقل الغربي، وليس الموظفين فى مناصب وزراء أو مفتين، ولا الدبلوماسيين أو العسكريين، حوار عميق يحشد له أفضل العقول العربية بغض النظر عن ديانتها، فمثلا الدكتور وائل حلاق من أعظم العقول التى أبدعت فى دراسات الفقه وأصول الفقه فى أمريكا الشمالية، بصورة لا يستطيع أى مجتهد إلا أن يقدرها؛ هو مسيحى عراقى. يجب أن تقود الحوار العقول العربية التى تدرك عمق الحضارة الإسلامية والفقه الإسلامى وتفهم لغة الحوار مع الغرب سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين. الحوار الفكرى هو القادر على رسم خريطة مستقبل تحول دون التلاعب بمجتمعاتنا وتوظيفها لخدمة أجندات تيارات وأحزاب ونخب فى أمريكا وأوروبا. لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف;