رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

المواجهة الحقيقية والوعود الوردية

للتعبير عن الحقيقة الواحدة طرق متعددة، بعضها صادم وصريح، وبعضها الآخر مراوغ وملتو.. ولكل طريقة جمهورها، ولكل طريقة تبعاتها وآثارها.. الجراح البريطانى مشهور فى العالم بمهارته من ناحية، وبصراحته غير العادية من ناحية أخرى.. ويماثله فى ذلك الجراح الألمانى.. كلاهما جادان، وماهران، ودقيقان، ولكنهما صريحان أكثر من اللازم.. من عادات هؤلاء الأطباء أنهم يصارحون المرضى بكل التفاصيل، وبالاحتمالات السيئة قبل الجيدة.. نفاق المرضى ليس من طباعهم، وزرع الأمل غير المتوقع ليس من أسلوبهم.. لذلك ليست لهم شعبية مثل الأطباء الفرنسيين.. ولكنهم الأكفأ، والأكثر نجاحاً..

فى عالم السياسة، هناك قادة ومسئولون تستهويهم دغدغة مشاعر الجماهير، وإغراقهم فى الأحلام الوردية، و«جعل البحر طحينة».. لذلك اتصف السياسيون فى كل مراحل التاريخ بالكذب، والمراوغة.. مر تشرشل على قبر أحد السياسيين الكبار، ولفت نظره ما كتب على قبره «هنا يرقد الزعيم السياسى والرجل الصادق»، وتساءل كيف يرقد اثنان مختلفان فى قبر واحد.. السياسة والصدق لا يجتمعان.. السياسى مهمته وهمه هو كسب الشعبية، وجمع أكبر عدد من المناصرين له، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ، وعلى حساب الصدق.. وهناك نوع ثان من القادة والمسئولين المقاتلين.. همهم هو الإصلاح بغض النظر عن نفاق الجماهير، وبغض النظر عن الحفاظ على شعبيتهم.. الهم العام لدى هؤلاء أكبر من الهم الخاص، والنتائج على المدى البعيد أهم وأكبر من النتائج القصيرة المدى.. هؤلاء القادة والمسئولون لا ينظرون تحت أقدامهم، بل تستهويهم رؤية الأفق من بعيد، ورؤية معالم الطريق ولو كان على طريقة زرقاء اليمامة..

الرئيس عبدالفتاح السيسى، رجل من هؤلاء القادة الذين لا ينافقون الجماهير، ويضحون بشعبيتهم أحياناً من أجل تحقيق المصلحة العامة، وهو ما تجلى فى كثير من القرارات المتعلقة برفع الدعم جزئياً عن الوقود، وتعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف، وغيرها من القرارات التى تردد مسئولون كثيرون سابقون عن اتخاذها أو الاقتراب منها خوفاً على شعبيتهم، وتأميناً لحكمهم.. وعلى هدى هذه المدرسة كانت قرارات محافظ البنك المركزى، وسياساته الشجاعة لإصلاح النظامين المالى والاقتصادى فى مصر..

من مدرسة الرئيس السيسى، وعلى خطاه أيضاً، كان رفض وزير المالية د.عمرو الجارحى هذا الأسبوع تطبيق مشروع العلاوة الخاصة على كل العاملين بالدولة سواء المخاطبون بقانون الخدمة المدنية أو غير المخاطبين. وإعلانه عن عدم صرف أية علاوات إضافية أو خاصة، موضحاً أن الرواتب فى مصر زادت من 80 مليارا عام 2011، إلى 135 مليار جنيه خلال هذا العام ، موضحاً أن مشكلة البلد هى توزيع مزايا لغير الراغبين فيها والذين لا يحتاجونها.. مثل هذا التصريح من وجهة نظرى ورغم أنه غير جماهيرى أو شعبوى فإنه يدعونى لاحترام هذا الوزير والذى أتمنى أن يحذو الوزراء حذوه.

اننى أتصور ان الشعوب تصدق حكامها وتحترمهم حتى وان قاست لأن الصدق لا يتجزأ.. دغدغة مشاعر الجماهير، والكذب عليهم، ووعدهم بما لا يمكن تحقيقه أساليب تحقق نجاحاً مؤقتاً فى الانتخابات ، لكنها لا تفتح بيوتاً، ولا توجد فرص عمل للعاطلين، ولا تحسن من مستوى الاقتصاد وتجذب الاستثمارات.. الصراحة والوضوح مطلبان أساسيان فى عصر الشفافية واشتراك الجماهير فى المسئوليات والتبعات.. شعارات جوبلز الداعية إلى الكذب المستمر حتى يصدقك الناس، وتعليمات مكيافيللى إلى الأمير، بأن يخدع الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلاً لم تعد تؤتى أكلها فى وقتنا الحالى.. وما أحوجنا إلى التمثل بمقولة بروتوس فى مواجهة قيصر: «أحب روما وأحب قيصر، ولكن حبى لروما أكبر».. ولا شك فى أن حبنا لمصر أكبر وأكبر من أى تصور..


لمزيد من مقالات د. سامى عبدالعزيز;

رابط دائم: