أعطت إشارات دونالد ترامب الإيجابية بخصوص مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسى أملاً للمصريين فى تحول جديد للولايات المتحدة تجاه مصر وسياساتها إزاء الوضع المتفاقم فى المنطقة. ولاشك أن اللقاء المرتقب بين الرئيسين فى الثالث من إبريل سيضع النقاط على الحروف بالنسبة لكثير من الأمور كان يشوبها الغموض وسوء الفهم فى ظل الإدارة السابقة والتأكيد على أن استقرار مصر وأمنها مسألة حيوية بالنسبة لأمن منطقة الشرق الأوسط وهو ما يصب أيضاً فى أولويات الولايات المتحدة بالنسبة للمنطقة. كما أن اللقاء المرتقب يبشر بعودة الأمور إلى مجاريها وبناء علاقة واعدة بين رئيسى مصر والولايات المتحدة والتى يجب أن تمتد لتشمل مؤسسات البلدين والتعاون على جميع المستويات العسكرية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية والتكنولوجية وأن يكون هناك تفاعل أوسع بين المجتمعين المصرى والأمريكي.
ويتعين علينا أن نتذكر أن العلاقات بين الدول تقوم على مبدأ تبادل المصالح، فلن تحصل مصر على شىء إن لم تقدم ما يوازيه فى المقابل. فحصول مصر على المساعدات الأمريكية السخية فى السبعينيات جاء مقابل اتفاقية كامب ديفيد والاعتراف بإسرائيل كدولة، وجاء إلغاء الديون فى التسعينيات مقابل قيادة مصر تحالفاً عسكرياً مع الولايات المتحدة لإنهاء الاحتلال العراقى للكويت.
وعليه، فإن التحضير لهذه الزيارة لا يكون فقط من خلال تقديم عريضة بالمطالب المصرية ولكن الأهم أن نعى ماذا تريد الولايات المتحدة من مصر فى هذه الفترة الصعبة التى تمر بها المنطقة وما فى وسع مصر تقديمه. إن دور الرئيس السيسى كقوة محركة للاستقرار فى الشرق الأوسط يجب أن يكون واضحاً للإدارة الأمريكية الجديدة. فلدى الرئيس السيسى ابتداءً رصيد زاخر بالإنجازات على المستوى المحلى والذى يشمل مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الصعبة والشجاعة مثل قرار تعويم الجنيه المصرى والتعهد بتنفيذ برنامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولى ومصارحة الشعب المصرى بحقيقة صعوبة الوضع الاقتصادى الحالى، بالإضافة إلى جهوده المستمرة فى محاربة التطرف الإسلامى.
ومع ذلك، فإن إعادة العلاقات إلى نصابها يتطلب جهدا وصبرا، فكل دولة لها أولوياتها ولها إطارها الذى يمكن أن تتحرك فى نطاقه. وإن كنا نتمنى أن يسهم مؤتمر القمة العربية، الذى أقيم بعَمَّان إمس الأول، ولو بقدر متواضع فى توضيح الرؤية بالنسبة للمسار العربى المشترك، فإن قراءتنا للوضع لا تبشر بالأمل. وهو الأمر الذى يلقى عبئاً إضافياً على مصر. وعلى صعيد آخر، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة ما زالت فى مهدها وستكون حريصة ومتحمسة لسماع وجهة النظر المصرية والمعروف عنها التوازن والموضوعية. كما أن الرئيس ترامب يفتقر إلى الخبرة والإلمام الكامل بأبعاد وتداعيات المشاكل التى تحيط بالمنطقة. ومن ثم فمن المتوقع أن يكون مستمعاً جيداً – على الرغم من سمعته التى تشير إلى عكس ذلك.
وما نأمله جميعنا هو أن تمهد الزيارة المرتقبة للرئيس السيسى إلى أمريكا لرأب الصدع الذى صنعته الإدارة السابقة والتوتر الذى أحدثه إزاحة حكومة الإخوان فى العلاقات المصرية الأمريكية، رغم أن الإطاحة بالإخوان جاءت استجابةً لنداء الغالبية العظمى للشعب المصري. وأثار الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما غضب واستياء الشعب والجيش المصرى على حد سواء عندما قام بتعليق بعض المساعدات العسكرية لمصر عقب الإطاحة بالإخوان. وتعمدت واشنطن تأخير تسليم طائرات إف 16 وقطع غيار دبابات أبرامز وطائرات الأباتشى بالرغم من التصريحات المتكررة للمسئولين العسكريين فى مصر بالحاجة إليها فى حربنا ضد الإرهاب.
ومن المهم أن نكون على يقين بمدى إمكانياتنا الراهنة وقدراتنا المستقبلية دون محاولة لتجميل الحقيقة أو إخفائها. فإن مصر يجب أن تدرك أنها فقدت الكثير من وزنها ومكانتها فى المنطقة بعد 2011 بسبب عوامل داخلية وخارجية متعددة ترجع إلى الفوضى والفراغ السياسى الذى خلَّفه الربيع العربى وما تلاه بالنسبة لحكم الإخوان من تفكك داخلى وارتباك وانهيار وشيك للاقتصاد المصري. هذا بالإضافة إلى اختلال ميزان القوى الإقليمية لصالح قوى غير عربية لها مطامعها الأكثر شراسةً وعداءً للمنطقة مثل إيران وتركيا.
وتضع إدارة ترامب على رأس قائمة أولويات سياستها الخارجية القضاء على داعش فى العراق وسوريا. وتعتبر مصر الحليف الرئيسى بالنسبة للدول العربية والولايات المتحدة فى مجال مكافحة الإرهاب والتطرف الدينى والعنف. فإن الحكومة المصرية تخوض حرباً باهظة التكاليف ضد متمردى داعش فى شمال شبه جزيرة سيناء المصرية وعلى حدودها الغربية مع ليبيا. وتعتبر هذه الجهود المبذولة سبباً وحافزاً لانطلاق مباحثات جادة وموضوعية ومدْ يد العون لمصر للقضاء على الإرهاب واستعادة استقرارها ومكانتها السابقة.
وتمتلك الدبلوماسية المصرية من الكفاءة ما يؤهلها لأن تقود الشرق الأوسط من جديد. ويقع على عاتق مصر أن يكون لها تصور واضح ومتكامل لتناول الأزمات العديدة والمتشابكة فى المنطقة والتعرف على الأسباب الحقيقية وراء الوضع المتدهور فى المنطقة. وفى هذا السياق تتميز مصر بوضع يؤهلها لتقديم الأفكار وبناء القنوات التى من شأنها أن تساعد فى بناء الجسور بين المملكة العربية السعودية وإيران والاعتراف المتبادل بالاحتياجات الأمنية لكل منهما. فإن الخلافات بين هاتين القوتين لا تزال هى قلب العديد من الصراعات فى المنطقة وتعتبر من أكبر التحديات وأكثر المسائل الشائكة التى علينا التعامل معها صراحة وعدم دفن رءوسنا كالنعام فى الرمال.
وبالنسبة لليبيا، لا تدخر مصر جهدا،ً حيث تسعى جاهدة لتحقيق الاستقرار فى ظل حكومة وطنية واحدة متوازنة. وللموقف المصرى وجاهته فى التمسك بحفتر كجزء من الحل ضماناً لاستقرار الحدود المصرية الليبية واحتواء تأثير الدولة الإسلامية على حدودها، وهو ما حدا بمصر إلى التقدم بخارطة الطريق من أجل تحقيق المصالحة الوطنية بين كل من السراج رئيس الحكومة الحالية وخليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة الليبية بغية إجراء الانتخابات فى خلال عام.
أمّا بالنسبة للأزمة السورية، فإن ما يهم مصر فى المقام الأول هو وحدة الأراضى السورية والحفاظ على حدودها التاريخية، وهو ما قد يؤهلها أكثر من غيرها للقيام بدور إيجابى لحل الأزمة السورية سواء عن طريق تنسيق الجهود العربية الأمريكية للتصدى لداعش والقاعدة فى إطار توافق دولى أو من خلال المساعدة فى تحقيق تسوية سياسية بين الحكومة السورية والمعارضة. وتتخذ مصر فى ذلك موقفاً واضحاً على نقيض القوى الإقليمية الجديدة، تركيا وإيران، اللتين تحسبان نفسيهما على المنطقة، وإن كانتا لا يهمهما على الإطلاق سلامة المنطقة العربية، إنما تدخلهما جاء لتحقيق مطامعهما وإضعاف المنطقة العربية وإفقادها مصداقيتها.
كما أولى الرئيس السيسى اهتماماً كبيراً بمراجعة الخطاب الدينى على أن يكون أكثر اعتدالاً وعقلانيةً وينأى بنفسه عن الحركات المتطرفة. وقام بتكليف الأزهر الشريف بهذه المهمة باعتباره المنارة العلمية والمرجع الدينى الموثوق فيه للمسلمين السنة لأكثر من ألف عام. ويلقى تكليف الأزهر الشريف بهذه المهمة مسئولية فريدة عليه لمخاطبة المسلمين ليس فقط فى مصر ولكن فى جميع أنحاء العالم، وهو ما قد يهتم به الجانب الأمريكى لسماع المزيد عن هذا التوجه واحتمالات إنجاحه كمنارة مجددة للإسلام المعتدل. وتحدث الرئيس ترامب عن رغبته الملحة فى أن يكون هو الرئيس الأمريكى الذى يضع حداً للصراع الفلسطينى الإسرائيلي، ويتعين على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تدرك أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سوف يُشعل الصراع ويزيده تعقيداً. وليس هناك أقدر من مصر على التوسط بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلي، لما يكن لها كل من الطرفين من احترام وثقة استطاعت مصر اكتسابهما فى معاملاتها معهما على مر العقود. وتواصل كل من مصر وإسرائيل التعاون الناجح القائم فيما بينهما فى مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية وعمليات مكافحة الإرهاب ومحاربة داعش فى سيناء. وبالطبع لا تزال مصر من أشد المؤيدين والمدافعين عن حقوق الشعب الفلسطينى ودعمها الذى لم يتزعزع قط بالنسبة لحق تقرير المصير للشعب الفلسطينى وإقامة دولته على أراضيه. ومما لا شك فيه أن مصر تستطيع بقوتها وبتحالفها مع الولايات المتحدة أن تقوم بدور حاسم ومحورى طالما قامت به نحو تحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط.
لمزيد من مقالات د . ماجدة شاهين; رابط دائم: