رسالة الإسلام قائمة على الرحمة، فقد أرسل الحق سبحانه وتعالى نبينا محمدًا، صلى الله عليه وسلم، رحمة للعالمين، فقال سبحانه: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، وجعل رسالته رحمة، فقال سبحانه: «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ»، ووصفه بأنه صلى الله عليه وسلم، رحمة، فقال سبحانه: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»، وقال سبحانه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ».واستتفتح القرآن الكريم ببسملة الرحمة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، وافتتحت سورة الفاتحة بآيات الرحمة «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، واستهلت أسماء الله الحسنى بالأسماء الدالة على عظمة الرحمة «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ»، ويقول نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّحْمَةَ لَا تنزع إلا من شقي».
وإذا كانت الرحمة سمة أساسية في حياة المؤمنين, فإنها تكون أكثر طلبًا بل ووجوبًا مع الضعفاء والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، ولذا كانت التوجيهات القرآنية والنبوية أكثر تأكيدًا على الرحمة والعناية بهؤلاء الضعفاء، حيث يقول الحق سبحانه: «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»، ويقول سبحانه مستنكرًا على المشركين عدم إكرامهم لليتيم، وعدم حضهم على طعام المسكين: «كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ»، ويقول:«مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ»، ويقول سبحانه: «أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ».
ويقول سبحانه مبينًا ثواب من يحنو على هؤلاء الضعفاء والمساكين: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا»، ويقول نبينا:«أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا».
غير أن هناك من تستطيع أن تصفه أنه لا رحمة له، أو بأن الرحمة قد نزعت من قلبه، الصنف الأول من هؤلاء: هم الذين لا يكتفون بعدم الإحسان إلى من يستحق الإحسان، إنما يكونون مع الظروف القاسية عليهم، يأكلون أموالهم, ويبخسونهم حقوقهم، ولا يرحمون ضعفهم، حيث يقول الحق سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) .
على أن مال اليتيم إنما يجمع ما تركه له والده أو والداه، وما كسبته يداه، أو ما تم التصدق به عليه أو لأجله، وكل ما جمعته أو تجمعه الجمعيات ودور الأيتام للإنفاق عليهم، أو ما حبس لأجلهم حتى بعد بلوغهم، فالقرآن الكريم لم ينزع عن الأيتام وصف اليتم حال تأهلهم للقيام بأمر أنفسهم، إنما آثر وصفهم باعتبار الحال التي كانوا عليها ترقيقًا للقلوب عليهم, وتذكيرًا بما يستحقون من تواصل العناية والرعاية، فقال سبحانه:«وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ», وقال:«وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا».
الصنف الآخر: هم هؤلاء الإرهابيون المجرمون الذين يستهدفون الآمنين الأبرياء، فيرملون النساء، وييتمون الأبناء، لا يألون على خلق ولا دين ولا وطن ولا إنسانية، أعمتهم أنانيتهم ومطامعهم وطمس بصائرهم عن مآلات ما يقدمون إليه، بحيث صاروا منزوعي الرحمة والإنسانية لا يفكرون في مآلات أفعالهم الإرهابية الخسيسة الدنيئة، ولا في مصير هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين ينضمون إلى قافلة اليتم، مما يجعلنا أكثر إصرارًا على مواجهة هذا الإرهاب الغاشم، ويجعلنا نقول لهؤلاء المجرمين المستهدفين للأبرياء المعتدين على حقوقهم وأمنهم وأمانهم: مهلًا أيها القساة.
لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة ; رابط دائم: