يحمل الرئيس السيسى فى زيارته للولايات المتحدة تاريخًا طويلاً ومعقدًا للعلاقات المصرية- الأمريكية، ولكن الأهم أنه يتطلع إلى تعاون بنَّاء مع الرئيس ترامپ بقصد الإعلاء من هذه العلاقات الأولى بالرعاية؛ فمما لا شك فيه أن التطورات الإقليمية والوطنية فضلاً عن التشابكات الدولية تدفع الرئيسين إلى البحث المتعمق حول أفضل السبل لتوثيق العلاقات الثنائية مع التوافق بشأن الالتزامات الإقليمية، والحقيقة أن العلاقات الأولى بالرعاية بين البلدين لم تكن دائمًا يسيرة الخطي، بل كانت لفترات كثيرة عسيرة وعصيبة لأسباب تبين أنها تعود إلى سوء الإدراك لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة لدور الدولة المصرية كدولة إقليمية مركزية تشكل رمانة الميزان فى إقليمى الشرق الأوسط والوطن العربي، بالإضافة إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية فى المنطقة كانت دائمًا أسيرة الرؤية الإسرائيلية للعداء مع العرب والخوف الاستراتيچى من إنشاء دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل على أرض فلسطين.
بيد أن الواقع يؤكد من خلال تدريس الحضارة الفرعونية لطلاب الصف الرابع من مرحلة التعليم الأساسى فى الولايات المتحدة، ومن الحوارات الفكرية والسياسية مع العديد من المسئولين عن الملفات المصرية لمختلف الإدارات الأمريكية أن هناك شغفًا بمصروتفهمًا واضحًا لما يمكن أن تكون عليه العلاقات بين البلدين وما يمكن أن يترتب على رعايتها ودعمها من آثار كبرى على الاستقرار والأمن فى المنطقة، نحن نتحدث عن أمن الممرات والمضايق؛ قناة السويس، وباب المندب، ومضيق هرمز، ومضيق جبل طارق، ونتحدث عن أمن البحار؛ الأبيض، والمتوسط، وبحر العرب، وبحر عمان، ونتحدث عن أمن المنطقة الممتدة من بحر قزوين إلى المحيط الأطلنطى عبر وسط آسيا وشرق أوروبا وأوروبا، ونتحدث كذلك عن صيانة استقرار الدولة القومية فى الوطن العربى حمايةً لمصادر الطاقة من بترول وغاز طبيعى وربما طاقة شمسية، كما نتحدث أيضًا عن أكبر أسواق مفتوحة للمنتجات الأمريكية -خصوصًا الأسلحة- فى الوطن العربي، وكذلك عن أمن الحدود الجنوبية لأوروبا، والتى استثمرت فيها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ما يناهز 2 تريليون دولارلحمايتها من المد الشيوعى آنذاك، ونتحدث عن درء القوى والمنظمات والجماعات الإرهابية التى لايقف نفوذها وتهديدها عند حدود الشرق الأوسط، بل إن شرعيتها ومواردها تأتى أساسًا من مشروعها الإرهابى العالمى الذى يستهدف الولايات المتحدة وأوروبا.
لا شك أن الرئيس ترامپ يسعى إلى إعادة بناء الولايات المتحدة واستعادة قدراتها الاقتصادية بعد أن صارت الصين بنهاية العام الماضى الدولة الأولى فى الناتج القومى الإجمالي، وفى التجارة الدولية، وفى الاحتياطى الدولي، وكذلك الأولى فى الاستثمار فى سندات الحكومة الأمريكية، ومن جانب آخر، يسعى الرئيس السيسى إلى إعادة بناء الدولة المصرية كدولة إقليمية مركزية، وفى الوقت الذى يملك فيه الرئيس ترامپ رفاهية العزلة البنَّاءة، لا يمكن لمصر إلا أن تلعب دورها الإقليمى المركزى كقوة توازن لا غنى عنها فى المنطقة، بيد أن ذلك يتطلب بادئ ذى بدء بناء الاقتصاد القومى لمواجهة التهديدات المتعلقة بخلق حالة ندرة فى الحاجات الأساسية للمواطنين.
وفى هذا الإطار؛ فإن الحرب الشاملة التى تخوضها مصر ضد الإرهاب وتتحملها هذه الموارد الاقتصادية النادرة هى فى الواقع حرب ضد الإرهاب الدولى الذى ينبغى أن تتحمل تكلفته الدول المعرضة للتهديدات مجتمعة، وعلى رأسها أوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج العربية، من ثم؛ فإن دعم العلاقات المصرية- الأمريكية الأَوْلى بالرعاية فى مكافحة الإرهاب الدولى تقع على أولوية أجندة الرئيسين فى واشنطن؛ فمن ناحية، اكتسبت مصر خبرة نادرة فى تكاتف الجيش والشرطة فى مقاومة الإرهاب الدولى فى سيناء، وهو إرهاب دولى من حيث التجنيد والتدريب والتسليح والتمويل ووسائل الاتصال وأدوات التكنولوچيا الحديثة، وقد اكتسبت القوات المسلحة المصرية خبرة استثنائية يمكن أن تنعكس على قدرات الدول الأخرى التى تواجه الإرهاب، وإن كانت مصر تحتاج نظرًا لطول المواجهة-إلى دعم فنى وموجة من الأسلحة الجديدة اللازمة لاستمرار المواجهة، ويرتبط بذلك ضرورة تنمية العلاقات الثنائية فى المجالات الاستراتيچية، سواء تعلقت بتحقيق الاستقرار فى البحر الأحمر أو الخليج العربى أو شرق البحر المتوسط.
ولا شك أن الرئيس ترامپ سوف يعتمد اعتمادًا أساسيًا على مصر فى التأكيد على حل الدولتين؛ دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل لإتاحة الاستقرار فى المنطقة بأكملها ونزع فتيل ومبررات التطرف والهوس الذى توظفه الجماعات الإرهابية ضد مؤسسات الدولة المدنية والمصالح الاستراتيچية للقوى الكبرى فى المنطقة. إن حل الدولتين والتوصل لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل يزيح من المنطقة كابوس الاحتلال العسكرى الإسرائيلى لفلسطين، وهو الاحتلال العسكرى التقليدى الوحيد الباقى من تراث الاستعمار الأوروبي.
ومما لا شك فيه أن التوصل إلى فهم متبادل بين الرئيسين، سواء فيما يتصل بالعلاقات الثنائية أو القضايا الإقليمية الملحة سيفتح آفاقًا أوسع لتعاون إقليمى استراتيچى مفتوح يعود بالفائدة على تحقيق المصالح الوطنية للطرفين، وفى نفس الوقت تحفيز عناصر الوفاق والاستقرار فى المنطقة، مما يؤدى إلى تأمين تدفق الطاقة إلى الغرب والشرق معًا، وفى هذه الحالة؛ فإن الجميع يخرج رابحًا.
لمزيد من مقالات د. عبد المنعم المشاط; رابط دائم: